دولتنا المدنية الحديثة تحبس أربعة أطفال مسيحيين خمس سنوات بتهمة ازدراء الدين الإسلامى، وتترك الآلاف من مسلميها يزدرون الدين المسيحى جهاراً نهاراً على منابر المساجد، وفى خطب السلفية وكتبهم التى تباع على الأرصفة. دولتنا المدنية الحديثة لا يحمر وجهها خجلاً من حبس أربعة أطفال لا يعرفون فرقاً بين الأديان، ولم يبلغوا سن التكليف أو الرشد، ولا تسرى عليهم الأحكام، ولا تستحى من العالم المتمدين الذى يعتبر ذهاب الطفل إلى قسم البوليس جريمة تعاقب عليها الدولة ويستوجب الأمر علاجهم فى مصحة للأمراض النفسية.
الحكاية المضحكة المبكية، وكم فيك يا مصر من مبكيات، أن الأطفال الأربعة منذ عام فى رحلة مدرسية صوروا فيديو لا تتعدى مدته نصف دقيقة للسخرية من تنظيم الدولة الإسلامية داعش وهو يذبح ضحاياه من المسيحيين فى ليبيا بعد الصلاة والدعاء، وسط جو من سخرية طفولية بريئة عفوية، ولما فقد المدرس جاد يوسف يونان شريحة المحمول التى صور عليها الفيديو، نشره البعض على الفيس بوك، عندها ثارت حفيظة المسلمين فى قرية الناصرية بمركز بنى مزار واعتبروا أن الفيديو الهزيل لأطفال صغار يهدم أركان الدين وينال منه ويهدده وينقص من قدره ويزدريه، وكأنهم كفار قريش فى معركة أحد، والمدرس المسكين هو أبوجهل، فتظاهر المسلمون الأشاوس الغيورون على دينهم فى القرية واقتحموا كنيسة المسيحيين (لاحظ أن هذا ازدراء دين ولم يقدم منهم أحد للمحاكمة كما قدموا المدرس والأطفال لأنهم مسيحيون فقط)، ومنازل المسيحيين ومحلاتهم، وانتهى الأمر كما قالوا: بعقد جلسة يقال عنها جلسة صلح، لكنها فى الحقيقة جلسة قهر وتهجير قسرى وإذلال وتحقير مخالف للدستور الذى يصون حق المسلم والمسيحى على السواء. وقالوا: اتفقوا، لكنهم لم يتفقوا بل أُجبروا وأُرغموا على تهجير المدرس وأسرته وأطفاله الثلاثة ظلماً وعدواناً، وللأسف فى حضور من ينفذ القانون ويحافظ عليه من رجال الشرطة، وقدمت الشرطة الأطفال الأربعة (وهم ألبير أشرف، وباسم ماجد، ومولر عاطف، وكلينتون مجدى) إلى المحكمة بمحضر، لرجال الشرطة والأمن الوطنى، ظالم ومدلس وفوضوى بتهمة ازدراء الدين الإسلامى وإثارة الفتنة الطائفية والقيام بأداء شعائر الدين الإسلامى بطريقة لا تتفق مع صحيح الدين، وإذاعة ذلك بوسيلة من وسائل الإعلام!! حتى حكمت محكمة بنى مزار على المدرس وثلاثة أطفال منهم بخمس سنوات حبس وإيداع الأخير مصحة عقابية.
مبروك للإخوة المسلمين حبس الأطفال المسيحيين، فلقد نصرنا الله نصر عزيز مقتدر على أطفال الأعداء، وأقمنا ديننا الحنيف ورفعنا شأنه فى البلاد وعلى العباد، وانتشر ديننا الرحيم على رقاب الأطفال الصغار، وانتقمنا منهم شر انتقام. مبروك علينا قهر الأطفال وتشريد أسرهم واغتيال راحتهم وتخويفهم وترويعهم وحصارهم فى بيوتهم. هكذا نعلى شأن ديننا ونرفع هاماتنا أمام العالم. والله هذه أمة لا تستحى ولو استحت لخجلت، ولو خجلت لغطتها حمرة تشبه دماء القتلى، وتوارت من دموع الأمهات المقهورات على أطفال خلف أسوار سجون دولة ظالمة قاهرة للحريات تحبس ضحكة أطفالها خلف السجون وتدارى غباءها وحماقتها خلف فزع أطفالها، وتتباهى بهيبتها وقوتها على ضعف الأمهات الحزانى الفقيرات المقهورات من الأقلية المسيحية. آه من مصير أمة ظالمة تقهر الأقلية فيها بكثرة عددها وظلم أكثريتها، وتنام أمهات الأطفال حزانى على مصير فلذات أكبادهن وتحتضن الأكثرية أطفالها، فلا نامت أعين الجبناء.
أيتها الدولة السلفية الوهابية، تكيل بمكيالين، مكيال تنقص به ميزان الأقليات، ومكيال تزيد به ميزان الأكثرية خوفاً منهم ومن بطشهم، ثم تتحدث عن المواطنة وحقهم كشركاء لنا فى الوطن للعيش بسلام. هذه دولة تكذب علينا وما زالت تحكمنا الوثيقة العمرية التى ما زالت تسيطر على عقول دولتنا التى تحكمها السلفية (لا يمنعون كنائسهم أو دورهم وبيوتهم عن المسلمين ينزلون فيها ويستضافون ثلاثة أيام يأكلون ويشربون ضيوفاً بالقوة، ولا يظهرون صلباناً ولا يرفعون أصواتهم فى الصلاة، ولا يضربون ناقوساً ولا يخرجون صليباً أو كتاباً فى سوق المسلمين، ولا يرفعون أصواتهم فى موتاهم، ولا يرغّبون فى دينهم ولا يدعون أحداً إليه، ولا يتشبهون بالمسلمين فى لبس ولا نعلين ولا فى مراكبهم ولا يتكلمون بكلامهم، ويجزون مقدم الرأس، ولا يرتدون ملابس بيضاء، ولا ينقشون خواتمهم بالعربية، ولا يركبون ركائبهم بالسروج، ولا يستخدمون شيئاً من السلاح، ويوقرون المسلمين فى مجالسهم ويقومون لهم مهما كان المقبل صغيراً، ولا يرفعون منازلهم على منازل المسلمين، ومن حق الإمام هدم كنائسهم ولا يحدثون فيها إعماراً). هذه هى دولتنا السلفية التى تدعو إلى التحقير من شأنهم والتقليل من قدرهم، وإهانة مقدساتهم، و معاداتهم وقهرهم وإذلالهم وإباحة ترويعهم، ومخالفتهم وعدم تهنئتهم فى أعيادهم أو مواساتهم فى أحزانهم، ولعنهم والدعاء عليهم، وتخويفهم بل وإكراههم على ترك دينهم، هذه يا سادة دولتنا السلفية، وهذه بعض نصوص الوثيقة العمرية التى تحكم فكر السلفية التى تحكمنا الآن والتى حبست أطفالها ولا عزاء لأطفال العالم. والله نحن أمة لا ترحم ضعيفها ولا توقر كبيرها ولا تحترم أديانها ولا تستحى من حبس أطفالها. أفرجوا عن الأطفال فوراً، ففضيحتنا بجلاجل على مستوى العالم فكيف تتحدثون عن الاستثمار وجلب رؤوس الأموال وعودة ملايين السائحين ونحن نحبس أطفالنا بتهمة ازدراء داعش.. ألا تخجلون؟
نقلا عن الوطن