■ فى مصر المحروسة إذا قلت كلمة من القلب فى حق رئيس البلاد وصفوك بالمنافق، وإذا انتقدت أو «تهكمت» قالوا إنك «شجاع»، لا توجد قواعد حاكمة ولا معايير موضوعية، هناك حالة «سوقية» من الأحكام على الأشياء، هناك حالة هشاشة فى أذهان البعض وخشونة فى تعامل عقول بعينها ولا أجرؤ على التعميم، فالعقل المصرى فى مجمله وأغلبيته الكاسحة لم يصدأ، ورغم وضوح هذه الحقيقة كوضوح شمس استوائية فهناك حالات تربص مقيت للغير وحالات تشويه جاهزة وحالات تخوين معلبة، حتى تحار فى تحديد من هو المصرى الوطنى وتصيبك الحيرة فى كنه معنى الوطنية، هل هى الصوت العالى والتلويح والتشويح والتشليت أم هى العمل الصامت و«الرهبنة المصرية» وإن ظل لا تطاله عدسات التوك شو أو مواقع التواصل اللعينة مصدر «الأخبار والأسرار والإشاعات والنفايات»، ويقينى أن الكتلة السكانية الفلكية تمارس «الرهبنة المصرية» وأقصد بها - منعاً للتأويل - العمل الجاد الصامت فى عمق البحر أو فى جوف الصحراء بلا ضجة أو طبول، «القوات المسلحة» نمطاً، وأستثنى من الكتلة السكانية بعض الأفندية الأراذل «محتكرى وطنية الحنجورية» والمتفلسفين بلا قضية، وكارهى السيسى لأنهم لم يأخذوا «حتة من التورتة» أو لابتعادهم القسرى عن المشهد، هؤلاء لن يرضيهم شىء ولو «ولع السيسى صوابعه العشرة»، هؤلاء محدثو زعامة + بعض الخبل الشخصى + ارتفاع أنوفهم عن سطح البحر.
■ هذا زمن تعس، زمن قلب المعانى وشنكلتها وكعبلتها، يعنى لما يقول رئيس البلاد المنتخب بظهير شعبى غير مسبوق «ما تسمعوش حد غيرى» هتف البعض النخبوى الحنجلى: إلحق ديكتاتور!! لم يفطن هذا البعض أنه يقصد «خدوا الحقائق منى»، يقصد أيضاً «ما تسمعوش المغرضين»، يقصد «مواقع التواصل مش مصدر معلومات» يقصد «ما تسمعوش الإشاعات ولا فحيح الأفاعى فى التهاوى»، معنى هذا أن رئيس البلاد الذى يفتح قلبه وعقله لكم ليس ديكتاتوراً ولن يكون، إنه يقول بملء فمه «ما دتم تثقون بى وائتمنتمونى، فخذوا منى الحقائق لا الأكاذيب»، وحين قال فى نوبة حماس غاضب «أنا لو اتباع كنت عملتها»، هو لا يقصد المعنى البدائى فى البيع والشراء ولا يقصد أسواق المدينة إنما يقصد المعنى المجازى لا أكثر، وهذا المعنى المجازى من جوهر البلاغة فى اللغة، ربما كانت عبارة الرئيس صادمة وينطق بها رئيس مصرى لأول مرة فى خطاب سياسى، ولكنى أراه مصارحة بلا حدود ولا فواصل، أراه لحظة نادرة من المكاشفة بين رئيس وشعبه، فهل أتطاول وأقول: شعبه الذى لا يستحق هذه التضحيات الجسام لحاكم مستهدف من الشر الأسود؟ لا، لن أتطاول، لأن الشعب التى أعطى للسيسى «تكليفاً وأمراً» يستحق حاكماً مثله، يملك كاريزما وإيمانا بالله وحالة تصوف غير مرئى، أما الأراذل من الأفندية - على حد تعبير السادات - فهم لا يعجبهم العجب، والبغض حاضر فوق الشفتين، والتقليل من حجم الإنجاز جاهز، ودكة الاحتياطى مليئة بالشتامين والقداحين، إنه إعلام لو كان وراء عبدالناصر لأسقطوه من فوق جواده..! إعلام ما بعد ثورتين يفتقد الرشد والرشاد.
■ تمنيت من الله أن يرزقنا على شاشاتنا ببرامج تحليلية علمية كشقيقتها «التحليلية الكروية»، لقد نادى بهذا الأمل الباحث الجاد المحترم الأستاذ راجى عنايت أول من فتح موضوع التفكير العلمى المستقبلى، بل ربما كان أول من أدخل مصطلح «المستقبليات» فى حياتنا، ولكن مجتمعاً يلغى قناة التنوير من تليفزيونه لن يهتم لا بالمستقبليات ولا بغيرها، ولكنى مع بزوغ شمس مصر جديدة فى زمن هذا القائد العسكرى الطموح الذى يصر أن نضع خطاً عريضاً تحت كلمة «العلم» تمنيت وحلمت، لماذا؟ لأنى اشتقت لشاشة ما فى بلدى تقدم تحليلاً تفصيلياً «للحالة اليابانية» على خلفية زيارة الرئيس التاريخية لليابان، ما تاريخها؟ ما عوامل نجاحها؟ ما نقاط ضعفها؟ عنصر البشر فيها؟ أسباب الإخفاقات؟ عنصر المستقبليات؟ التجارب المماثلة؟ الخوف من الفشل؟ التجربة والخطأ؟ البدايات والتعثرات؟ التقييم للمراحل؟ الذكاء المعرفى؟ ما دور التكنولوجيا؟ دور التعليم فى إيجاد المهارات؟ دور فرسان العلوم الإنسانية فى إنجاح التجربة اليابانية؟ الحالة اليابانية بين التقليد والابتكار؟ أسرار المهارات الصناعية؟ لغز التفوق؟
لكن شيئاً من هذا كله لم يحدث وظلت التحليلات الكروية على أشدها، وتحليلات «اللى راكبهم عفاريت ومهارات من يصرفون هذه العفاريت» على أشدها، أما تحليل الحالة اليابانية فلم يأخذ اهتماماً سوى من قلم كاتب مصرى مهتم هو ياسر رزق، وقد اهتمت جماهير مصر قاطبة بحديث «ميدو» مدرب الزمالك!! ولم تعر جماهير مصر أى اندهاشة للحالة اليابانية..؟! واهتموا بكائن بشرى اسمه ميرهان حسين أكثر!!
■ سيادة رئيس مصر: أنا من جيل «يوقر الكبار» ويحترم كفاءات الشباب الطموح وينحنى للمرأة المصرية فى عطائها الوثاب، ويحنو على الأطفال خميرة جيل المستقبل، أنا من جيل يرفض إهانة الرؤساء بعد تجربتهم فى الحكم، قصرت المدة أم طالت، أنا مصرى مصرى مصرى مصرى قبطى، صاحب الأرض بالجغرافيا والتاريخ، أرفض الفتن والدسائس والنعرات، وأحترام مؤسسة الأزهر التنويرى، أعمل كاتباً ولا حلم لى سوى كلمة مؤثرة فى الوجدان ولها القدرة على التغيير والتحريض على «العمل»؛ «صيحتك المقدسة» كلما خاطبتنا من قلبك.
سيادة الرئيس: أعتذر لك من أعماقى فلا وقت للمجاملات، أعتذر لك عن شاشات انشغلت بقضايا فرعية وشغلت الناس معها وأنت فى طوكيو تلهث وراء استثمارات جديدة لخزينة وطن وتقف بالمرصاد للإرهاب.
أعتذر لك عن انحرافات ذهنية طرأت على البعض وأخذت من برلمان مصر مساحة ليست بالقليلة، وأنت جالس مع «محافظ طوكيو» تتطلع للاستفادة من التجربة الفريدة لمدينة طوكيو العاصمة، تناقش - وأنت رئيس الجمهورية - الازدحام المرورى ومشكلات معالجة النفايات ومياه الصرف.
أعتذر لك عن «ثقافة الضرب بالحذاء» لنائب ضل طريقه فى المسيرة وأنت فى طوكيو تحلم لنا بالطاقة الجديدة والمتجددة، وتحاول أن تصل إلى سر نجاح التعليم صانع نهضة اليابان وتحلم بمثيله لمصر.
أعتذر لك عن انهماكنا فى تفاصيل حياتية صغيرة وهايفة ولا تستحق الانهماك، وأنت - حماك الله - أمام البرلمان اليابانى ترحب باليابان فى المشروعات القومية الكبرى.
أعتذر لك عن بعض مانشيتات الصحف التى همشت «مساعيك» العظيمة واهتمت المانشيتات بتوافه الأمور.
■ بعض الأصوات تجتهد فى صياغة خطب الرئيس بين الالتزام بنص مكتوب وتقليل أو تحجيم عفوية أحاديثه غير الملتزمة بالنص، شكراً لهذه الأصوات المجتهدة ولكن رئيس مصر صاحب الظهير الشعبى غير المسبوق لن يدخل «كتالوجات» نصية فى أحاديثه مع شعبه. أفهم أن خطابه أمام برلمان اليابان يلتزم بنص مكتوب يسير على قضبانه، ولكن حين يتكلم رئيس البلاد مع مواطنى مصر، لا نقيده وندعه يقرب فكره من فكرنا ويضعنا فى الصورة، دعه يشكو، يتألم، يغضب، يحلم، فهو إنسان ورئيس غير تقليدى تلقى من الشعب تكليفاً وأصر أن يقود السفينة وسط أنواء وعواصف ورياح، إذ كنا نريد الخلاص من حكم بغيض، ووقفنا خلف الرجل الذى «حمل كفنه» وتقدم الصفوف بجرأة وإيمان، تقدم هو ورفاقه يرسمون مستقبلاً أفضل للبلد.
فهل بعض الناس من الأفندية الأراذل أصابهم الزهايمر وراحوا يشككون فى شعبيته؟ شعبية السيسى لم تهتز رغم علمه بما يعانى الناس منه ولكن المخلصين للبلد يبلعون له الزلط، شعبية السيسى لا تهتز بسبب قضايا فرعية وإطلاق كلمة قضايا عليها يظلمها، كلها أمور شخصية ونفسنة وتصفية حسابات حتى لو انشغل بها إعلام ليس على مستوى المسؤولية يجرى وراء كل ما هو مثير، وخصوصاً أخبار «الترافيك» على موجات التواصل. إن بسطاء الناس الكادحين الذين يمثلون عصب الحياة فى مصر يعلنون استنكارهم لهذه المساحة الممنوحة للمشاحنات بكل تداعياتها، فى الوقت الذى يقوم فيه الرئيس المصرى الوطنى برحلة مكوكية لقارة نرنو لها بإعجاب ونود من صميم قلوبنا أن «نفك» شفرتها، لابد من الإشادة بتليفزيون الدولة الذى كان «على الخط» مع الرجل فى رحلته ينقلها ويحللها ويلقى الضوء عليها قدر استطاعته وبإمكانياته، أما الشاشات الخاصة فكانت فى واد ورئيس مصر الباحث عن استثمارات ويدق على أبواب المجهول فى واد آخر، ولا أملك سوى الاعتذار له عن التعتيم على رحلة من أهم تحركات رئيس مصر، وإذا كان الرئيس تصله تقارير من القاهرة عن محتوى إعلام مصر، وأغضبته سلوكيات الأراذل فإنه «بطل»، وهو يواصل السفر من اليابان إلى كوريا غير عابئ بهذا «التقصير»، ولكن لا أغفل غضبه الذى- عفوا - أشتم دخانه.
هو «يستميت» من أجل جلب استثمارات لمصر تحقق آمالها وطموحاتها ونفر قليل يحول الشاشات إلى «شاشات غير صديقة»، وربما كان عزاء الرجل أن سكان مصر الحقيقيين الخائفين عليها يؤمنون بما يفعل، وفى أى الوديان يحرث، وتحت أى السماوات يتحرك، وفى أى الأروقة يحارب إرهاباً عنقودياً.
■ هل نحن شعب يستحق السيسى رئيساً؟.
نقلا عن المصري اليوم