*الأم تريزا: الرهبنة هي العناية بالجائعين والعراة والمشردين والعاجزين والعميان والمنبوذين، وكل هؤلاء البشر، الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم أو محرومين من العناية والمحبة
*الأم تريزا تتخصص في رعاية المجذومين
كتبت – أماني موسى
تعد الرهبنة أحد أهم العلامات المميزة للديانة المسيحية، والتي بدأت في القرون الأولى، وتحديدًا في القرن الثالث الميلادي، ومرت الرهبنة بمراحل عدة، فكانت في بدايتها هروبًا من الناس وبعدًا عن المدن والقرى، وانطلاقاً في الصحارى والبراري والكهوف، بقصد محاربة شهوات الجسد والإكثار من العبادة والتأمل، مع المحافظة على الوحدة والتفرد.
وبمرور الزمن ازداد عدد الراغبين في الترهب، فبنوا لأنفسهم صوامع متجاورة وانتهى بهم الأمر إلى بناء أسوار عالية تضم بداخلها عددًا من الصوامع فنشأت بذلك الأديرة وانتشرت هنا وهناك.
بدأت الحياة الرهبانية في الشرق في القرن الثالث الميلادي، وبلغت أوج نموها في القرن الرابع الميلادي، ويعد الناسك الأنبا أنطونيوس هو مؤسس الرهبنة الشرقية، فقد دعا إلى حياة الانفراد والعزلة، والتفكير بالله، بعيدًا عن المدن، وعاش في انفراد تام مدة عشرين عامًا، إلى أن ذاع صيته في كل أنحاء مصر، وتوافد المسيحيون لزيارته، وألتف حوله عدد من طالبي الرهبنة، وظهر على النحو الآخر الأنبا باخوميوس الذي أسس الرهبنة الجماعية، وأسس عدة أديرة متقاربة على شواطئ النيل، وهو أول من أدخل النساء إلى السلك الرهباني، فبنى ديرًا للنساء على شاطئ النيل المقابل، كانت شقيقته أولى من سكنه، ثم وضع قوانين محددة للحياة الجماعية، كانت بمثابة أول نظام رهباني.
قسم فيه جماعة الرهبان إلى أربع وعشرين درجة، حسب تقدمهم في الحياة الروحية، ووضع هذه الجماعة تحت إدارة رئيس عام واحد (أرشمندريت)، وكان هذا الرئيس هو باخوميوس نفسه.
وكان نظام الرهبنة صارمًا بغرض "الفقر الاختياري" الذي يقضي بتوزيع جميع المقتنيات على الفقراء، وارتداء ثياب بسيطة ومتشابهة، والعمل من أجل الإنفاق على الأخوية، ومنع تنقل الرهبان من مكان إلى آخر، وفرض اختبارًا مدته سنة كاملة على الرهبان الجدد ليظهروا استعدادهم للعيش وفق هذه القوانين.
وقد اتسع نطاق الرهبنة المنفردة والجماعية كثيراً، فانتشرت في كل أنحاء مصر، وانتقلت إلى سوريا وآسيا الصغرى وسواحل البحر الأسود الجنوبية، ومع بداية القرن الخامس انتشرت الأديرة في الشرق كله.
وفي يومنا هذا نجد الكثير من النماذج المضيئة لراهبات قدمن للإنسانية خدمات جليلة باسم "الله".. نرصد بعضًا منهم.
الأم تريزا قديسة الفقراء والمرضى
لعل الأم تريزا من أشهر الأسماء التي تتبادر إلى أذهاننا حال الحديث عن راهبات قدموا شيئًا للإنسانية خلال رحلة حياتهم.
الأم تريزا هي راهبة ذات أصول ألبانية وحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1979 م، ولدت في 26 أغسطس 1910 م في قرية سوكجية من عائلة متدينة للغاية مهاجرة إلى يوغسلافيا أصلها من ألبانيا كانت تعمل في الفلاحة، تعلمت في بداية حياتها في مدرسة لليسوعيين في الرهبانية اليسوعية اليوغسلافية، وعندما كانت في سن العاشرة توفى أبوها فإزدات تعلقًا بالإيمان.
أصولها:
ثار الجدل حول جنسيتها، حيث شهدت منطقة البلقان خلافًا بين ألبانيا ومقدونيا حول أصول الأم تريزا، فترى مقدونيا أنها تنتمي إليها بحكم مولدها في عاصمتها سكوبي، وترى ألبانيا أن تريزا تنتمي لها، بحكم أن والديها من أصول ألبانية.
من جانبها أعلنت الأم تريزا قائلة "بالدم أنا ألبانية، وبالجنسية أنا هندية، وبالعقيدة أنا راهبة كاثوليكية، وأنا أنتمي لهذا العالم".
فئران تقتات جسد امرأة تحتضر.. واقعة تغير مسار حياة الأم تريزا
تحكي الأم تريزا في مذكراتها، أن هناك واقعة كانت السبب في التحول للخدمة بهذا الشكل فتقول "جسد ممدد لامرأة أمام مستشفى في كالكتا بالهند، الموت أوقف نبضات قلبها بسبب فقر مدقع تسبب في "أكل الفئران والحشرات نصف جسدها"، ومنذ ذلك الحين قررت الأم تريزا تكريس حياتها لخدمة الفقراء والمحتاجين، وتركت الدير منطلقة لخدمة من يحتاج.
وعلى أثر ذلك خلعت زي الرهبنة ولبست الساري الهندي القطني بلونه الأبيض والخط الأزرق على كمية الذي عرفت به فيما بعد حيث توجهت إلى دير للرهبنة الأمريكية يعنى بالعناية الطبية والتمريض، وأسست جمعيتها لراهبات المحبة عام 1950 م، التي اهتمت بالأطفال المشردين والعجزة، كما اهتمت بشكل خاص بمرضى الجذام، وكانت تقدم خدمات لكل محتاج بغض النظر عن ديانته أو لونه أو جنسه أو نوعه، وكانت تقول أنها تقدم خدمات حتى لمن هم يموتون يكفي أن ترى ابتسامة على وجوههم.
الاهتمام بالمجذومين
في عام 1957 م اهتمت بموضوع المجذومين والعناية بهم ومع اتساع عملها أسست جمعية أخوة المحبة عام 1963 م خاصة بالرهبان، وهي في الخامسة والسبعين من العمر، وذهبت للحبشة لمساعدة المنكوبين هناك وأغاثتهم من الجوع والتشرد.
تسلمها جائزة نوبل للسلام عام 1979
تلقت الأم تريزا جائزة نوبل للسلام، عام 1979، وقالت حين تسلمها الجائزة "أن الرهبنة هي العناية بالجائعين والعراة والمشردين والعاجزين والعميان والمنبوذين، وكل هؤلاء البشر، الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم أو محرومين من العناية والمحبة، أولئك الذين يعتبرهم أفراد المجتمع عبئا عليهم فيتجنبونهم".
وطالبت وقتها بإلغاء حفل العشاء، الذي يقام لتكريم الفائزين بجائزة نوبل، والتبرع بتكاليفه لجياع بمدينة كالكتا الهندية، التي تعيش في فقر مدقع.
الأم تريزا تتلقى ميدالية الحرية عام 1985 من رونالد ريغان
وفي عام 1985 سلمها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ميدالية الحرية تقديرًا لها على جهودها في مجال خدمة الفقراء والمرضى، أرفع وسام مدني أميركي يمكن أن يحصل عليه إنسان.
كما أن هناك مجموعات رهبانية لها أكبر التأثير بالمجتمع، حيث أسسن مجموعة من المدارس عرفت باسم مدارس الراهبات، أنتشرت بالشرق، منها مدارس الوردية أو مدارس الراهبات الفرنسيسكان.
راهبات الوردية
راهبات الوردية هي رهبانية نسائية تعنى بالتربية والخدمات تأسست في الشرق عام 1880م في مدينة القدس، على يد الراهبة ماري ألفونسين هدفها نقل تعاليم الانجيل للناطقين باللغة العربية، ومن شروط الانتساب للرهبنة أنت تكون الفتاة عربية.
يوجد لها تواجد في الأردن ولبنان وفلسطين والعراق وسوريا والكويت وفي الإمارات العربية المتحدة بإمارتي أبو ظبي والشارقة.
مدرسة راهبات نوتردام للبنات
تم تأسيسها عام 1896م بواسطة الإرساليات الأجنبية راهبات نوتر دام ديزابوتر الفرنسية الأصل، ويتم التدريس باللغة الفرنسية وبالمدرسة كنيسة ومسكن للراهبات المقيمات والمشرفات على العملية التعليمية بالمدرسة.
يذكر أن العديد من الشخصيات العامة تخرجن من مدارس راهبات نوتردام مثل ليلى مراد والفنانة شيري عادل من الجيل الحديث.
مدرسة الراهبات الفرنسيسكانيات
هي مدارس مسيحية خاصة تأسست عام 1986 في الأردن ولها فروع أخرى في كل من فلسطين ومصر وإيطاليا.
ويرجع نسب المدرسة إلى القديس فرانسيس الاسيزي حيث أنشئت أول مدرسة للراهبات الفرنسيسكانيات في إيطاليا، ويعرف رهبانها باسم الفرنسيسكان، ويعتبر القديس فرنسيس هو شفيع للرهبنة الفرنسيسكانية.
دير الراهبات السود بالمقطم لخدمة المسنين
يقع دير الراهبات السود بمنطقة المقطم وتحديدًا بحي الزبالين، حيث تقطنه مجموعة من الراهبات الهنود الوافدات على القاهرة، تابعين لخدمة الأم تريزا ويرتدين ذات الزي الشهيرة به الأم تريزا، وهو عبارة عن ساري أبيض، له إطار أزرق، وصليب على الكتف الشمال.
الدير رغم صغر مساحته وعدد الراهبات القاطنين بداخله إلا أنه يقوم بخدمة المسنين، وتعليم الأطفال أيضًا.
الأم تريزا المصرية
السيدة ماجي جبران، الشهيرة بـ ماما ماجي أو كما يلقبها البعض الأم تريزا المصرية، كانت تعمل أستاذة في الجامعة الأمريكية تخصص علوم كمبيوتر، بدأت خدمتها في المقطم منذ أكثر من 27 عامًا، عندما جاءت في زيارة لحي الزبالين بالمقطم ولم تصدق حالة الفقر والبؤس التي يعيشها الأطفال في هذه المنطقة فتفرغت لخدمتهم ومساعدة أي جمعية تعمل في نفس المجال.
ورشحت لجائزة نوبل للسلام لعام 2012، لدورها البارز في دعم الفقراء ومساعدتها عشرات الجمعيات لرعاية الأطفال الأكثر فقرًا.
أنتهى الحديث ولكن لم تنته الرهبنة المسيحية من العديد والعديد من النماذج المضيئة التي خدمت الإنسانية دون تفرقة.