الأقباط متحدون - هل حقاً كل الأحزاب الدينية إرهابية؟
أخر تحديث ٠٤:٢٤ | الجمعة ١١ مارس ٢٠١٦ | ٢ برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٦٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

هل حقاً كل الأحزاب الدينية إرهابية؟

د.عبدالخالق حسين
لاشك أن من يتعرض لهكذا موضوع شائك ومعقد، لن يسلم من تهمة الطائفية، ولكن من جهة أخرى إن عدم الخوض في هذا الموضوع هو أصلاً في خدمة الطائفية وخدمة الإرهاب، فمهمة الكاتب مواجهة الظلم بشتى أشكاله، وفضحه أينما وجد ومن أي مصدر كان، وتنوير الرأي العام للتمييز بين الضحية والجلاد، وعدم ترك الساحة لمروجي الأكاذيب، ومشوهي الوعي.

فمن الواضح أن هناك التباس لدى البعض، وخاصة المعادين منهم للدين إما عن قناعات فكرية، أو كرد فعل لتوظيف الدين في ارتكاب الأعمال الإرهابية لأغراض سياسية، أو لمقاصد كيدية، يختفون وراء شعارات علمانية براقة لخدمة الإرهاب عن طريق اللف والدوران وتزييف الحقائق. لذلك، فالموضوعية تحتم علينا أن نخوض هذه المسائل المهمة لحماية الرأي العام من التشويش، و لنكون واضحين ودقيقين في اختيار كلماتنا لتجنب الالتباس، ومنصفين في إصدار أحكامنا وخاصة في السجال حول القضايا المصيرية المثيرة للجدل.

فبعد نشر مقالي الأخير الموسوم (حول قرار الجامعة العربية بتجريم حزب الله اللبناني)(1)، استلمت عدة تعليقات مفادها أن "اية حركة او جبهة او حزب قائم على أسس ونصوص دينية يكون بالضرورة عنصري وارهابي". ربما أراد المعلق أن يقول أن أي تنظيم ديني هو طائفي وإرهابي، لأنه من الخطأ القول أنه عنصري. فالعنصرية نزعة فاشية لها علاقة بالعرق والانتماء القومي، بينما الأديان، وخاصة الإسلام والمسيحية، هي أممية من الممكن وصفها بالطائفية، ولكن ليس بالعنصرية. كذلك ليس بالضرورة أن تكون الأحزاب الدينية إرهابية. وسأوضح ذلك أدناه، وهو محور المقال.

فلو كان حزب الله اللبناني إرهابي لأنه من طائفة معينة، فمعظم الأحزاب اللبنانية هي قائمة على أساس الانتماء الديني والمذهبي مثل حزب الكتائب المسيحي الماروني، والحزب التقدمي الاشتراكي للدروز، و حزب المستقبل بقيادة سعد الحريري هو حزب للسنة العرب. وكذلك في العراق، إلى جانب الأحزاب الشيعية والسنية، نظَّم المسيحيون العراقيون أنفسهم في عدة أحزاب سياسية مسيحية، فهل هذا يعني أن جميع هذه الأحزاب هي بالضرورة إرهابية؟ كلا وألف كلا. فهذه الأحزاب تأسست لأنها وجدت مكوناتها محاصرة، ومهددة بالفناء بسبب انتماءاتها الدينية والمذهبية.
 
كذلك أود التأكيد هنا بأني مع النظام العلماني الديمقراطي الذي أرى فيه الحل الصحيح وربما الوحيد لإخراج العراق من مأزقه، وأٌقصى أمنياتي أن يتبنى أهل الحل والعقد في العراق هذا النظام تماما كما في الدول الديمقراطية الناضجة في الغرب. ولكن الرغبات والتمنيات والعواطف شيء، والواقع الموضوعي شيء آخر. فالنظام العلماني الديمقراطي في الغرب لم يتحقق بين يوم وليلة، بل بعد حروب وثورات وانتفاضات دامت قروناً، فالحروب الدينية الطائفية استمرت لمائتي سنة قضت على أكثر من نصف سكان أوربا. ودول منطقة الشرق الأوسط تمر الآن في نفس المرحلة التي مرت بها أوربا قبل ثلاثة قرون.

على اية حال، يمكن تقسيم التنظيمات الدينية الإسلامية إلى مجموعتين: الأولى مجموعة إرهابية مثل طالبان، والقاعدة وفروعها (جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام... وغيرها كثير)، وهذه المجموعة تبنت العقيدة الوهابية التكفيرية بدعم السعودية وقطر، و تركيا. وهناك تقارير من مسؤولين أمريكيين تفيد أن السعودية صرفت نحو مائة مليار دولار على نشر التطرف الديني الوهابي ومنظمات الإرهاب خلال الثلاثين سنة الماضية.

وهذه التنظيمات تبنت سياسة الفرقة والاحتقان الطائفي ضد الشيعة وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، لتأجيج مشاعر الشباب المسلمين، ورفدهم للإرهاب، وراح إعلامهم يحط من قدر الشيعة ومذهبهم وطقوسهم العبادية، وتجريدهم من القيم الإنسانية، واختزالهم إلى ما دون مستوى البشر، لتبرير إبادتهم. وهذا واضح من إعلامهم، وعملياتهم الإرهابية ضد الشيعة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والسعودية وباكستان وأفغانستان... وغيرها. ففي السعودية لا تقبل شهادة المواطن السعودي الشيعي في المحاكم لأنه رافضي مشرك!!

والمجموعة الثانية هي التنظيمات الشيعية المهددة بالإبادة، سواءً كانت مهددة من المجموعة الأولى أو من الحكومات التي تمولها مثل السعودية وقطر وتركيا. لذلك، وإزاء هذا التهديد بالإبادة، وكنزعة داروينية في التكيف مع الظروف من أجل البقاء، ونتيجة لضعف الحكومات وعدم تمكنها لحمايتهم، فمن الطبيعي أن ينظم الشيعة أنفسهم في أحزاب ومليشيات مسلحة لمواجهة الإبادة، وحماية أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم من الوباء الوهابي التكفيري.

وما يجدر ذكره أن الذين يساوون بين الإرهاب وضحايا الإرهاب ليسوا بالضرورة من أصحاب النوايا الحسنة، حتى و لو اختفوا وراء الإدعاء بالإلحاد أو العلمانية والتقدمية وغيرها، لأن مساواة الضحية بالجلاد تصب في خدمة الجلاد.

وفيما يخص حزب الله اللبناني، فنحن نعرف أن الشيعة في دول المنطقة تعرضوا للإبادة من قبل الحكام على مختلف العصور منذ العصر الأموي، مروراً بالعصر العباسي في عهد المتوكل، والعصر العثماني الذي شن حرب الإبادة على الشيعة والمسيحيين والأيزيديين وغيرهم، تماماً كما يفعل الإرهاب الداعشي الآن. وحتى في عهد الاستعمار الفرنسي لسوريا الكبرى (بلاد الشام Levant)، تعرض شيعة لبنان إلى مجازر رهيبة. وفي عصرنا هذا تعرض شيعة لبنان إلى تصفيات خلال الحرب الأهلية منذ عام 1970، لأنهم وقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. فظهر في البداية حزب الأمل بقيادة رجل الدين المتنور السيد موسى الصدر الذي اغتاله الجلاد المقبور معمر القذافي. ثم تأسس حزب الله عن طريق المقاومة المسلحة للوجود الإسرائيلي خاصة بعد اجتياح بيروت عام 1982، وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو / أيار من عام 2000، وتصدّى له في حرب تموز 2006 وألحق في صفوفه خسائر كبيرة اعتبرت في إسرائيل إخفاقات خطيرة وتهديد وجودي لإسرائيل كدولة.

وماذا عن إيران؟
نعم حزب الله مدعوم من إيران، وهذا ليس جريمة أو خيانة وطنية. فإذا كانت كل تنظيم سياسي في لبنان مدعوم من قبل دولة ما، فلماذا نلوم حزب الله لأنه مدعوم من إيران؟ فحزب المستقبل السني اللبناني بقيادة سعد الحريري مدعوم من السعودية، وحتى زعيمه يحمل الجنسية السعودية. وكذلك الكتل السياسية السنية في العراق مدعومة من السعودية وغيرها من الدول الخليجية وتركيا. وإيران تساعد دول المنطقة في حروبها ضد الإرهاب، وشتان ما بين من يدعم الإرهاب وبين من يحاربه.

والجدير بالذكر أن ظهور حركات ثورية بصبغة دينية مناوئة للظلم ليس بالأمر الجديد. فعند ظهزر الحركات الإصلاحية الدينية في أوربا وانشقاق المسيحية أوائل القرن السادس عشر، ظهرت الحركات البروتستانتية (الاحتجاجية) في ألمانيا على يد القس مارتن لوثر، وفي سويسرا جون كالفن، والأنكليكانية في إنكلترا لتتحرر من سيطرة الفاتيكان في روما. ثم ظهرت في ألمانيا حركة إنشقاقية من البروتستانت، سميت بـ (Anabaptism)، وهي حركة دينية شيوعية تؤمن بالمشاعة الاقتصادية فألغت الملكية الخاصة، وهي بالأساس كانت حركة فلاحية مسلحة بمظهر ديني ضد الاقطاع، فواجهت حرب الإبادة من قبل الحكومات والمذاهب المسيحية الأخرى آنذاك، وقد فر الناجون منهم إلى أمريكا  حيث نجد أتباع دياة إيمش (Amish) امتداداً لهذه الحركة. كما وظهرت حركات ثورية يسارية في أمريكا اللاتينية بقيادة رجال الدين الكاثوليك. لذلك فمن السخف والهراء تصنيف هذه الحركات بالإرهاب لا لشيء إلا لأنها دينية أو لأن قادتها رجال دين.
 
وفي هذا الخصوص يوضح الراحل حسين مروة في كتابه القيم (النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية) فيقول: "يرشدنا المنهج العلمي إلى حقيقة مهمة في تاريخ تطور المجتمعات البشرية والحضارات، هي ان التراكمات الكمية ضمن مجرى هذا التاريخ يمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة في تحولها الكيفي. يمكن مثلاً، أن تتحول إلى كيفية سياسية، أو إجتماعية، أو فكرية نظرية، أو إلى نوع من العنف الثوري. لقد تابع إنجلس أشكال المعارضة الثورية للإقطاع في القرون الوسطى كلها، فوجد أن الظروف الزمنية، كانت تظهر هذه المعارضة حيناً في شكل تصوف، وحيناً في شكل هرطقات سافرة، وحيناً في شكل إنتفاضات مسلحة. إن شكل التحول الكيفي في هذا المجتمع أو ذاك، وفي هذا الزمن أو ذاك، إنما تحدده طبيعة الظروف الملموسة، وربما كانت الظروف هذه مؤهلة وناضجة أحياناً لحدوث تحولات كيفية مختلفة الأشكال في وقت واحد، أي قد تجتمع في ظروف معينة تحولات سياسية واجتماعية وفكرية معاً، قد ترافقها إنتفاضات مسلحة، وقد تأتي هذه التحولات تمهيداً لإنتفاضات مسلحة، وقد يستغني بها التطور عن أشكال العنف الثوري كلياً."

ما أود التأكيد عليه، أنه من الخطأ تصنيف كل الأحزاب الدينية بأنها إرهابية، وهذا واضح من ردود أفعال الرأي العام العربي والعالمي لقرار مجلس التعاون الخليجي والذي أيده مجلس وزراء الداخلية العرب، من استنكار شديد من قبل المثقفين العرب. فوصف حزب الله بالإرهاب هو عمل عدواني لئيم ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية ولصالح إسرائيل والسعودية والدول الخليجية السائرة في ركاب إسرائيل. فحتى أمريكا، زعيمة هذه التحالفات المشبوهة، حذفت حزب الله من قائمة الإرهاب، كذلك حذفت اسم إيران من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فإيران هي الأخرى وقفت وما زالت، مع المقاومة الفلسطينية، وساعدت العراق وسوريا ولبنان في حروبها ضد الإرهاب كما أشرنا آنفاً.

أما الأحزاب الشيعية العراقية ومليشياتها فقد ظهرت بالأساس كرد فعل لحروب الإبادة ضد المكون الشيعي، والتي بدأت من عهد صدام حسين (ولحد الآن تم اكتشاف أكثر من 400 مقبرة جماعية) في المناطق الشيعية، و واصلتها المنظمات الإرهابية المدعومة من الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية وقطر ضد الشيعة منذ عام 2003 ، فهذه الأحزاب هي الأخرى لم نسمع عنها أنها قامت بأي عمل إرهابي، لا في العراق ولا خارجه، عدا ما تلفقه الجهات البعثية الطائفية والإعلام الخليجي في محاولة منها لتشويه سمعة القوى السياسية الشيعية و الحشد الشعبي. وإذا كانت هذه التنظيمات إرهابية ورجعية، فلماذا يتهالك عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، السيد جاسم الحلفي للوقوف مع زعيم التيار الصدري وهو رجل دين على منصات الخطابة، ويشارك الشيوعيون في التظاهرات التي تنظمها جماهير هذا التيار؟

خلاصة القول، إن أي تنظيم  سياسي يتأسس على أساس ديني أو علماني لحماية أبناء مكونه هو ليس إرهابياً بل ظهر كنتيجة للظروف الموضوعية الخاصة، مثل الإرهاب الطائفي الممول من السعودية وحليفاتها، ولا تزول هذه التنظيمات الدينية إلا بزوال الظروف التي أوجدتها، فالدفاع عن النفس والأرض والعرض حق مقدس في جميع القوانين والأعراف والأديان.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
د.عبدالخالق حسين : حول قرار الجامعة العربية بتجريم حزب الله اللبناني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=827


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter