ورقة موقف صادرة عن وحدة تحليل السياسات بمؤسسة ماعت
في 15 مارس 2006 ، أي قبل عشر سنوات من الآن قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 170 عضوا من أعضائها أن منظومة حماية حقوق الإنسان العالمية تحتاج لآلية جديدة تتلافى العيوب والقصور الذي تعانيه الآليات القائمة آنذاك وعلى رأسها المفوضية السامية لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، ومن ثم فقد قررت الجمعية تبنى القرار رقم A/RES/60/251). ) ، القاضي بإنشاء مجلس حقوق الإنسان .
ووفقا لقرار تأسيسه يتكون المجلس من 47 عضواً تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية عن طريق الاقتراع السري ليمثلوا التوزيع الإقليمي لمناطق العالم المختلفة ، حيث تمثل كلا من المجموعة الأفريقية، المجموعة الآسيوية ب 13 عضوا لكل منها ، وتمثل مجموعة أوربا الشرقية بستة مقاعد ، ومجموعة أمريكا اللاتينية بخمسة مقاعد، وثلاث مقاعد لجزر الكاريبي ، وسبعة مقاعد لدول غرب أوربا والدول الأخرى .
والآن ، وبعد مرور عقد كامل على قيام المجلس ، يتوجب على المنظومة الأممية والمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم ، أن يتوقفوا قليلا ليقيموا حصاد تلك السنوات العشر ، وينظروا بعين محايدة وفاحصة فيما إذا كان المجلس قد مثل إضافة حقيقيه لآليات حماية حقوق الإنسان ، واستطاع الوفاء بمبررات تأسيسه التي تضمنها قرار إنشائه ، أم أن المجلس أعاد إنتاج مناحي القصور التي أضعفت الآليات السابقة له ، وقوضت الآمال المعقودة عليها في جعل العالم أكثر احتراما لحقوق الإنسان .
المحاصصة الإقليمية تفرغ معايير الاختيار من مضمونها
واحد من أهم الأسباب التي دعت الأمم المتحدة لإنشاء مجلس حقوق الإنسان هو طبيعة تشكيل لجنة حقوق الإنسان السابقة له ، فاللجنة كان يتم انتخاب أعضائها بأغلبية عدد أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي (27 صوتا من إجمالي 54 صوتا) ، وهو ما مكن دول كثيرة لا تتمتع بالاحترام الكافي لحقوق الإنسان من الوصول لعضوية اللجنة ، ومن هنا فقد أقرت الأمم المتحدة قواعد جديدة لعضوية المجلس ، حيث يتم انتخاب الأعضاء بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة (96 صوتا) .
كما وضعت المادة التاسعة من قرار إنشاء المجلس شروطا موضوعية يجب أن تتوفر في الدولة المرشحة للعضوية ، وتمثلت أبرز هذه الشروط فيما يلي :-
1-لديهم إسهامات واضحة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان
2-الوفاء بالتزاماتهم تجاه تعزيز حقوق الإنسان.
3-التعاون مع الإجراءات الخاصة بحقوق الإنسان
4-التعاون مع المجلس تعاونا كاملا
5-قبولهم الاستعراض الدوري الشامل خلال فترة عضويتهم
وقد أعطت المادة الثامنة أيضا الحق للجمعية العامة في تعليق عضوية أحد الأعضاء بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين ، في حال إذا ما ارتكبت الدولة العضو انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان ."
رغم أن هذه الشروط تبدو موضوعية من الناحية النظرية ، ومتسقة مع غايات المجلس ، إلا أن الواقع العملي يشهد بعد عشر سنوات أن تلك الشروط تم تفريغها من مضمونها بشكل كامل ، ولعل أبرز الدلائل على ذلك ما يلي :-
1-اعتادت بعض المجموعات الإقليمية التقدم بمرشحين يتساوى مع عدد المقاعد المخصصة لها ، وبالتالي فلم يكن أمام أعضاء الجمعية العمومية فرصة للاختيار ، وانتفت قواعد المنافسة .
2-وصل لعضوية المجلس دولا كثيرا تنتهك حقوق الإنسان سواء على أراضيها أو خارج أراضيها .
3-وصل لعضوية المجلس دولا لم تصدق على كثير من اتفاقيات حقوق الإنسان ، وسجلها في التعاون مع الإجراءات الخاصة سلبي للغاية .
4-لم تستعمل الجمعية العامة للأمم المتحدة أبدا حقها في تعليق عضوية أي دولة بالمجلس .
وبناءا على ذلك ، يمكن القول أن مجلس حقوق الإنسان لم يستطع فرض شروط عضويته ، وتغلبت قواعد المحاصصة الإقليمية على الإلتزام بتلك الشروط ، خاصة أن قرار إنشاء المجلس لم يحدد آليات واضحة للتحقق من مدى انطباق هذه المعايير ، وجعلها هلامية يمكن الإفلات منها بسهولة .
صلاحيات المجلس ...آلية بلا أنياب
تحدد المادة الخامسة من قرار إنشاء المجلس حزمة المهام والاختصاصات والصلاحيات المنوطهبه ، والأدوات التي يمكنه استخدامها لتحقيق الغاية من وراء إنشائه ، وقد تمثلت هذه المهام فيما يلي :-
1-تقديم المشورة والمساعدة التقنية بموافقة الدول الموجهة لها تلك المساعدة .
2-القيام بدور منتدى للحوار في قضايا حقوق الإنسان
3-تقديم توصيات للجمعية العامة للأمم المتحدة
4-تشجيع الدول على الوفاء بالتزاماتها الحقوقية
5-إجراء الاستعراض الدوري الشامل للدول
6-الاستجابة الفورية للانتهاكات ودعم الضحايا
7-العمل مع المنظمات غير الحكومية
8-القيام بمهام لجنة حقوق الإنسان المتعلقة بالإجراءات الخاصة ومفوضية حقوق الإنسان .
9-تقديم تقرير سنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة .
يبدو جليا من نص القرار والصلاحيات أن المجلس دوره استشاري ، ولا يتمتع بالسلطة الكافية لاتخاذ إجراءات في حال تعرض حقوق الإنسان للانتهاك ، فهو في النهاية يرفع توصياته للجمعية العامة للأمم المتحدة ، وليس لديه أي مسار بديل للتعامل مع الدول التي تنتهك حقوق الإنسان ، وربما تكون حالة دولة مثل إسرائيل التي أدانها المجلس لانتهاكاتها في حق مواطني قطاع غزة مثال على ذلك ، فتقرير جولدستون الشهير الذي تبناه المجلس لم يفضي لأي شيء .
وتبرز ضعف فاعلية مجلس حقوق الإنسان وأدواته في القيود المفروضة على ممارسة الموكلين بإجراءات خاصة بمهاهم ، حيث تعرقل عملهم عدد من المعوقات السياسية أو التشريعية الدولية ، فأصحاب الولايات الموضوعية لا يمكنهم دخول أي دولة بدون موافقة مسبقة من قبل هذه الدولة ، كما أنه لا يترتب على رفضها أي التزامات أو عقوبات من قبل المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان ، كما أن بعض الدول ترفض التعاون مع مسئولي الولايات المكلفين بمتابعة حالة حقوق الإنسان في بلاد معينة ( إسرائيل على سبيل المثال ترفض التعاون مع المقرر المعني بمتابعة حالة حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة ) .
أضف إلى ذلك أن المجلس لم يمارس دورا ملموسا على مدار السنوات العشر الماضية في تقديم الدعم التقني والفني للدول في مجال احترام حقوق الإنسان ، فضلا عن أنه لا يتوفر للمجلس الموارد الكافية للقيام بهذا الدور المهم ، ولا تتوفر له الآليات الناجزة التي تساعده على القيام بهذا الدور ، كل ذلك حول المجلس إلى مجرد منتدى عالمي بلا مخالب ولا أنياب.
السياسة والدبلوماسية تطغي على الدور الحقوقي للمجلس
كانت أبرز سلبيات لجنة حقوق الإنسان هي خضوعها للاعتبارات السياسية والدبلوماسية على حساب الدور الحقوقي ، وكان ينتظر من المجلس أن يتجاوز هذه النقطة ، إلا أن ذلك لم يحدث ، وظلت قضية حقوق الإنسان " رهينة " عمليات تسييس واضحة للعيان ، وبدلا من أن يتحول مجلس حقوق الإنسان إلى هيئة دولية حقوقية مهنية تستند قوتها من انتمائها لمنظومة الأمم المتحدة ، تحول إلى هيئة سياسية تخضع للمواء مات الدبلوماسية ومصالح الدول ، خاصة الدول الكبرى ذات النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري .
ويرجع " تسييس " عمل المجلس بشكل رئيسي إلى نظام توزيع المناطق والمحاصصة الإقليمية ، لكن أيضا هناك عوامل أخرى تعزز من عملية التسييس تلك ، ولعل من أبرزها طبيعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والمصالح التجارية والعسكرية بين الدول .
تلك المصالح لم تؤدي فقط في أحيان كثيرة إلى تغاضي دول أعضاء عن انتهاكات حقوق الإنسان بدول معينة خلال استعراض ملف حقوق الإنسان فيها ، أو مناقشة تقارير أصحاب الولايات بشأنها ، بل إنها تؤدي أحيانا إلى تبني " دولة عضو " لخطاب حقوقي متجاوز للحقيقة ومتحامل بشكل لا يتناسب مع الواقع ضد دولة معينة ، بينها وبين الدولة العضو ذات النفوذ أو ذات الصوت عداءات أو خلافات .
إن عملية التسييس أفضت بالمجلس إلى التأخر والتراخي الشديد في التعامل مع قضايا وثيقة الصلة بحقوق الإنسان ، ولعل قضية الإرهاب واحدة من تلك القضايا ، فرغم وتيرة العنف المتصاعدة في العالم منذ سنوات ، والتي اكتوت منطقة الشرق الأوسط بنارها ، فالمجلس لم يناقشها على نطاق واسع ولم يتجه سوى مؤخرا لتبني قرار بشأنها ، وإلى الآن لم يسعي لتطوير منظومة آلياته وأدواته للتعاطي مع تلك القضية ( كتطوير اتفاقية ملزمة مثلا ) . ، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تدخل الاعتبارات السياسية في الأمر ، وعلاقة بعض الدول ذات النفوذ بجماعات وتنظيمات متورطة في ممارسة الإرهاب والعنف
مجلس حقوق الإنسان والمجتمع المدني .. نوايا سليمة وفعالية مفقودة
من الإيجابيات التي رسخها مجلس حقوق الإنسان هو تعزيز دور ومشاركة منظمات المجتمع في تحليل واقع حقوق الإنسان في أقطار العالم المختلفة ، ومحاولة وضع قنوات لضمان مشاركة وتمثيل هذه المنظمات في أنشطة وفعاليات المجلس ، وتتمثل أبرز هذه القنوات فيما يلي :-
1-تقديم تقارير وإفادات لمفوضية السامية خلال عملية الاستعراض الدوري الشامل
2-عقد أنشطة وفعاليات موازية بمقر المجلس
3-المشاركة بمداخلات شفهية خلال جلسة اعتماد تقرير الدولة
وهذه القنوات – رغم أهميتها – تبدو غير كافية من ناحية ، ومعرضة لسوء الاستخدام من ناحية ثانية ، فمشاركة المنظمات تكون فقط بتقديم معلومات ، وكثيرا ما يتم تجاهل هذه المعلومات أو استخدامها حسب المواقف السياسية للدول الأعضاء بالمجلس تجاه الدولة موضع الاستعراض الدوري ، كما أن بعض المنظمات قد تمارس دورا إيجابيا أو سلبيا في عملة الاستعراض من خلال طمس حقائق معينة ، أو ترويج معلومات غير صحيحة عن الوضع الحقوقي في دولة ما ، وبالتالي فإن التقارير والإفادات المقدمة من المجتمع المدني لا تصلح وحدها كإطار لمشاركة فعالة ومنصفة من هذه المنظمات في آليات المجلس
والمداخلات الشفوية تعد آلية جيدة إلى حد بعيد ، لكن من المهم توفير ضمانات لعدم إساءة استخدامها ، وتوفير مساحة وقت أكبر لضمان تمثيل كل وجهات النظر بشأنها ، لكن في كل الحالات فإن هذه المداخلات لا يكون لها تأثير جوهري في قرارات المجلس واعتمادها أو عدم اعتمادها لتقرير دولة ما .
وماذا بعد ؟
قضية حقوق الإنسان في العالم ، باعتبارها قضية إنسانية عابرة للحدود ، وبوصفها تعبر عن قيم عليا ترتبط بمصير البشرية ذاتها ، تحتاج إلى مزيد من الجهد لحمايتها ، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يعد – رغم القصور – خطوة جيدة ومهمة ، لكن السياق الزمني ومخرجات التجربة يدفعان نحو ضرورة تطوير المجلس وتطوير وتفعيل آلياته ، وربما تكون النصائح التالية خطوة في هذا الاتجاه :-
1-تبني حزمة دراسات متعمقة للتقييم الشامل والموضوعي والعلمي لمجلس حقوق الإنسان وأداؤه وآلياته خلال السنوات العشر الماضية ، وتبني رؤية شاملة لإصلاحه بما يتوافق مع غايات وحدود دور الأمم المتحدة ، وعلى الأمانة العامة للأمم المتحدة أن تدفع في هذا الاتجاه .
2-تطوير منظومة الآليات الخاصة التابعة للمجلس وتحريرها من طلب الموافقة المسبقة للدول على زيارة أصحاب الولايات ، أو على الأقل جعل قبول الدولة إلزاميا مع إعطائها الخيار فيما يتعلق بتحديد الوقت داخل إطار فترة زمنية معينة .
3-إعادة النظر في طريقة تشكيل المجلس ، مع وضع قواعد تفصيلية للتحقق من انطباق معايير العضوية على الدول المرشحة .
4-توفير الموارد الكافية للمجلس للقيام بدوره في توفير الدعم التقني للدول المستحقة
5-تعزيز دور منظمات المجتمع المدني ومشاركتها في عمل المجلس ، مع وضع آليات للتحقق من موضوعية وعدالة ومصداقية المعلومات المتعلقة بهذه المشاركات