شاهد السبب الحقيقي لإقالة السيسي للزند: اعترف بقتل الشرطة للطالب الإيطالي
روح الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، المتألمة ستظل قابعة فى مصر تبحث عن حق جسد سكنته على مدار 28 عامًا، قبل أن تُزّهّق وتودعه بفعل فاعل، فى ظروف تحاول أن تبدو غامضة وأساليب تتجمل فى إنكار يلوح بإشارات ترسم صورة شبه جازمة لبصامات فاتها إبداع أن تكون "مجهولة"، احترفت اختراق الأجساد مسجلة ماركة عالمية صارت متفردة دعيت جدلًا بـ"الحالات الفردية"، واعتادت على النيل من أجساد المصريين السمراء على نفس النحو المتوحش الفاقد لأبسط ملامح الإنسانية.
ريجينى، الباحث فى شؤون النقابات المستقلة فى مصر، اختفى يوم 25 يناير تزامنا مع الذكرى الخامسة لثورة سعت للإطاحة بظلموقمع واستبداد ترأسه حاكم البلاد المخلوع حسنى مبارك، كعادة من يختفون فجأة بأرض الكنانة فى كنف من الظروف الغامضة، قبل أن يعثر على جثته بعد 10 أيام، ملقاه نصف عارية على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، وبها آثار تعذيب عنيف، كشفت "رويترز" نقلًا عن مصدر بالطب الشرعى أن الجثة كانت تحمل علامات صعق بالكهرباء في العضو الذكري وإصابات داخلية في مختلف أنحاء جسمه ونزيف بالمخ، بالإضافة إلى علامات تدل على جروح قطعية بآلة حادة، يشتبه أنها شفرة حلاقة، وكدمات، مرجحًا تعرض الطالب إلى اعتداء بعصى وأيضًا للكم والركل، فى حين نفت النيابة العامة المصرية الصعق الكهربى.. ظروف الحادثة وأساليب التعذيب تشبه إلى حد كبير حادثة الناشط السياسي وعضو التيار الشعبي وحزب الدستور محمد الجندي، الذى توفى فى 4 فبراير 2013، وسجلت قضيته فى سجلات المجهول.
التضارب فى تصريحات المسؤولين فى مصر، جعل وسائل الإعلام الغربية تتسابق فى توجيه الاتهامات الصريحة للأجهزة الأمنية المصرية، وتحميلها مسؤولية قتل الشاب الإيطالى، بعدما ربط بعضها وضع الحريات المزدرى واعتقال المواطنين بشكل اعتيادى ولأتفه الأسباب وبدون أدله، وتعذيبهم لإجبارهم على الاعتراف، بخلاف المئات من حالات الاختفاء القسرى منذ 2013، والتى تقابل دوما بالإنكار من الحكومة المصرية، بحسب ما أشارت صحيفة الإندبندنت البريطانية، مستعينة بتصريحات لجياني روفيني مدير مكتب منظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة في العاصمة الإيطالية روما، قال فيها إن "التعذيب هو الوضع الطبيعي في مصر"؛ وهو ما استندت إليه الصحف العالمية فى اتهامها، حيث تم ربطه بنشاط الشاب الإيطالى البحثى فى مصر، ومقالاته التى ذكر فيها ملاحظاته عن الحياة فيها، ومنها ما نشرته جريدة "المانيفستو" الإيطالية، وتحدث فيه عن "أجواء القمع فى مصر غير المسبوقة، وهيمنة الجيش والشرطة على مفاصل البلاد، وأزمات الحياة النقابية المستقلة، وغياب حرية الصحافة....".
الخلفية السابقة خلقت حالة من فقدان الثقة استدعت روما، لإرسال وفد تحقيق ترأسه النائب العام الإيطالى لمتابعة سير التحقيقات، فى الوقت الذى تنفى السلطات المصرية عن نفسها صحة هذه الاتهامات، وتؤكد أن التحقيقات مستمرة وصولًا للحقيقة، وآخرها وعد الرئيس عبد الفتاح السيسى لإيطاليا، خلال حواره مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، الأربعاء، بالوصول إلى الحقيقة حول وفاة ريجيني، وأن الجهات المختصة فى مصر لن تتوقف حتى الوصول للحقيقة.
ويبدو أن روح ريجينى، التى امتهنت البحث عن الحقائق، وتنفسته لتحيا، لن تهدأ أبدًا وستظل تحوم حتى تفك طلاسم الألغاز التى أحاطت بموته ورحيله القاسى، وستظل تصدر الأحكام وتتحكم فى علاقات مصر بالعالم، ومصائر العديد من القيادات المصرية.
روح الشاب الإيطالي توقع عقوبات أوروبية على مصر
صوت البرلمان الأوروبى، بأغلبية كبيرة، على مشروع قرار بشأن مصر يوم الخميس الماضى، تحت عنوان "مصر وقضية جوليو ريجينى"، أوصى خلاله بوقف المساعدات العسكرية وتصدير الأسلحة، ومعدات المراقبة عن مصر، ومراجعة قانون التظاهر، ومراجعة التشريعات الخاصة بتضييق الحريات، ومواجهة انتهاكات حقوق الإنسان.
طالب البرلمان، السلطات المصرية بتوفير تحقيق مشترك "سريع وشفاف ومحايد" في مقتل الشاب الإيطالى، ودعا السلطات إلى التعاون في التحقق من "تعذيب واغتيال" ريجيني، مضيفا أنه ليس "حالة منفصلة"، وأنه حدث في سياق عدد من الوفيات في الحجز في مصر.
وجاء في القرار الذى وافق عليه 588 عضوا، وعارضه 10 أعضاء، وامتنع 59 عن التصويت، أن البرلمان "يندد بقوة تعذيب واغتيال جوليو ريجيني، مواطن الاتحاد الأوروبي، في ظروف مريبة".
روح ريجينى تطيح بـ"عنجهية" الزند
أقال رئيس الوزراء شريف إسماعيل، منذ أيام، وزير العدل أحمد الزند، على خلفية، التصريحات التى أدلى بها يوم الجمعة الماضى، خلال لقائه ببرنامج "نظرة" الذي يقدِّمه الإعلامي حمدي رزق، على فضائية "صدى البلد"، والتى زُعم وتداول إعلاميًا أن السبب الإقالة تصريحاته التى اعتبرت مسيئة للنبى محمد "ص"، والتى صاحبها غضب شعبى عارم، إلا أن أغلب التحليلات أرجعت السبب الحقيقى إلى تطرق الزند، للحديث عن قضية ريجينى، والتى أكد فيها بشكل ضمنى وإن كان غير مدقق، صحة التقارير الإعلامية التى تتهم الشرطة المصرية بقتل الشاب الإيطالى، حينما قال فى هذا السياق "الطب الشرعى أنجز تقريره وسلمه للجانب الإيطالى"، مؤكدًا: "بكل صراحة وصرامة ووضوح، الجريمة زى ما هو متداول ومعروف، مفيش داعى نكرره، حتى لا يستفيد اللى بالى بالك منه.. الأمر على نحو ما تعرف وعلى نحو ما أعرف أنا"، مشددًا "مش ممكن هنطلع التقرير مزور، ما هو موجود فى الجثة لا بد أن يذكر، حتى لو كان له ثمن سياسى حتى لو أعلى من السياسى، مفيش حاجة تبرر الكذب ولا الخطيئة إطلاقًا".
تصريحات الزند، ليست مجرد كلمات عابرة أو تحليل لملابسات القضية، من شخص عادى على قناة فضائية، إذ أنها خرجت من رأس وزارة سيادية رفيعة، معنية بمتابعة الحقيقة وتحقيق العدل، وتعد بمثابة اتهام صريح، وإن بدى مبطن بالغموض إلى حد ما، للشرطة المصرية، بقتل الشاب الإيطالى؛ وذلك على عكس كل ما كانت تسعى السلطات المصرية المختلفة وعلى رأسها الرئيس السيسى نفسه، لنفيه، وتؤكد أن التحقيقات مازالت سارية وأن الحقيقة لم تظهر؛ فكان ثمن هدم تلك الصورة، إقالة وزير العدل المعروف بنفوذه القوى فى أوساط القضاة، والذى تبعها تهديدات من جانبهم جاءت على لسان المستشار مصطفى عيسى، رئيس اللجنة الإعلامية للوزارة، بالاعتذار عن انتدابهم للوزارة ورفض العمل مع غير الزند.
هل ستطيح روح ريجينى بوزير الداخلية؟
بدى طرح هذا التساؤل مشروعًا، فى ظل تناول تقارير إعلامية أجنبية، نقلت عن مصادر اطلعت على التقرير النهائى قبل تسليمه إلى النيابة العامة، أكدت تعرض ريجينى للتعذيب لمدة 5 أيام منفصلة وليست متصلة، خلال بعض أيام الاختفاء التي وصلت 10 أيام. فى الوقت الذى نفى فيه وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، أن تكون أجهزة الأمن اعتقلت ريجيني قبل وفاته أو أن يكون لها أي صلة بالحادث. ووصفه بأنها "جريمة جنائية"، مؤكدًا أن الوزارة تبذل جهودًا كبيرة لكشف غموض الحادث.
لكن تصريحات وزير العدل، خلال حواره التليفزيونى الأخير، والتى تسببت فى إقالته، تعد بمثابة "قلب الترابيزة" على كل مساعى النفى المصرية خلال أكثر من شهر، والتى صاحبها منذ أيام ظهور شاهد كيدى، يدعى محمد فوزى مهندس مدنى، فى برنامج "على مسئوليتى، على فضائية "صدى البلد"، صحبة الإعلامى أحمد موسى، المعروف بمساندته الشديدة للنظام القائم وجهاز الشرطة، ادعى رؤيته الطالب الإيطالى جوليو ريجيني، يتشاجر مع صديق له يوم 24 يناير الماضى، قبل اختفائه بيوم واحد، أثناء تصادف مروره بشارع ظهر الجمال خلف السفارة الإيطالية بالقاهرة، قبل أن تأمر النيابة العامة، بتتبع خط هاتفه المحمول، للتأكد من مكان تواجده فى نطاق الساعة السادسة مساء يوم 24 يناير، حسب تحديده لتوقيت المشاجرة التى أشار إليها، فكانت المفاجأة أنه كان فى منزله بمدينة 6 أكتور ولم يغادره يوم الواقعة.
ومع هذا الكم الكبير فى تضارب المعلومات، وتأخر كشف غموض الحادث، وبيان البرلمان الأوروبى حول حقوق الإنسان فى مصر والذى انتقد فيه حالات الاختفاء القسرى، وطالب القاهرة بالتعاون الكامل مع روما لكشف ملابسات اختفاء وتعذيب وقتل الشاب الإيطالى، ومع انتشار أنباء عن تعديل وزارى مرتقب، هل ستطيح روح ريجينيى بوزير الداخلية، ويلحق بوزير العدل أحمد الزند؟