الأقباط متحدون - حول تصريحات الرئيس أوباما الأخيرة
أخر تحديث ٠٧:٥٩ | الجمعة ١٨ مارس ٢٠١٦ | ٩ برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٧١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

حول تصريحات الرئيس أوباما الأخيرة

عبدالخالق حسين
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي نشرت في مجلة (أتلانتيك) الأمريكية،(1 و2) تعليقات وردود أفعال كثيرة من قبل عدد غير قليل من السياسيين، والصحفيين، والكتاب في العالم، من مؤيدين ومعارضين، بما فيها غضب الحكومة السعودية(3). والمقابلة مطولة، تمت على عدة جلسات، وفترات، غطت نحو 85 صفحة، ونشرت أخيراً بعنوان:(عقيدة أوباما (The Obama doctrine، وربما ستنشر في كتاب لاحقاً. وأهمية هذه التصريحات تكمن في كونها خارطة طريق للسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة.

ومهما كان موقفنا من أوباما، أرى من الانصاف أن نقيِّم الرجل من خلال ما قدمه من أفعال وأقوال عبر ولايتين لثمان سنوات من رئاسته للدولة العظمى، وتعامله مع التركة الثقيلة التي ورثها من سلفه الرئيس جورج دبليو بوش.

فهو يختلف عن كل الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه، وأثبت أنه ليس فقط سياسي محنك، بل، و مفكر ومثقف كبير، وخطيب مفوه، وأستاذ جامعي، ومؤلف لعدة كتب قبل أن يصبح رئيساً. إضافة إلى كونه يحمل صفات ليست في صالحه في مجتمع طبقي يعاني من صراع عنصري، فهو رجل أسود من أب مسلم كيني، وأم من إحدى جزر هاواي ، قضى أربع سنوات من طفولته في إندونيسيا، أكبر بلد إسلامي من حيث السكان، واسمه الثاني إسلامي (حسين). لذلك، أن يصبح هكذا شخص رئيساً لدولة عظمى، مازال قسم من شعبها يمارس التمييز العنصري ضد السود، لابد بد وأن يكون ذا كفاءة وإمكانيات فكرية وسياسية وشخصية غير عادية. ثم نال جائزة نوبل للسلام في السنة الأولى من رئاسته الأولى، والرجل لم يخيِّب أمل لجنة نوبل، إذ بذل قصارى جهوده لتغيير سياسة أمريكا الخارجية المعروفة بالشراسة والعصا الغليظة، فقد قاوم بقوة، نداءات اليمين الأمريكي في زج أمريكا في حروب جديدة، كما سحب قواته من العراق، ورفض ضرب سوريا، وأنهى الصراع الإيراني- الأمريكي، وحاول كسب الدول الإسلامية في خطابه التاريخي في جامعة القاهرة عام 2009، وأنهى الحصار الاقتصادي المفروض على كوبا منذ عام 1959. وفي المجال الداخلي نجح في إقامة نظام الرعاية الصحية لحوالى 32 مليون امريكى من الطبقة الفقيرة، وتعزيز الاقتصاد ودعم الشركات الصغيرة.

وأخيراً، خرج أوباما على تقليد أسلافه، إذ صرح بأقوال لم يتجرأ أي رئيس أمريكي أن يقلها وهو في البيت الأبيض، ضد الكثير من حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وهذا ما يهمنا من تصريحاته الأخيرة في هذا المقال.

لم نستغرب عندما أعلن أوباما أنه على علم بدور السعودية والدول الخليجية الأخرى في نشر التطرف الديني، والإحتقان الطائفي ضد الشيعة وبقية المذاهب الإسلامية من غير الوهابية، لأنه رئيس أقوى دولة تمتلك أكبر جهاز إستخباراتي (CIA) في العالم، فلا بد أن يكون هو ومساعدوه في إدارته على علم تام بكل ما كنا نردده عن دور السعودية وحليفاتها في تأجيج الصراع الطائفي، ونشر التطرف الوهابي، ومعاداة أتباع الديانات الأخرى، ودعم الإرهاب. لذلك، وهو على وشك أن يغادر البيت الأبيض، يريد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ويخرج عن المألوف الذي سار عليه الرؤساء السابقون، وبذلك يسجل سابقة مهمة في فضح الأشرار من حلفاء أمريكا بمن فيهم الموتور العصملي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصفه بالدكتاتور الفاشل.

وفي هذا الخصوص نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية تعليقاً على الموقف الأمريكي الجديد من السعودية أنه "من المستغرب أن ذلك التحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة استغرق وقتاً طويلاً قبل تنفيذه. فبعد أيام قليلة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، اكتشفوا أن 15 شخصاً من أصل 19 نفذوا العملية كانوا سعوديين، كما أن أسامة بن لادن وممولي العملية كانوا أيضاً سعوديين.(4)

ومن الجانب الآخر، حسمت إدارة أوباما صراعها مع إيران بعد 36 سنة من العداء والقطيعة، عقب دخول الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى العالمية حيز التنفيذ، في كانون الثاني 2016، حيث قامت الولايات المتحدة بإلغاء العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي التي كانت فرضتها على إيران والتي من شأنها أن تساهم في إنعاش الاقتصاد الإيراني الذي عانى من تأثيرها طويلا. وتم هذا بفضل المرونة والدبلوماسية الحكيمة التي مارستها حكومة الرئيس حسن روحاني وجناحه المعتدل.

ولعل أهم ما جاء في هذه المقابلة هو ما تضمنته الفقرة الأخيرة في النسخة العربية لهذه التصريحات ما يلي:
((وفي اجتماع لمنظمة «ايباك» مع رئيس الحكومة الأسترالية مالكولم تيرنبول، وصف أوباما كيف تحوّلت إندونيسيا، تدريجياً، من دولة مسلمة متسامحة إلى دولة أكثر تطرفاً وغير متسامحة. سأله تيرنبول «لماذا يحصل هذا الأمر؟»، فأجابه أوباما «لأن السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين (الإسلاميين) إلى البلد». وأضاف «في عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة». عندها سأله تيرنبول «أليس السعوديون أصدقاءكم؟»، فأجابه أوباما بأن «الأمر معقد». جيفري غولدبرغ [الصحفي الذي أجرى المقابلة]،عقّب بالقول «في البيت الأبيض، يمكن سماع المسؤولين يقولون لزائريهم إن العدد الأكبر من مهاجمي 11 أيلول لم يكونوا إيرانيين». حتى إن أوباما نفسه يهاجم السعودية في الغرف المغلقة قائلاً إن «أيّ بلد يقمع نصف شعبه، لا يمكنه أن يتصرّف بشكل جيّد في العالم الحديث».))(نفس المصدر:1).

أعتقد أن هذه التصريحات تمثل علامة تحول كبير في السياسة الخارجية الأمريكية، ولم تأت صدفة أو بمعزل عما يجري في الغرب من تذمر من السياسات العدوانية التي تنتهجها المملكة العربية السعودية، وحليفاتها الدول الخليجية من مساع محمومة للتأجيج الطائفي، وإثارة البغضاء ضد أتباع المذاهب الإسلامية من غير الوهابية، وضد غير المسلمين. إضافة إلى ما فقده النفط الخليجي من أهمية في الغرب بفضل ظهور البدائل المتجددة للطاقة، وعما قريب ستحقق أمريكا الإكتفاء الذاتي في النفط بل وحتى تصديره. فالنفط كان العامل الوحيد الذي جعل أمريكا والغرب تتغاضى عن طيش واستهتار السعودية والدول الخليجية وتجاوزاتها على حقوق الإنسان وبالأخص حقوق المرأة، فهم يتحملون مسؤولية الإرهاب في العالم، ومشكلة اللاجئين، وتدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن، وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد وصل خطرهم إلى الدول الغربية وكل أنحاء العالم.

لذلك اعتقد أن هذه التصريحات هي أشبه بالبيان الأول أو المقدمة للسياسة الأمريكية الجديدة التي ستتبناها الإدارة الأمريكية القادمة، وخاصة إذا ما فازت هيلاري كلنتون في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر من هذا العام، (وهي أكثر حظاً في الفوزها، خاصة إذا رشح الجمهوريون اليميني المتطرف الملياردير دونالد ترامب.

كذلك يبدو أن هناك توجه عام في أمريكا خاصة، والدول الغربية عامة، لحل الصراعات في الشرق الأوسط ودحر الإرهاب، فهذه الصراعات خلقت للدول الغربية مشكلة الملايين من اللاجئين الذين يجازفون بحياتهم من أجل العيش في الغرب، مما يفوق طاقة هذه الدول لإستيعابهم، إضافة إلى ما خلقه هذا الزحف المليوني مشكلة سياسية بين شعوب الدول الغربية وحكوماتها مما استفز اليمين الأوربي ضد العرب والمسلمين وكل المهجارين. وقد أدركت هذه الحكومات أخيراً أن السعودية وحليفاتها هي وراء كل هذه الأزمات.

ماذا يجب أن يكون موقف العراق من السياسة الأمريكية الجديدة؟
والسؤال المهم هنا: ماذا يجب على الساسة العراقيين عمله إزاء هذه التحولات في السياسة الأمريكية الجديدة للمنطقة؟

يعرف العراقيون بجميع مكوناتهم أن هناك تكالب على بلادهم، وأن السعودية وحليفاتها هم وراء الاحتقان الطائفي من أجل إدامة الصراع وتمزيق الشعب العراقي إلى طوائف متحاربة، لذلك راحوا يدعمون كل طرف ضد الأطراف الأخرى، وجعلوا من العراق وسوريا واليمن ساحة للحروب بالوكالة بين السعودية وحليفاتها من جهة، وإيران من جهة أخرى. وكانت أمريكا مع السعودية في هذا الصراع، لأن القادة العراقيين، وخاصة الشيعة منهم، لم يعرفوا كيف يلعبوا ورقتهم في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، ويكسبوا أمريكا إلى جانبهم ولصالح العراق. فخلقت السعودية وحليفاتها المنظمات الإرهابية مثل القاعدة ومشتقاتها: داعش وجبهة النصرة والنقشبندية وعشرات غيرها. وهناك حملة خليجية مسعورة لتشويه صورة الحشد الشعبي واعتباره مليشيات طائفية إرهابية أسوأ من داعش. وهذا هو سبب توتر الموقف بين العراق والسعودية.

لذلك، وبناءً على السياسة الأمريكية الجديدة، قام القنصل الأمريكي في البصرة بزيارة جرحى الحشد في المستشفى. ولكن المفارقة أنه بدلاً من ترحيب قادة الحشد لهذه المبادرة الأمريكية ذات الدلالة السياسية العميقة، طلع علينا السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، والسيد هادي العامري رئيس منظمة بدر وأحد القادة الميدانيين للحشد الشعبي، باستنكار هذه الزيارة ووصفها بالنفاق! إن هذه الزيارة يجب أن ينظر إليها بما تحمله من دلالات سياسية لصالح الحشد والعراق، فهي تعتبر اعتراف أمريكا بدور الحشد في محاربة الإرهاب، وصفعة في وجوه أعدائه، بأن أمريكا لا تعتبر الحشد مليشيات طائفية إرهابية كما تردد السعودية ومرتزقتها، بل فصيل شعبي مشروع.

والجدير بالذكر أن السعودية تصرف مئات الملايين من الدولارات على اللوبيات في أمريكا من أجل تشويه صورة العراق الجديد، وخاصة الحشد الشعبي، والإدعاء بأن الحكومة العراقية خاضعة للنفوذ الإيراني ومعادية لأمريكا. لذلك فتصريحات الصدر والعامري تصب في خدمة السعوديين، ولا أستغرب عندما وصفه أحد الكتاب بأنه عميل سعودي. والجدير بالذكر أن الصدر هو الزعيم الشيعي الوحيد بعد أياد علاوي، الذي استقبله الملك السعودي عبدااله، لأنه وجد فيه حصان طروادة لضرب العملية السياسية.

لذلك، أرى أنه من مصلحة العراق الترحيب بالسياسة الخارجية الجديدة التي أعلنها الرئيس أوباما وبالأخص فيما يتعلق بموقف أمريكا من الدول التي تستخدم الفتنة الطائفية، والراعية للإرهاب مثل السعودية وحلفائها.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- أوباما: السعودية مصدر للتطرّف.. أردوغان فاشل واستبدادي.. هكذا «تحرّرت» أميركا من مغامرة ضرب سورية..؟!
http://www.akhbaar.org/home/2016/3/208501.html

2- الرابط اًلأصلي للتقرير باللغة الإنكليزية كما نشرته الصحيفة الأمريكية: أتلانتك
http://www.theatlantic.com/magazine/archive/2016/04/the-obama-doctrine/471525/
3- تركي الفيصل: لا.. يا سيد أوباما
http://aawsat.com/node/591506

4- الإندبندنت: لماذا دار أوباما ظهره للسعودية وحلفائها السنّة ؟
http://www.kathima.com/v/227824?noredirect=1#noredirect

5- تجمع سومريون: مقتدى الصدر عميل سعودي
http://www.sumerprovince.com/news.php?name=2016033108

6- العامري: لا نرحب بزيارة القنصل الأميركي لجرحى الحشد الشعبي
http://www.akhbaar.org/home/2016/3/208686.html


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter