بقلم: يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (578)
منذ تم الإعلان عن انتهاء المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية من إقرار اللائحة الجديدة للأحوال الشخصية للمسيحيين -التي لم أتمكن من الحصول علي نسخة منها لقراءتها وفحصها حتي الآن لعدم طرحها للتداول- انفجرت موجة عارمة وسط الإعلام والرأي العام تفتش عن المعايير الجديدة التي استحدثتها اللائحة بخصوص إباحة الطلاق بين الزوجين وإقرار إعادة الزواج لهما… وأظن أن ما استحدثته اللائحة من شأنه أن يحل العديد من المشاكل المتراكمة التي عصفت بأسر مسيحية ويفتح أبواب الرحمة والأمل أمام أطرافها نحو إعادة رسم مسار حياتهم ووضع حد ليأسهم ومعاناتهم.
هذه النتيجة التي تبعث علي الارتياح ليست الفصل الختامي في مسألة لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين, إذ ما تزال تتبقي مرحلتان مهمتان من قبل تحول اللائحة إلي واقع ملموس وأداة قانونية معاشة ومطبقة: مرحلة موافقة باقي الكنائس في مصر عليها -الكنائس الكاثوليكية والكنائس الإنجيلية- حتي تصبح لائحة موحدة معتمدة من جميع الكنائس, ثم مرحلة تشريع اللائحة بإصدار قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وذلك يتم عبر إرسالها من جانب رئاسة الكنيسة إلي وزير العدل ثم تبني الحكومة لها في مشروع قانون يقدم إلي مجلس النواب ثم مناقشته وإقراره في شكله النهائي في المجلس تمهيدا لإصداره في صورته الرسمية النهائية تفعيلا للمادة الثالثة من الدستور التي تنص علي: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية.
لكن بالقدر الذي شعرت معه بالارتياح للانفراجة في معايير الطلاق وإعادة الزواج, شعرت بالقلق والإحباط لعدم تسرب أي شئ في اللائحة الجديدة عن المواريث, وهو الأمر الذي أظل مهموما به منذ سنوات وكتبت عنه مرارا وأعتبر التصدي له فرصة تاريخية لاستعادة مساواة مفقودة بين الرجل والمرأة, علاوة علي كونها مبادرة وطنية من الكنيسة المصرية ليحذو حذوها الوطن كله في إطار إعلاء حقوق المرأة والمساواة الكاملة بينها وبين الرجل.
فغياب التشريع المسيحي بشأن المواريث, حيث يتساوي نصيب الذكر مع نصيب الأنثي كان راجعا إلي عدم إقرار الدساتير بالشرائع الخاصة للمسيحيين, وبالتالي خضوعهم لقانون المواريث المتوافق مع الشريعة الإسلامية, لكن مع ترسيخ المادة الثالثة المستحدثة في دستور 2013, بات من حق المسيحيين اللجوء إلي شرائعهم الخاصة في أحوالهم الشخصية, والمواريث ركن من أركان الأحوال الشخصية لا تتجزأ عنها… لذلك أعود وأقول إنها فرصة تاريخية سانحة لتضمين لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين التي نحن بصددها, قسما خاصا بالمواريث يساوي بين الذكور والإناث في الأنصبة… وأتمني أن يكون ذلك تم أخذه في الاعتبار وأجده في نص اللائحة, أما إذا كان الأمر غير ذلك وغابت المواريث عن اللائحة فلست أملك سوي إطلاق صرخة أخيرة لقداسة البابا وأعضاء المجمع المقدس وسائر المعنيين بأمر هذه اللائحة للإسراع بتدارك ذلك تصحيحا لمساواة غائبة وتسطيرا لنموذج وطني يحتذي.
ولئلا يعتقد أحد أني إذ أتصدي لهذا الأمر إنما أسوق كلاما فضفاضا لا أساس له… أعود لأذكر بأنني سبق أن عرضت في هذا المكان في فبراير 2015 علي مدي مقالين في سلسلة الأمور المسكوت عنها وتحت عنوان: أين تشريعات المواريث في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين؟ محتوي الكتاب التوثيقي الذي أعده الأستاذ فتحي راغب حنا المحامي بالنقض والدستورية العليا ويحمل عنوان أحكام وقواعد المواريث والوصية وفقا لأحكام الشريعة المسيحية… وأحكام الشريعة الإسلامية حيث يسلط الضوء علي الذخيرة التاريخية والقانونية التي تساوي بين الذكور والإناث المسيحيين في المواريث… وأرجو المعذرة في تكرار تسجيل الآتي:
** المصريون المسيحيون كانوا يطبقون أحكام وقواعد الميراث المسيحية منذ دخول المسيحية مصر علي يد القديس مرقس الرسول, وظلت هذه القواعد معمولا بها لعديد من القرون… كما أن تلك القواعد تم اعتمادها واستمرار العمل بها في عصرنا الحديث إعمالا للأمر العالي الصادر بتاريخ 14 مايو 1884 والذي عدل بالقانون رقم 9 لسنة 1927 الخاص بلائحة ترتيب واختصاصات مجلس الأقباط الأرثوذكس العمومي, وكذلك الأمر الصادر في أول مارس 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين, والقانون رقم 37 لسنة 1905 بشأن الأرمن الكاثوليك… واستمر ذلك إلي أن صدر القانون رقم 25 لسنة 1944 والذي ينص في مادته الأولي علي أن قوانين الميراث والوصية وأحكام الشريعة الإسلامية فيهما هي قانون البلد فيما يتعلق بالمواريث والوصايا, علي أنه إذا كان المورث غير مسلم جاز لورثته أن يتفقوا علي أن يكون التوريث طبقا لشريعة المتوفي.
000 إزاء هذا كله لا أملك إلا أن أتساءل: لماذا سقطت أحكام المواريث من لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين؟!.
نقلاً عن وطنى