مؤسس الرهبنة يوصي الرهبان بالطاعة.. ومؤسس "الشركة": "أفضل الفضائل"
كتب - نعيم يوسف
حذر البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية -خلال تعليقه على أزمة رهبان دير الأنبا مكاريوس في منطقة وادي الريان- من زيارة المكان معللًا ذلك بأنه "مبني على كسر الطاعة"، كما قررت الكنيسة في وقت سابق طرد ستة رهبان من الدير بسبب مخالفتهم لهذا المبدأ، ولذلك نعرض تقريرًا عن "الطاعة في الرهبنة"، التي بسببها تتخذ الكنيسة هذه الإجراءات القاسية.
النظام الرهباني.. الطاعة أولًا
النظام الرهباني يعني في الأدبيات القبطية الأرثوذكسية "الفقر والموت الاختياري عن العالم"، وهناك ثلاثة نذور على الراهب أن ينفذهم وهم: "الطاعة"، و"البتولية" -أي عدم الزواج- و"الفقر الاختياري" -أي لا يمتلك شيئًا- ولذلك تكون أملاك الأديرة والأباء ومقتنياتهم تابعة للكنيسة وليست لهم، وبالتالي فإن "الطاعة" هي أولى نذور الراهب، ومن بين أدبيات الرهبنة أيضًا أن الرهبنة هي "موت الذات"، وبالتالي فيجب على الراهب طاعة آبائه في الكنيسة وعدم تنفيذ مشيئته الشخصية، والتاريخ الآبائي ملئ بالقصص التي تدعم ذلك.
شجرة الطاعة وثمارها
من أقوى القصص المعروفة في التاريخ الرهباني، هي قصة "شجرة الطاعة"، للقديس يحنس القصير، الذي أراد معلمه الأنبا بموا أن يمتحن طاعته، وقال له: "يا يوأنس ازرع هذه الشجرة"، فأمره بأن يغرس عصا يابسة في الصحراء، ويسقيها بالماء يوميًا لمدة ثلاثة سنوات، وفي أخر هذه المدة أزهرت الشجرة وأثمرت فأخذوا ثمرها ووزعوه على الرهبان وقالوا لهم "ذوقوا وأنظروا ما أشهى ثمرة الطاعة"، وحسب التاريخ الكنسي فقد ظلت تلك الشجرة قائمة بمنطقة دير الأنبا يحنس القمص ببرية شيهيت حتى وقت قريب؛ فقيل أنها كانت موجودة إلى حوالي عام 1921 أو بعد ذلك.
مؤسس الرهبنة يوصي بالطاعة
هناك العديد من الأقوال للأنبا أنطونيوس، مؤسس الرهبنة والمعروف بـ"أب الرهبان"، والتي تؤكد على الطاعة، حيث يقول: "الطاعة تُخليك مسؤولية الطريق"، وتعتبرها الكنيسة أهم نذور الرهبنة، حيث يقول أيضًا القديس أنطونيوس "الطاعة والمسكنة يخضعان الوحوش لنا"، ويقصد بالوحوش "الشياطين"، وقال أيضا: "لا تكن قليل السمع لئلا تكون وعاء لجميع الشرور فضع قلبك أن تسمع لأبيك فتحل بركة الله عليك".
الطاعة وقرون الخنزير
يورد "بستان الرهبان" قصة عن القديس أرسانيوس الذي كان يحب أحد الرهبان -من بين 24 أخرين- بصورة أكثر، فتعجب منه بعض الآباء وسألوه عن السبب، فخرج من قلايته ونادى على الرهبان كلهم، فلم يجيبوه ثم اقترب إلى قلاية هذا الراهب ويدعى "مرقس"، وقال له: "يا مرقس" فخرج مسرعا ملبيًا ندائه، وعندما دخلوا قلاية هذا الراهب وجدوه كان يكتب شيئًا ولم يكلمه، ومرة أخرى كانا يسيران (القديس أرسانيوس وتلميذه مرقس) مع بعض الرهبان، في البرية فرأيا خنزير بري فقال الشيخ لتلميذه: "أنظر كيف أن قرونه مستوية حسنة"، فأجابه: "نعم يا معلم"، فتجعب باقي الرهبان من شدة طاعته لمعلمه لدرجة أنه لم يراجعه ويقول له إن قرون الخنزير ملتوية.
عدم الأكل
مرة أخرى، كان للقديس أرسانيوس تلميذا مطيعًا، فقال له: "إذا انتهيت من عملك هلم لنفطر، ولكن إذا حضر غرباء كل معهم ولا تأتي إلي، ومر وقت طويل ولم يأتي الراهب، فظن الشيخ أنه جائه غرباء فأكل معهم، إلا أنه جائه بعد ذلك بوقت، فقال له الأنبا أرسانيوس: "هل حذر عندك غرباء؟ أجابه : لا، فرد عليه الشيخ: لم أبطأت؟؟ فقال له: "لأنك قلت لي إذا أنهيت عملك تعال، وحفظا لقولك أتممت عملي وأتيت، فتعجب الأنبا أرسانيوس، وقال له: "هلم أسرع وقدم خدمة التسبيح والصلاة وأشرب بعض الماء لأنك ما لم تفعل هذا عاجلا يحدث لجسدك إنحلال".
تلميذ قطع هواه
يروي الأنبا باخوميوس -مؤسس النظام الرهباني الحديث الذي يعتمد على الشركة وليس التوحد، ويلقب بـ"أب الشركة"- قصة لتلاميذه عن أهمية الطاعة فيقول، أخبر أب (أحد الآباء) أنه رأى أربعة مراتب مرتفعة إلى السماء، الأول كان مريضا صابرا وشاكرا لله، والثاني مضيفًا للغرباء، والثالث متوحد في البرية مجتهد، وأما الرابع فكان تلميذا مطيعا لمعلمه، وكان هذا الأخير أرفعهم مرتبة، فتعجب وسأل عن السبب، فأجابه الذي أراه هذه الرؤيا أن كل واحد من الآخرين فعل الخير بهواه، وأما هذا فقد "قطع هواه لله وأطاع معلمه والطاعة لأجل الله أفضل الفضائل".
التبرؤ من 6 رهبان
شهر نوفمبر الماضي، أعلن المجمع المقدس للكنيسة القبطية أنها "تتبرأ" من ستة رهبان، إبان أزمة شق طريق في دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان، مشيرة إلى أنها "استبعدت الراهب المسؤول وتبرأت من اثنين من الساكنين، واللذين انتحلا صفة راهب، وبذلت محاولات عديدة لإثنائهما عن العناد دون جدوي، لذا تعلن الكنيسة أن المكان ليس ديراً كنسياً معترفاً به حتى الآن، وتخلي مسؤوليتها، وتعلن أن للدولة الحق القانوني فى التصرف مع مراعاة الحفاظ على الطبيعة الأثرية والمقدسات والمغائر والحياة البرية في المنطقة".