بقلم: سعيد السنى
بعيداً عن الاقتصاد ونظرياته وفلسفاته التى لا تعنينى كثيراً كـ«مواطن» إلا بقدر تأثيرها على معيشتى وحياة أسرتى، ودون الدخول فى جدل عقيم حول مبررات البنك المركزى وتصريحات مسؤوليه تفسيراً وتسويقاً لـ«قرار زيادة السعر الرسمى للدولار 112 قرشاً» دفعة واحدة، الموصوف من الخبراء بأنه تعويم أو تخفيض لسعر الجنيه أمام الدولار بنسبة 15% تقريباً.. فإن المُسمى الملائم لهذا القرار هو إعدام الجنيه المصرى ونزع الحماية عنه وتركه فريسة للدولار الذى يستأسد ويزداد توحشاً، استناداً لقرارات وسياسات هؤلاء «العباقرة» القائمين على الحكومة والبنك المركزى، والقابعين فى أبراجهم العاجية، يتقاضون رواتب بمئات الآلاف من الجنيهات أو الدولارات شهرياً، دون أن يشعروا بمعاناة الملايين أمثالنا من عوام الناس محدودى ومتوسطى الدخل، الذين صارت حياتهم جحيماً لا يطاق جراء صعوبة تدبير لوازمها..
فهذه الضربة القاتلة للجنيه ليست الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة حسبما يبين مضمون البيان المصاحب لقرار المركزى والشارح له، وقد سبق للجنيه تلقى تخفيضات مماثلة فى شهرى يوليو وأكتوبر من العام الماضى، ليصل إجمالى الفاقد من قيمته نحو 35% تقريباً خلال أقل من عام، وهو ما يترتب عليه حتماً ولزوماً بالتوازى أن ترتفع أسعار كافة السلع والمشتريات تقريباً بنفس النسبة أو أزيد قليلاً مع كل انخفاض لسعر الجنيه مقابل ارتفاع الدولار، وبمراعاة الزيادات التى طرأت على جمارك بعض الواردات مؤخرا، فهذا معناه اشتعال أسعار السلع الأساسية والغذائية بأنواعها والزراعية والأدوية وكل المستورد وغالبية المنتجات المصنعة محليا لاعتمادها على خامات مستوردة، والأجهزة والأدوات المنزلية والإلكترونية، وبالتبعية ترتفع أجور النقل والمواصلات والأطباء والمدرسين للدروس الخصوصية، وهلم جرا..
هذا بخلاف الخسائر التى تلحق بأصحاب «المدخرات» بالجنيه المصرى، سواء كانت فى البنوك أو استثماراً فى مشروع قناة السويس، فهؤلاء خسروا من مدخراتهم فى نفس الفترة من يوليو الماضى حتى الآن، بنفس نسبة انخفاض سعر الجنيه (35% تقريباً)، وما يترتب على ذلك من تناقص لعوائد هذه المدخرات التى يتعايشون منها، بما ينعكس انحداراً لمستواهم المعيشى، مضافاً إلى هذا كله، المغالاة المستمرة بفواتير الكهرباء والغاز ومياه الشرب، وزيادة أسعار الطاقة قبل عام ونصف وما ترتب عليها من غلاء.
أصل المشكلة الدولارية ببساطة شديدة هو الخلل بين المعروض من الدولار والطلب عليه، فى ظل اعتمادنا على الاستيراد بنحو 70% من السلع الغذائية، وباقى احتياجاتنا بنسب متفاوتة.. المشكلة إذن هى نقص الإيرادات الدولارية، وهى تأتى من مجموعة مصادر.. أولها: «السياحة» وهذه مصابة بأزمة عميقة لها أبعادها الأمنية، وليس صحيحا ما يروجه المطبلون لقرار تخفيض الجنيه بأنه يؤدى لتنشيط السياحة، وثانيها: «الصادرات» ومعروف أن أكثر من نصف صادراتنا هى خامات بترولية، وغنى عن الذكر أن سعر برميل البترول الخام انخفض عالمياً خلال العام الأخير إلى نحو 42 دولاراً بدلاً من 110 دولارات، منعكساً بالسلب على إيراداتنا الدولارية من هذا الباب.. أما ثالثها: فهى تحويلات «المصريين العاملين بالخارج»، وهؤلاء صاروا يجدون إغراءات بدول الخليج وغيرها لبيع دولاراتهم هناك بدلاً من تحويلها، سواء كان ذلك بتأثير تخبط سوق الصرف هنا أو نتيجة لجهود الإخوان لضرب الاقتصاد.. وتبقى «الاستثمارات الأجنبية»، فلم يفلح المؤتمر الاقتصادى، رغم سقف الطموحات الذى طاول عنان السماء أثناء وعقب انعقاده، وفشلت حكومتنا فى تهيئة البيئة اللازمة للاستثمار سواء الوطنى أو الأجنبى، جراء التعقيدات، وغياب الرؤية لإصلاح الجهاز الإدارى، ناهيك عن الاعتبارات الأمنية والملفات الحقوقية التى تنال من سمعة مصر، وصورتها كـ«دولة قانون» يأمن إليها المستثمر أياً كانت جنسيته.
يا سادة يا كرام.. ارحمونا شوية من قراراتكم العشوائية التى تحرقنا بنارها، وابحثوا عن حلول عملية لتوفير الدولارات.
نسأل الله السلامة لمصر