الأقباط متحدون - وادي الريان : أزمة دير؟ أم أزمة أكليروس وأزمة رهبنة ؟
أخر تحديث ٢٠:١٤ | الاثنين ٢١ مارس ٢٠١٦ | ١٢ برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٧٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

وادي الريان : أزمة دير؟ أم أزمة أكليروس وأزمة رهبنة ؟


بقلم – سليمان شفيق

بعيدا عن الصخب الدائر بوعي أو بدون وعي عن أزمة "المتعبدين " في الدير المنحوت المسمي إعلاميا بالريان، وضجيج "اولتراس" أنصار المتعبدين، ومحاولات البعض امتطاء "حصان الريان " لمهاجمة الدولة أو البابا  أو أبونا أليشع المقاري ـ بالحق أو بالباطل ـ هناك بضعة أسئلة موضوعية طرحها الأستاذ كمال زاخر في مقالة الأخير بصحيفة الوطن:

(وتبقى أسئلة يفرضها تجدد الأزمة: هل يمكن لجهة مصرية وطنية محايدة، من المجتمع المدني أو البرلمان أو كليهما، أن تشكل لجنة لتقصى الحقائق تكشف ما حدث سواء في الدير أو مع الراهب الذي يخضع للتحقيق أمام النيابة، وملابسات القبض عليه؟

1ـ هل الرهبنة تعطى حصانة لمن ينتسب إليها؟
2ـ هل تغيرت القواعد المنظمة للرهبنة والمؤسسة لها: العزلة، الفقر الاختياري، الطاعة، البتولية؟
3ـ ماذا عن العلاقة بين الدير والكنيسة، رسمياً وعلى الأرض، ومن يخضع لمن؟
4ـ هل هناك من يعمل على تفكيك العلاقة بين البابا والرهبنة وبينه وبين الشباب؟
5ـ هل هناك من يحاصر البابا ويحول دون استمراره فيما أعلنه وسار فيه من خطوات مهمة فى هذا الاتجاه؟
5ـ هل هناك من يسعى ويعمل على استثمار الأحداث لحسابه، أو لحسابهم، أو لتصفية حسابات عالقة، مع الكنيسة أو الدولة أو الدير؟
6ـ هل هناك صراع ما بين بعض الأساقفة حول الولاية على الدير؟)

ستة أسئلة موضوعية شدت انتباهي وجذبتني لمحاولة البحث عن أجابات لها ، ولنبدأ بالثلاثة أسئلة الأولي (1و2و3) :

أولا: أعتقد أنه في ثلاثة عقود الأخيرة والتي مر فيها العالم بثورة الاتصالات ثم ثورة المعرفة ، انتهي العمر الافتراضي لمفهوم "العزلة" خاصة بعد امتلاك الرهبان "للاب توب والايفون" والأجهزة المتطورة الخ ، لقد ظهرت الرهبنة في مصر علي يد القديس انطونيوس الكبير في القرن الرابع عصر الانتقال من المشاعية إلى الإقطاع، عصر كانت فيه المدينة تبعد آلاف الكيلومترات عن الصحراء، وظهرت الرهبنة كحركة شعبية علمانية ـ رهبنة أخوة وليس رهبنة كهنوتية ـ ولم يكن هناك إلا كاهن محلي يأتي من أقرب ايبارشية يصلي معهم القداس الإلهي كل زمن، وبعد عقود أصبح هناك كاهن راهب في كل تجمع رهباني.

وكانت الرهبنة تخضع للكنيسة عقائديا وروحيا وليس أداريا ، وشيئا فشيئا ومع عوامل التطور خاصة في الثلاثين عاما الأخيرة وفي الثورات التي اشرنا لها خاصة ثورة الاتصالات، تغير الأمر وبلغ عدد الرهبان وفق المصادر الرسمية حوالي( 1200) راهب وأصبح المجمع المقدس (120أسقف) أي أسقف لكل عشرة رهبان، وباتت الرتب الكهنوتية وسط الرهبان تقترب من 60% تقريبا، وسيم أسقفا لكل دير، وخضعت الأديرة أداريا للكنيسة.

ومن ثم أصبحت الرهبنة الحالية في اغلبها (أكليروس متبتل تابع للكنيسة) وليست رهبنة بالمعني "الانطوني"، ولكن هناك بقايا صراع بين الشكل القديم للرهبنة (حركة علمانية شعبية وليست كهنوتية كنسية) وبين الرهبنة الحديثة التي تحولت إلى (اكليروس متبتل تابع للكنيسة).

اما الثلاثة أسئلة الأخرى (4و5و6) مرتبطين بالإجابة علي الأسئلة الثلاثة السابقة ، ما عدا إن مثال أو نموذج الراهب لدي الشعب القبطي هو (نموذج المسيحي الرديكالي ) ومن ثم التبرعات تذهب للأديرة أكثر من الكنيسة وربما ذلك فتح باب محاولات الربط بين (الايبارشيات والدير) وبات كل أسقف أو مطران يحاول إنشاء دير أو الاستحواذ علي دير وخلق "مولد" له يدر أمولا!! ومن ثم نشأت التنافسية ولا أقول الصراعات .

ومع اقتراب المدينة من الصحراء ، وتحول الأديرة إلي مزارع ومصانع ومعامل إنتاج ظهر "بيزنس ديري" ومع الزيارات اليومية والفندقة صار الدير قطعة من "العالم" وأصبحت لدية علامات جودة وحسابات في البنوك ورحلات لأوروبا وأمريكا لجلب التبرعات السخية.

 باختصار تبدلت العلاقة الرهبانية من "علاقة راسية بالله" إلي علاقة "أفقية بأرض" ـ كل مشاكل الأديرة مع الدولة مشاكل توسع أفقي، ونشأت ما تسمية الكنيسة (أديرة غير رسمية) ومن ثم ارتد الصراع الي عصر (الإقطاع الرهباني) كما كان يحدث في أوروبا في العصور الوسطي.
حيث كان لكل دوق إقطاعية بها دير وأسقف، التاريخ يعيد نفسه ولكن في شكل مهزلة!!

يبقي أن الشباب القبطي بعد ثورة 25 يناير ومذبحة ماسبيرو وغيرها أصبحوا ينظرون إلي تمرد "المتعبدين في الريان" علي أنه وجه من المعارضة للاكليروس الكنسي الموالي للحكم أو الساكتين علي مظالمهم، وللأسف من يديرون الأزمة بمولاة الريانيين أو بمعارضتهم لا يدركون كل تلك الأبعاد، الشباب القبطي يحب السيسي ويثقون فيه ولكنهم أصبحوا لا يثقون في المسئولين المحليين، الشباب القبطي يحبون البابا تواضروس ولكنة لم يستطيع أن يستوعبهم، والعالم يتغير ينتقل إلي ثورة الاتصالات وما بعد الحداثة والاكليروس الكنسي مازال يعيش في عصر ثورة الإقطاع أو في أحسن الأحوال الثورة الصناعية.
مع كامل احترامي لجميع الأطراف (عوض الله تعب محبتكم غير البصيرة والتي لا تقرأ علامات الأزمنة)!!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter