يحتفل اليوم المجتمع العربى بالذكرى الـ 93 لميلاد شاعر الياسمين "نزار قبانى" ، وبهذه المناسبة نتعرف على اهم المحطات فى حياة شاعر النهد والسيف والذى اثار جدلاً سياسياً ودينياً كبيراً بقصائده الثائرة على كل ما هو متوارث ، وكيف ناصر المرأة العربية والتى كانت تعانى من القهر فى ظل سيطرة المجتمع الذكورى على مقاليد الحياة.

نزار من المهد للديوان 

1- في حيّ "مئذنة الشحم" الموجود بدمش القديمة ولد الشاعر نزار قبانى في 21 مارس 1923م ، وقد تربى فى بيت دمشقى ادبى اصيل وعريق. 

2- تربى نزار تربية فنية أصيلة لا تقتصر على مجال الأدب وحده ، ولكنه اتجه فى البداية للرسم الذى عشقه ، حتى انه كتب ديوان اسمه "الرسم بالكلمات" ، كما أنه تعلم العزف بالعود ، إلى أن انتهى اخيراً للكتابة الشعرية متتلمذاً على يد الشاعر "خليل مردم بِك" ، الذى علّمه أصول النحو والصرف.

3- إلتحق بكلية الحقوق فى دمشق فى 1941م ونشر خلال سنواته الدراسية أولى دواوينه " قالت لى السمراء" ، والذى احدث جدلاً فى الأوساط الثقافية ، وجعل "قبانى" فى مصاف الشعراء الأباحيين ، ولهذا فقد تعرض لهجوم لاذع وعلق عليه فى مذكراته قائلاً " "قالت لي السمراء" حين صدوره أحدث وجعًا عميقًا في جسد المدينة التي ترفض أن تعترف بجسدها أو بأحلامها، لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون، وكان لحمي يومئذ طريًا".

4- تخرج فى كلية الحقوق سنة 1945م ، وبعدما التحق بوازرة الخارجية السوريّة، في العام نفسه عُين في السفارة السوريّة في القاهرة بعمر الـ 22 ، ومن المعلوم أن العمل الدبلوماسى يقتضى أن يتنقل صاحبه من بلد إلى اخرى ، حيث انتقل بين العديد من البلاد كالندن والصين ، ومدريد، إلى أن استقرَّ في لبنان بعد أن أعلن تفرغه للشعر في عام 1966 ، حيث أسس دار نشر خاصة تحت اسم منشورات نزار قباني.

5- "نزار" كان مجنون بأمه يحبها حباً شديداً ، وتقول بعض المراجع أن أمه ظلت ترضعه حتى سن السابعة ، وتأكله بيديها حتى سن الـ 13 ، وقد ادى هذا إلى ظهور شخصية الأم بشكل كبير فى قصائده ، والذى تجلى هذا فى ديوانه "الرسم بالكلمات" ، الذى مزج فيها بين مشاعر الحنين بين أمه ووطنه دمشق.

6- يدخل شعر نزار فى باب الإباحية هكذا يرى بعض النقاد ، حيث أن مرادفات "قبانى" وتركيباته اللغوية والشعرية فى ابيات كثيرة غلب عليها الطابع الجنسى ، فى وصف العلاقات الجنسية وجسم المرأة وغيرها مما لا يتوافق مع تقاليد المجتمع الغربى ، وفى هذا قال " فصلت من جلد النساء عباءة .. وبنيت أهراماً من الحلمات" ، وهنا يظهر شغف "نزار" بوصفه للنساء العاريات.

7- اتهموه بالإلحاد وأن شعره يتجاوز الشريعة الاسلامية ، متذرعين بإنه تجرأ على الذات الإلهية متبعاً ، مستشهدين ببعض أبيات منها  "إنني على الورق أمتلك حرية إله وأتصرف كإله" و أخر من ديوان (لا) ، حيث قال: ط رأيت الله في عمان مذبوحاً على يد رجال البادية... فغطيت وجهي بيدي.... يا تاريخ... هذي كربلاء الثانية".

نزار .. الذى مات أحبابه 

تشكل الصدمات القوية جزئاً قوياً وبارزاً من حياة شاعرنا الدمشقى "نزار قبانى " ، فالموت كان يسبق كل خطوة من رحلة شاعرنا فى الحياة ومنها 

8- فى صغره انتحارت أخته "وصال" ، بعدما أصر اهلها أن تتزوج من شخص لم تكن تحبه ، وهذا ما أثر عليه بشكل عميق ، وشكل أو سمات شعره الحزين الثائر لحق المرأة العربية المظلومة ، وقد رثى أخته قائلاً " صورة أختي وهي تموت من أجل الحُبّ محفورة في لحمي... كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدوية".

**ملحوظة : تزوج نزار مرتين ، وخلف كلاً منهما جرحيين غائريين

9- تزوج نزار للمرة الأولى من زهراء أقبيق ابنة خاله ، وانجب منها "هدباء" و "توفيق" والذى توفى فى عام 1973 ، الذى كان طالباً بكلية طب جامعة القاهرة في السنة الخامسة، مما ترك الأثر الكبير في حياته، وقد رثاه نزار بقصيدة "الأمير الخرافي توفيق قباني" قائلاً :

مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات 

ومقصوصة ، كجناح أبيك، هي المفردات 

فكيف يغني المغني؟ 

وقد ملأ الدمع كل الدواه 

وماذا سأكتب يا بني؟ 

وموتك ألغى جميع اللغات

** يذكر ان زوجته الأولى توفيت فى 2007م

10- فى أمسية شعرية ببغداد إلتقى بزواجه الثانى وهى أمرأة من اصل عراقى تدعى بلقيس ، ومعها انتظر العذاب شاعرنا من جديد ، ويترجع كأس الموت الثالث فى حياته ، فقد لقيت "بلقيس" حتفها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية في حادث انتحاري استهدف السفارة العراقيّة في بيروت حيث كانت تعمل عام 1982 ،  والذى رثاها بواحدة من اعظم وابكى القصائد وسماها بإسمها " بلقيس" ، فقد أدان فيها كل العرب مؤكداً ان العرب جميعاً أشتركوا فى مقتلها.

وفى رثائه لبلقيس قال بيته الخالد قصيدة بلقيس قائلاً 

هل يولد الشعراء من رحم الشقاء ؟ 

وهل القصيدة طعنةٌ 

في القلب .. ليس لها شفاء ؟ 

أم أنني وحدي الذي 

عيناه تختصران تاريخ البكاء ؟ 

سأقول في التحقيق :  

كيف غزالتي ماتت بسيف أبي لهب 

كل اللصوص من الخليج إلى المحيط 

يدمرون .. ويحرقون 

وينهبون .. ويرتشون 

ويعتدون على النساء 

كما يريد أبو لهب 

كل الكلاب موظفون 

ويأكلون 

ويسكرون 

على حساب أبي لهب

- نزار قبانى والرحيل

غادر نزار لبنان فى أعقاب مقتل "بلقيس" ، وظل يتنقل بين باريس وجنيف حتى استقر في النهاية في لندن حيث قضى الـ15 عامًا الأخيرة من حياته هناك ، في عام 1997 كان قباني يعاني من تردي في وضعه الصحي وبعد عدة أشهر توفي في 30 أبريل 1998 عن عمر ناهز 75 عامًا في لندن ،  بسبب ازمة قلبية ، مخلفاً تراثاً ادبياً فاق 36 ديوان شعرى ، كل كلمة فيه أثارة قلوب العاشقين ، وعكرت صفو السياسيين ، وخلدت معاناة الدمشقيين والعربيين.

**يذكر أن نزار تحول نحو الشعر السياسي بعد نكسة حرب 1967، وأصدر عدة قصائد لاذعة ضد الحكومات والأنظمة العربية عمومًا وضد حكم البعث في سوريا ومنها "هوامش على دفاتر النكسة" ، والتى اثارت عاصفة شديدة في العالم العربي، وقج ترتب عليها صدور قرار بمنع إذاعة أغاني نزار وأشعاره في الإذاعة والتلفزيون ،والذى قال فيها : 

إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ

لأننا ندخُلها

بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ

بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ

لأننا ندخلها

بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ