الأقباط متحدون - الله يبحث عن الضال
أخر تحديث ١٣:٤٧ | الأحد ٢٧ مارس ٢٠١٦ | ١٨ برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٨٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الله يبحث عن الضال

بقلم نسيم عبيد عوض
الكتاب المقدس كله يعرفنا كيف كان ومازال الله يعمل من أجل خلاصنا ‘ وبعد تحقيق الفداء والخلاص بصليب إبنه الوحيد ‘كقول الكتاب " هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية."يو3: 16‘ وكقول الرسول" الذى انقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا الى ملكوت ابن محبته."كو1: 13‘ وبالإيمان والمعمودية من الماء والروح ‘ نولد ميلادا ثانيا لنكون بطبيعة وخليقة جديدة ‘ ولكن ونحن مستوطنين فى هذا الجسد ‘ الذى هو مصدر جاذبية للضعفات البشرية والخطايا ‘ فإن الله لا يتركنا ‘ بل هو دائما يبحث عنا ‘ ويظل يعمل بروحه القدوس حتى يعود الضال ويرجع الى أحضانه ‘ لأن طبيعته أنه لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا ‘ فهو دائما يبحث عن الضال ‘

وقصة الإبن الضال تعتبر درة أمثال الرب يسوع المسيح فى الكتاب المقدس‘ والذى يوضح فيه محبة الله للخطاة ‘ ومسار الخطية والتوبة ‘وفصل إنجيل الأحد الثالث من الصوم المقدس جاء ضمن الإصحاح الخامس عشر من إنجيل معلمنا لوقا البشير." كان السيد المسيح جالسا يعلم " وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه .فتذمر الفريسيون والكتبة لأنه يقبل خطاة ويأكل معهم‘ وقد أكد لهم "لأنى لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة الى التوبة."مت9: 11 ‘ ومع زكا رئيس العشارين قال" لأن ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويخلص ماقد هلك ."مت18: 11‘لأنه هو الذى لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا.
وفى هذا الإصحاح قدم لنا الرب ثلاثة أمثلة تبرهن على:

1- أبوته الحانية لعودة الضال( رآه أبوه فتحنن) 

2- شوقه الإلهى نحو الإنسان التائب .  

3- بحثه عن كل نفس.

   فقدم لنا فى هذا الإصحاح:
الراعى الصالح ..الذى جال البرية كلها من أجل الضال حتى يجده وإذا وجده يضعه على منكبيه- الصليب - فرحا ‘ وكما يقول الكتاب ويكون الفرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى التوبة.

الكنيسة المجاهدة على الأرض .. التى يفتش رعاتها باجتهاد عن الدرهم المفقود الذى يحمل صورة المسيح حتى تجده‘ ويكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب.

الأب الحنون.. الله الأب الذى يتحنن ويركض ويعانق ويقبل الخاطئ ويعيد له بنوته.

صورة عظيمة يقدمها الكتاب المقدس عن إهتمام الله بخلاص الخاطئ ..

الفادى يعين...الكنيسة تجاهد ..الآب يتصالح..

الخروف الضال المتعب يرجعه الراعى ..الدرهم المفقود تجده الكنيسة ..الابن الضال يرجع الى طريق الرب.

1- هذا الخروف الذى ضل فى آدم قام فى المسيح..ووضعه أولا على منكبية –عرضتى خشبة الصليب- ..ولسان حالنا يقول وضعت خطاياى على خشبة الصليب فغسلنى من خطاياى." لأنه كما فى آدم يموت الجميع هكذا فى المسيح سيحيا الجميع." 1كو15: 22.

2- الدرهم المفقود الذى يحمل صورة الملك المسيح ‘ تقوم الكنيسة التى هى عروس المسيح والحاملة ذات سماته الخاصة تجاه الخاطئين والساقطين والضالين ..تبحث عنهم فى كل مكان حتى تحضرهم وتترفق بهم وتبتهج برجوعهم الى حظيرة المسيح.

3- الابن الضال والذى فيه تحققت المصالحة السمائية وكمثال بتحقق الخلاص لكل خاطئ يتوب.. وفى هذا المثل تأملات عميقة ورسالة سمائية لنا جميعا:

" وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الأصغر كل شيئ وسافر الى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيش مسرفا."  والكورة البعيدة تتمثل فى حياتنا (الأنا) التى هى الأنانية وحب الذات ‘ أو التقوقع حول الذات بعيدا عن السيد المسيح ‘ رحيل بالقلب الى كورة بعيدة عن صاحب النعم ويتكل على ذاته ‘ولسان حاله يقول انا مكتفى ولست فى حاجة لشيئ‘ ومن يتكل على ذاته يفقد عمل الله ‘ ومن ينفصل عن المسيح يستوطن فى هذا العالم ‘ وينفصل عن أهل بيت الله‘ ونحن الذين قال عنا الكتاب" أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح." أف2: 13‘ فأخترنا بحريتنا أن نتغرب الى كورة بعيدة.

"وهناك بذر ماله بعيش مسرف" وماله هذا أصلا هو من الله أبينا‘ وهذا مثل لإنسان هذا الزمان وتعامله مع الله:

أ- أعطانا نعمة المحبة لله وللآخرين ..ونبذرها فى محبة العالم وشهوات العالم .

ب- وهبنا العقل والحكمة والتدبير الحسن ونبذرهما فى اللهو وتضييع الوقت فى غرور العالم ومدياته.

ج- أعطانا الله الصحة لنبذرها فى الملذات والمهلكات.

" فلما أنفق كل شيئ حدث جوع ..فابتدأ يحتاج." وهذا نتيجة طبيعية للبعيد عن مصدر الشبع ‘ فعندما تهرب النفس من الله مصدر كل إكتفاء ‘مصدر الشبع وكنز العطايا والخيرات ‘تجد نفسها فى حالة فراغ داخلى وجوع روحى‘ والعالم كله بإغراءاته وشهواته لا تملأ فراغ النفس التى تحمل صورة الله فهو وحده الذى يملئها.

0 كل من يبتعد عن كلمة الله يجد نفسه فى مجاعة. 0 الذى يبعد عن ينبوع الماء الحى يعطش الى الأبد. 0 البعيد عن كنوز الحكمة يصير جاهلا.  0 البعيد عن مصدر الحياة يفقدها ويموت فى خطاياه.

وبينما أولاد الله يسبحون مع المرتل " خير لى الإلتصاق بالرب" يذهب هذا الابن الضال ليلتصق بالشيطان الذى يرسله الى حقول الشر ليرعى خنازيربنجاستها‘وحتى هذا الدنس والنجاسة لم يشبع منها ‘ ووجد نفسه وقد تخلى الجميع عنه ولم يعطه أحد ‘ ولا أحد فى الدنيا يقدر على إشباعه.

" فرجع الى نفسه .." لأنه كان قد فقدها..والرجوع الى النفس هو أساس الإصلاح والصلاح‘ والرجوع للنفس هو إستيقاظ الضمير كقول الرسول " انها ساعة  لنستيقظ  من النوم فان خلاصنا الآن اقرب مما كان حين آمنا." رو13: 11‘ وهذه دعوة لكل من خرج من نفسه التى وهبها الله يعود اليها ويطلب الغفران والتوبة.  واذا كانت الخطية هى تحطيم للنفس بدخولها لكورة بعيدة عن الله فالتوبة هى عودة الإنسان ورجوعه الى طريق الخلاص للنفس.والآب السماوى وحده هو القادر على تجديد هذه النفس  وإشباعها داخليا وخارجيا. يعود الى كورة الآب السماوى ليمارس الحب كعطية إلهية ويوجد بالحق كعضو عامل فى بيت أبيه. يفتح قلبه لله ولملائكة السماء التى تفرح وتبتهج وتسر برجوعه.

كل توبة تسبقها عودة للنفس والإعتراف بخطيتها ثم نوال الحل والغفران كسر كنسى أسسه الرب يوم غسل أرجل تلاميذه وقال لهم " الذى اغتسل ليس له حاجة إلا لغسل رجليه بل هو طاهر كله." يو13: 10. 

" أقوم وأذهب الى أبى وأقول له ياأبى أخطأت الى السماء وقدامك ."  حقا فان كل خطية فى أساسها موجهه لله نفسه‘ لأنها تفقدنى نعمة المصالحة ومحاصرة محبته لنا‘ وفى الرجوع لى النفس رجوع الى الله واهبها‘ وبالتوبة يتحقق خلاص النفس والمتمثل فى :

1- غفران الخطايا " إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم ."1يو1: 9.    2- محو الخطية تماما وعدم ذكر الله لها. كقول الكتاب" إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ‘إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف." اش1: 18.    3- خلاص النفس فى يوم الرب وهو الوعد بالرجاء فى الحياة الأبدية لأن ابن الإنسان قد جاء يطلب ويخلص ما قد هلك.    4- المصالحة مع الله بربنا يسوع المسيح.كقول الكتاب " فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح." رو5: 1 الذى صالحنا بدمه الكريم ونقض السياج المتوسط أى العداوة  5- استعادة بنوتنا لله ورد الأعتبار والعودة الى الصورة التى تجددنا بها فى الميلاد الثانى كصورة الله ومثاله. والتى تمثلت بالحلة الأولى التى طلبها الأب ليلبسها إبنه الذى كان مفقودا فوجد والذى كان ميتا بالخطية فعاش ‘ رد الإعتبار وثوب النعمة والمحبة والحكمة والنقاوة "انتم الذين اعتمدتم قد لبستم المسيح"  فهذه الحله الأولى أو الثوب الأبيض قد دفع ثمنه يسوع المسيح وحدة على الصليب كقول الرسول" عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب بل بدم كريم كما هو من حمل بلا عيب ." 1بط1: 18.

اللهم نسألك أن تقبل توبة أولادك الراجعين لك واستجب لصلواتهم ..قلبا نقيا إخلق في يا الله..وروحا مستقيما جدده فى أحشائى.. لا تطرحنا من قدام وجهك ..وروحك القدوس لا تنزعه منى ..إمنحنى بهجة خلاصك." ولإلهنا المجد الدائم الى الأبد. أمين.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter