الأقباط متحدون - بشاعة الألم
أخر تحديث ٢١:٥٧ | السبت ٦ نوفمبر ٢٠١٠ | ٢٧ بابة ١٧٢٧ ش | العدد ٢١٩٨ السنة السادسة
إغلاق تصغير

بشاعة الألم



قصة: تريزة سمير

ستظل حزينة بعدما ضاعت فرحتها، وضاعت كل أحلامها.. ضاع الواقع الذي كان يزهو وتزهو أيامها، بعدما تزوجت من شخصية في غاية الرجولة والقوة والشجاعة.. شخصية أسطورية كما كانت الناس تحكي عنه. مات وهي في غاية الاحتياج إليه.. مات بعدما ذاق آلام قاسية. عانى بضع شهورمع المرض. كانت صدمة عمرها عندما تركها في الحياة؛ فضاعت ابتسامتها، ولم تستطع أن تعيد ما فقدته. ولكن كان لابد أن تنهض.. وتقوم.. وتنسي كل عجزها وضعفها، وقلة حيرتها.. تنهض لتساند أبنائها الذين تركهم أطفالاً صغارًا. أربعة أطفال يحتاجون إلي حنانها واهتمامها.

كانت عاجزة من داخلها. ولكن هناك قوة ما تحرِّكها نحو أبنائها.. قوة إلهية؛ فظلت تجاهد وتعمل وتقوي لكي تساندهم.. قامت بتعليمهم، وصرفت ما تملك من أجل ذلك. ومرت السنوات إلي أن زوَّجت ابنتها الأولي، وأدخلت فرحة إلي قلبها. ولكن بعد مرور سنوات، تلقَّت خبر وفاة ابنتها في حالة انجابها لحفيدتها التي كانت تنتظرها.. جائت الحفيدة وذهبت أمها.. رجعت إلي المعاناة السابقة بمعاناة أكبر وأشد ألمًا. جراح قلبها الممزَّق.. وكيانها المنهار..ا

انهارت بعدما ضاعت فرحتها. مرت الأيام المريرة بكل مرارتها وقسوتها وخشونتها.. ظلت تحاول أن تجمع شيئًا من القوة لتساند أبنائها مرة أخري لتكمل رسالتها.. تبتسم لهم وداخلها يتمزق.. تساندهم وهي تحتاج للمساندة!!

وبعد.. حدثت الكارثة..الصاعقة!! انهيار آخر، ولكنه مدمِّر ومحطِّم!! مرض ابنها الضغير آخر أبنائها الذي كان أهم حافز لها لكى تجمع قواها، وتسانده وتساند نفسها.. مرض وهو في ربيع العمر.. في العشرين من عمره.

إنه ليس بمرض عادي..إنه مرض الموت.. نفس مرض أبيه المميت.. ظل علي فراش الموت.. ظل يعاني الألم وتعاني هي الموت والانهيار.. كانت تموت في كل لحظة تراه متألمًا.. تمنَّت الموت لنفسها بدون أي بديل؛ حتي لا تري عذاب ابنها.. حتي لا تري مراحله الأخيرة..

وشاء القدر، واستيقظت لتراه، ولكن كانت رؤيتها الأخيرة له.. الرؤية الأخيرة له، والموت الأخير لها. ظلت أنفاسه الأخيرة في أذنيها تسمع أنّاته وأهاته من الألم والمرض، ولكنه انتهي..

رأته الرؤية الأخيرة.. معاناة.. يأس.. انهيار.. لا.. لا ..أكبر من ذلك، لا يوجد كلمات تعبِّر عما كانت تشعر به، لم تستطيع أقلام العالم أن تكتب عن آلامها..لا تستطيع الحروف أن تعبِّر عما كانت فيه من مرارة وحزن وألم..

إنه موت علي الأرض.. انهيار كيانها. كان هناك بركان من الدموع.. صوت من داخلها تنزعه بكل قوته لتخرج ما تستطيع إخراجه من الاحتراق.. قلبها يتمزق.. ويختنق صوتها من الحسرة..

دخلت في غيبوبة أيامًا وشهورًا كثيرة، ولم تشعر بأي شي في الحياة. ولكنها استيقظت في يوم علي صوت حفيدتها عندما نادتها بالاستيقاظ.. هناك شي تعيش من أجله.. تقوم من أجله.. تحاول من أجله.. تعود من أجله.. عادت إلي الحياة مرة أخري بعدما تركتها. عادت لتبحث عن باقي أبنائها، وعن حفيدتها. عادت لتعيش من أجلهم.. رغم انهيارها .. وتمزقها.. رجعت تضحي مرة ثانية وثالثة.. ولكن كان المرض أقوي من إرادتها.

رجعت للألم مرة أخرى.. للألم الذى لم يفارقها لحظة. ظلت علي فراش المرض، وكأن نفس فراش زوجها وابنها.. نفس الألم.. نفس المكان.. ذاقت آلامهم جميعًا .. إلي أن وصلت مرحلتها الأخيرة.. إلي نهايتها ونهاية أحزانها.. ونهاية لكل الألم.. أو بداية للراحة التي لم تجدها مطلقًا..
ثم ماتت..


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter