دار حوار بين اليهود والمسيح حول الصوم، «وكان تلاميذ يوحنا والفريسيون يصومون، فجاءوا وقالوا له: لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيون وأما تلاميذك فلا يصومون؟ فقال لهم يسوع: هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم؟ ما دام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا، ولكن ستأتى أيام حين يُرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون فى تلك الأيام. ليس أحد يخيط رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق وإلا فالملء الجديد يأخذ من العتيق فيصير الخرق أردأ، وليس أحد يجعل خمراً جديدة فى زقاق عتيقة لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف. بل يجعلون خمراً جديدة فى زقاق جديدة».
لنجد أنفسنا أمام مفهوم جديد للصوم، ليس كما كان يراه العهد القديم حزناً كنتيجة لغياب الله عن الإنسان، وفى هذا يقول الأب متّى المسكين: «أما نحن فى العهد الجديد فقد صرنا متحدين بيسوع المسيح ابن الله، وقد صارت لنا شركة مع الآب والابن كتحقيق القديس يوحنا فى رسالته الأولى، فكيف نحزن ونحن نُعيّد كل يوم لعيد الأبدية؟
ويعتبر المسيح مبدأ الصوم تعبيراً عن الحزن لا يتناسب أن يندس فى تعاليم العهد الجديد القائم على الفرح والأخبار السارة، أى الإنجيل، لأنه لا يمكن الجمع بين القديم والجديد فى وحدة واحدة، وينسحب هذا المثل على كل وصايا وتعاليم الناموس القديم فيما لا يخص المسيّا بالذات، فقد كانت كوعاء يدَّخر فى داخله الكنز (المسيا)، فلما جاء الزمن واستُعلن الكنز لم يعد للصندوق أو الوعاء أو اللفافة التى كان الكنز مُخفَى فيها قيمتها الأولى؛ بل واستخدامها يتلف الكنز نفسه، بمعنى أنها ستخفيه، فلا بد من التخلص من الأغلفة التى كانت تحوى سر المسيا من تطهيرات وأصوام وذبائح وعادات.
فالكنز المسيا مكانه الجديد هو القلب وليس خارجه بأى حال من الأحوال فالإنسان الصالح من الكنز الصالح فى القلب يخرج الصالحات (متّى 12)، كذلك لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً (متّى 6)، وهذا هو الكنز الوحيد والفريد الذى بعنا كل شىء واشتريناه، ولكى لا يسرقه اللصوص خبأناه فى قلوبنا».
والصوم المسيحى جزء لا يتجزأ من فرح الملكوت، ولهذا كان تشديد المسيح على ألا يتحول إلى مظاهر خارجية، أو يقترن بالحزن والعبوس أو أن يكون محل تظاهر أمام الناس: «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكى لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذى فى الخفاء. فأبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية».
وفى هذا يقول قداسة البابا شنودة الثالث: «الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد بعيداً عن الروح، فكل عمل لا يشترك فيه الروح لا يُعتبر فضيلة على الإطلاق. الصوم الحقيقى هو عمل روحى داخل القلب أولاً، وعمل الجسد فى الصوم هو تمهيد لعمل الروح، أو هو تعبير عن مشاعر الروح. إن قصَرنا تعريفنا للصوم على أنه إذلال للجسد بالجوع والامتناع عما يشتهيه نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته، ليس الصوم تعذيباً للجسد، أو استشهاداً للجسد، أو صليباً له، كما يظن البعض، إنما الصوم هو تسامى الجسد ليصل إلى المستوى الذى يتعاون فيه مع الروح. نحن فى الصوم لا نقصد أن نعذب الجسد، إنما نقصد ألا نسلك حسب الجسد، فيكون الصائم إنساناً روحياً وليس إنساناً جسدانياً».
يبقى أن نتعرف على الصوم الكبير عند الأقباط فى مقال تال.
نقلا عن الوطن