إن عاد طفلكم من المدرسة إلى المنزل يومًا وهو منزعج أو حزين أو رأيتموه يبكي وحيدًا في غرفته، أو إن شعرتم أنّه يُصبح مع الوقت خجولاً وانطوائيًّا ويتهرّب من الإختلاط مع أولاد سنّه، أو إن بدأ يكره المدرسة ويحاول التهرّب منها، فقد يكون قد أصبح ضحيّة جديدة للبلطجة.
فبلطجة الأطفال التي أصبحت منتشرة بكشلٍ واسعٍ في العالم العربي تحوّلت إلى خطرٍ يهدّد أطفالكم في مدارسهم كما في كلّ أماكن تواجدهم.
فما هي هذه الظّاهرة؟ وما هي الأسباب التي تدفع الطّفل إلى بلطجة آخر؟ وكيف يُمكن معالجتها في المدرسة؟ وهل يُمكن التخلّص منها بشكلٍ نهائي.
الباحث التّربوي المصري د. كمال مغيث تحدّث لـ mbc.net عن هذه الظّاهرة في مقابلة خاصّة مجيبًا على كلّ هذه الأسئلة. تابعونا.
- في البداية، كيف يُمكن أن نحدّد بلطجة الأطفال؟
بلطجة الأطفال هي الأفعال ذات طبيعة عدوانيّة الموجّهة من الأطفال إلى أطفال آخرين. تأخذ البلطجة أشكالًا متعدّدة، فمنها ما هو مادّي وفعلي وسلوكي كالخلاف والضّرب ومنها ما يكون لفظيًّا كالشّتم والسّباب والمُعايرة ومنها ما يكون رمزيًّا والذي يتمّ بالإشارة من خلال إشارات الأصابع والأذرع والوجه. كلّ هذه هي الأدوات التي يستخدمها الأطفال الذين يبلطجون آخرين.
- هل يرتبط تعرّض الأطفال للبلطجة بالمدرسة فقط أم قد يتعرّض لها في أيّ مكان يقصده؟
كلاّ، ليست مرتبطة بمكانٍ واحد في حقيقة الأمر. يرى المثّقف وعالم الإجتماع السّوري الكبير مصطفى حجازي في كتابه "التخلّف الإجتماعي وسيكولوجيّة الإنسان المقهور" أنّ حالة القهر أو في موضوعنا هنا حالة البلطجة يُمكن أن تكون حالة معمّمة ابتداءً من الحكّام الذين لا يحكُمهم قانون لغاية الأطفال في الشّارع مرورًا بالمؤسّسات الإجتماعيّة كلّها.
فقد نجد البلطجة في الشّوارع كما في البرلمان أو في أيّ مؤسّسة حكوميّة كما في أيّ مكانٍ لا يحكمه القانون ومعايير قانونيّة بحدّة.
- ما هي الدّوافع التي تقود طفلاً ما إلى ممارسة البلطجة تجاه طفلٍ آخر؟ وهل هي نفسيّة فقط؟
كلّ العوامل مُتاحة، ومن الصّعب أن نقول أنّ السّبب عاملٌ واحد. فالظّواهر الإنسانيّة لا يفسّرها عاملٌ واحد على الإطلاق بل تتميّز بأنّها مركّبة: قد يكون للبلطجة أسبابًا خاصّة أو ذاتيّة كأن يكون الطّفل عدوانيًّا بطبعه أو يميل إلى حبّ الظّهور ولفت الأنظار، وقد تحدث البلطجة بسبب ظروفٍ إجتماعيّة فالطّفل الفقير سيحقد على زميله الذي يحمل هاتفًا محمولاً باهظ الثّمن أو يرتدي ملابس مرتّبة "سيبلطجه" أو لأسبابٍ عنصريّة كأن يبلطج أطفال المدينة الطّفل الوحيد الآتي من القرية كما قد تكون لأسبابٍ طائفيّة كأن تتوجّه من مُسلمين إلى مسيحييّن أو من مسلمين سنّة إلى مسلمين شيعة.
وهذا ما يعني أنّ دوافع البلطجة في الحقيقة متعدّدة، وأهدافها أيضًا متعدّدة فقد يكون الهدف منها مجرّد التّحقير والإذلال كما قد يكون الحصول على مكاسب ماديّة من الطّفل كالمال أو الهاتف الخليوي أو أي غرض ثمين أو بهدف الإبتزاز والإعتداء الجنسي.
- هل يُمكن اعتبار شخصيّة الطّفل الذي يمارس البلطجة غير سويّة بشكلٍ عام؟
"مش شرط". دعنا نقول أن هناك مستويين من البلطجة: الأوّل عادي ويحتاج إلى تدخّلٍ بسيطٍ لمواجهته من خلال إجراءات تربويّة بسيطة، فهو لا يكون عنيفًا عادةً.
أمّا الثّاني فتصل فيه البلطجة إلى حدود تعمّد إيقاع الضّرر بالآخرين وإيذائهم أو الإبتزاز (كالإبتزاز الجنسي مثلاً) أو السّرقة، وهنا تكون فعلًا عنيفًا يحتاج إلى تدخّلٍ قد يُصبح قانونيًّا في بعض الحالات.
- إذا لاحظ أحد المدرّسين في مدرسة أنّ أحد الأطفال في الصفّ يتعرّض لبلطجة من زملائه، كيف يجب أن يتصرّف؟ وهل يجب أن يدافع فقط عن الطّفل الذي تُمارس البلطجة ضدّه أم عليه تفهّم أسباب الأطفال "المُبلطجين"؟
الحقيقة هي أنّ نظامنا التّعليمي نظامٌ نظريّ جاف لا يهتمّ بالإنسان جدًّا كونه هيروقراطيّ. والنّظم التّعليميّة الحديثة تعتمد في الأصل تعهّد الطّفل منذ وجوده في دور الحضانة ووضعه تحت المراقبة النفسيّة والتربويّة لمدّة سنة كاملة.
وهذه الفترة هي الأهمّ والتي تعطينا معلومات كثيرة عن شخصيّة الطّفل، فالأهمّ ليس أن نعرف ما يُجيده في الرياضيّات واللّغات بل إلى أي حدٍّ هو عدواني مثلاً أو إلى أيّ حدٍّ يستطيعُ أن يلعب ضمن فريق، إلى أيّ حدٍّ يعبّر عن نفسه، إلى أيّ حدٍّ هو انطوائي، هل شخصيّتة قياديّة، وهل يملك ميولاً للتوحّد. وإنّ التدخّل في مثل هذه الفترة يُجنّبُنا الكثير من المشاكل.
إذا كانت البلطجة في الحدود المفهومة، يُطلب من المعلّم تدخّلٌ بسيط كإدخال المجموعتين اللّتين تتقاذفان البلطجة ضمن فريقٍ واحد في لعبة تنافسيّة وذلك لتحويل فعل البلطجة الذي هو فعل سلوكي عنيف إلى فعل تنافس شريف كالمنافسة الرياضيّة مثلاً.
أمّا عندما ننتقل إلى مستوى أعلى من البلطجة، فمحاربتها تحتاج تدخّلًا من المرشد النّفسي والتّربوي وتدخّل الأسرة أحيانًا، وقد نلجأ بعدها إلى القوانين واللّوائح الإداريّة التي تمنع فعل البلطجة وتُعاقب عليه.
- هل يُمكن للطّفل الذي يُمارس البلطجة أن يتخلّص من تلك العادة كليًّا؟
طبعًا، ما لم يكن ممارستها بفعل عوامل معقّدة وذات طبيعة بشريّة. فمحاربة البلطجة تحتاج أحيانًا تدخّلًا نفسيًّا كأن يخضع الشّخص إلى جلساتٍ نفسيّة لتخليص الطّفل من هذا السّلوك العنيف، وقد يكون العلاج مجرّد تحويل مبرّرات البلطجة إلى أماكن أخرى.