الأقباط متحدون - حكاية كاترين المصرية وديرها
أخر تحديث ٠١:٥٣ | الجمعة ١ ابريل ٢٠١٦ | ٢٣برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٨٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

حكاية كاترين المصرية وديرها

بقلم: ليديا يؤانس
إختلفت الروايات حول جميلة الجميلات،   إبنة كوستاس التي ولدت بالأسكندرية في عام 194م  وكانت تسمي "زوروسياوكانت".

البعض يقول أن أبوها كان حاكم الأسكندرية،  والبعض يقول أن أبواها كانا مؤمنين مسيحيين،  والبعض يقول أنهم كانوا وثنيين!

ولكن  أشارت بعض المراجع،  وكما روي الباحث المصري عبد الرحيم ريحان،  فإن كاترين كانت فتاة مثقفة وجميلة ومصرية،    من عائلة أرستقراطية وثنية تعيش بالأسكندرية.  

في أيام حكم الأمبراطور الروماني مكسيمانوس،  وكانت ذلك تقريباً في بدايات العصر المسيحي،   بدأت كاترين تنجذب نحو هذا الإيمان الجديد،  حاول أبوها والمُحيطين بها إبعادها عن هذا الطريق،  بإغراءات مُتعددة ومنها محاولة تزويجها،  ولكنها إختارت أن تتحول إلي المسيحية.

الحاكم الوثني لم يروق له تصرفات هذه الفتاة الجميلة،   أراد إستردادها من المسيحية،   أصدر أوامره إلي 50 حكيماً من حُكماء عصره،  لكي يُجادلوها ويُناقشوها،   في سبيل دحض مُعتقداتها عن المسيحية،   للأسف باءت مُحاولاتهم بالفشل،   وجاءت بنتائج عكسية،  لدرجة أن عدداً من هؤلاء الحكماء،   وبعضاً من أقرباء الأمبراطور من رجال البلاط الملكي،   حذوا حذوها وآمنوا بالمسيحية.

إعتبر مكسيمانوس أو "مكسيمينوس"  ذلك هزيمة له،   أمام فتاة لا ترضخ للمُعتقدات الوثنية التي يدين بها كل المجتمع،  وأيضاً خوفاُ من تأثيرها علي المجتمع في نشر المسيحية،  فأمر بتعذيبها عذابات شديدة ولكنها لم ترجع لعبادة الأوثان،   أمر أن يضعوها في عجلات يبرز منها مسامير ورؤوس سكاكين مُدببة،  ولكنها تمسكت بإيمانها ولم ترجع لعبادة الأوثان،   مما دفع أحد الجنود لقطع رأسها.

بعد إستشهاد كاترين لم يجدوا جسدها،   وأسدل الستار علي قصتها لمدة خمسة قرون!

في منطقة مقدسة بالقرب من جبل موسى في جنوب سيناء،  حيث أعلي الجبال في مصر،  يوجد دير معتزل،   ورئيس الدير هو أسقف سيناء.

هذا الدير يعتبر أقدم دير في العالم،   ولا يخضع لسلطة أي بطريرك أو مجمع مقدس،   وإن كان تربطه علاقات وطيده مع بطريرك القدس،   ولذا يذكر اسم بطريرك القدس في القداسات.

هذا الدير الأثري بالرغم من وجوده علي أرض مصر،  إلا أن الوصاية علي الدير كانت لفترات طويلة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية،   أما رهبان وكهنة الدير من اليونان وليسوا مصريين أو عرب.

بعد خمسة قرون وعلي حسب روايات رهبان الدير،  ظهر جسد القديسة كاترين لأحدهم بالحلم،   يُبين أن الملائكة قد حملوا بقايا جسمانها  ووضعوه فوق قمة جبل قرب الدير.

صعد الرهبان لقمة الجبل وبالفعل وجدوا بقايا الجسمان عند صخرة بهذا الجبل،   هذا الجبل الذي يعرف الآن بإسم جبل سانت كاترين  والذي يرتفع 2642 متراً فوق سطح البحر،   ويعتبر أعلي من جبل موسى ب400 متر.

يعتقد الرهبان بأن الملائكة حملوا الجسد من الأسكندرية إلي صخرة هذا الجبل،   ثم قام الرهبان بنقل رفات القديسة من فوق الجبل ووضعوه في صندوق  بجانب الهيكل في الكنيسة الرئيسية بالدير،    ولكن في عام 1231م وضعوا الرفات   في تابوت من المرمر،    ويوجد الآن بمذبح الكنيسة الرئيسية "كنيسة التجلي"،   أما كف القديسة فقد وضعوه في صندوق من الفضة الخالصة أهداه قياصرة روسيا للدير عام 1688م.

  ومازال الطيب المُنساب من رفات القديسة بشكل دائم  يُعتبر أعجوبة يشهد بها جميع من يزور الدير،  يحتفلون بعيد ميلادها في الخامس من نوفمبر،  وبعيد إستشهادها في 29 هاتور.

ومن الطريف أن يوم 29  هاتور يتم فيه الإحتفال بثلاثة أعياد تخص السيد المسيح (عيد البشارة وعيد الميلاد وعيد القيامة).

وأيضاً يتم فيه الإحتفال بإستشهاد ثلاث قديسين (القديسة كاترين والقديس أكلامندوس الروماني  والقديس بطرس خاتم الشهداء).     

أشار الباحث "ريحان"  إلي أن شهرة القديسة كاترين إنتشرت في جميع أنحاء أوربا،   وخصوصاً  بعد أن حمل سمعان المُترجم الذي يتحدث خمس لغات،   رفات القديسة إلي الرون وترينس بفرنسا،   وكتب في القرن العاشر الميلادي في العصر الفاطمي كتابه عن القديسة كاترين،  بعنوان "إستشهاد القديسة كاترينا المُتنصره شهيدة المسيح المعظمة". 

ومنذ ذلك الوقت،  أطلق علي الدير إسم سانت كاترين،   والذي كان يطلق عليه دير طور سيناء،  وتدفقت المعونات علي الدير من كل حدب وصوب،  وإنتشر تكريم القديسة،  ورسمت صورها وألآت تعذيبها في الشرق والغرب،  ويوجد بالدير صور تمثل بعض أطوار حياتها واستشهادها.

يُعد الدير مزاراً سياحياً هاماً يأتي له الحجاج من كل دول العالم،  نظراً لشهرته،  ولأنه  أقدم دير في العالم،   ولقيمته الأثرية.

فيرجع تاريخ بناء الدير إلي مطلع القرن الرابع أي قبل إعتراف الإمبراطور قسطنطين رسمياً بالدين المسيحي واعتناقه المسيحية.

وتم بناؤه علي أوامر الإمبراطورة هيلين (هيلانة) أم الإمبراطور قسطنطين،   ولكن الذي قام بالبناء هو الإمبراطور جستنيان حوالي  545م  ليحوي رفات القديسة كاترين.

يحتوي الدير علي كنيسة تاريخية بها هدايا قديمة وقييمة من ملوك وأمراء،   وأيضاً برج أثري للأجراس،  كما توجد (معضمة) تحوي رفات جميع الرهبان الذين عاشوا بالدير.

يوجد بالدير بئر يقولون عنه أنه بئر موسى،   كما توجد شجرة يُقال أنها العليقة التي إشتعلت بالنيران حينما تكلم الرب مع موسى،   وقد حاولوا إستزراعها ولكن محاولاتهم باءت بالفشل،  ولكن البعض يقول أن بعض الفروع الصغيرة منها تنمو داخل الجدران بالقرب من جبل سيناء

يحتوي الدير علي مكتبة للمخطوطات،  يقال أنها ثاني أكبر مكتبات المخطوطات بعد الفاتيكان.

الدير يمثل قطعة فنية تاريخية رائعة،  فتجد الفسيفساء العربية،   واللوحات الجدارية الزيتية والنقش علي الشمع وغيره،  كما تجد أيضاً الأيقونات الروسية واليونانية.

إذا قررت زيارة دير سانت كاترين،  ضع في إعتبارك أنه مسموح بالزيارة من الصباح الباكر وحتي بعد الظهر فقط،  حيث أنه يتم غلق الأبواب ليتفرغ الرهبان لصلواتهم وعبادتهم وتوحدهم.

عليك أيضاً إرتداء ملابس مُحتشمة،  أوتأخذ ثوباً فضفاضاً عند بوابة الدير ترتديه فوق ملابسك لحين إنتهاء الزيارة.

لاحظ أيضاً أن المدخل الوحيد للدير هو باب صغير بإرتفاع 30 قدم وقد صمم كذلك لحماية الديرمن الغرباء.

بالرغم من عظمة وروعة وروحانية الدير،  إلا أن هناك بعض الأحداث التي حدثت علي مدي تاريخ الدير قد يُثمنها البعض وقد يعترض عليها البعض ولكن في النهاية هي جزء لا يتجزأ من تاريخ الدير:

أعلنت روسيا رعايتها للدير في عام 1689    والسبب أن كاترينا تعتبر إحدي القديسات الأكثر عبادة في روسيا.

كان أعلي وسام يُمنح للنساء الروسيات هو وسام القديسة كاترينا،   وذلك قبل عام 1917  وتخليدا لهذا الحدث،   تم تصنيع تابوت خاص لبقايا القديسة كاترين،   يحتفظ به للآن في مذبح الكنيسة الأرثوذكسية بدير سيناء.

قبل منتصف القرن ال19  كان الدير يمتلك تحفة نادرة جداً،   وهي مخطوطة العهدين القديم والجديد باللغة الأغريقية القديمة،   والتي يعود تاريخهما إلي القرن الرابع الميلادي،   سلم رهبان الدير المخطوطة إلي روسيا لدراستها وإعادتها للدير،   ولكن لم تعود المخطوطة!

تداولت المباحثات بين روسيا وراعي الدير في هذا الشأن،   فأسفرت عن توقيع إتفاقية إهداء المخطوطة لروسيا،   وأطلق عليها ميثاق سيناء لروسيا.

قام الإمبراطور الروسي الكسندرالثاني عام 1869م  بإصدار مرسوم،   يقضي بمنح الدير 9 ألآف روبل روسي،  أنفقوها في إنشاء برج أجراس في الدير،   لكن أيضاً روسيا لم تعد تمتلك هذه المخطوطة،    لأن الحكومة السوفيتية باعت المخطوطة عام 1933 للمتحف البريطاني مقابل 100 ألف جنية أسترليني.

من الجدير بالذكر أنه يوجد بداخل الدير مسجد صغير،   قام ببناؤه أحد حكام مصر في العصر الفاطمي،   وحجته في ذلك لكي يحمي  الدير من الهجمات التي كان يتعرض لها الدير من وقت لآخر!

ولكن هناك بعض المستشرقين يفسرون ذلك علي أنه شكل من أشكال فرض السيطرة الإسلامية في ذلك الوقت وهذا حقيقي.

أيضاً قام نابليون بونابرت أثناء الحملة الفرنسية علي مصر بتقوية سور الدير وتعليته الذي يبلغ ارتفاعه من 40 إلي 200 قدم وذلك لحماية الدير من الهجمات التي يتعرض لها.

عموماً دير سانت كاترين يُعتبر قيمة تاريخية وثقافية ودينيه،  فهو أعرق وأقدم دير علي مستوي العالم،  حيث الجبال العالية المًقدسة،  وبالرغم من وجوده علي أرض مصر إلا أنه ليس لمصر وصاية عليه،  ولكن نحن كمصريين أولي من كل الزائرين بزيارته وأخذ بركة القديسة كاترين والإستمتاع بعبق الروح وقُدسية المكان.  


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter