بقلم : فاروق عطيه
7- بين مطرقة وسندال الفاشيتين العسكرية والدينية:
منذ انقلاب 23 يوليو حتي يومنا هذا، تاريخ طويل يحكم العلاقة بين الفاشيتين: العسكرية، والدينية المتمثلة في جماعة الإخوان الإرهابية. لأكثر من 65 عاماً تتأرجح علاقتهما ما بين الموالاة والانقلاب، وبين المشاركة والعراك، ثم محاولة الإخوان الاستئثار بالحكم، لتنتهي بسيطرة الفاشية العسكرية ومهادنة الفاشية الدينية واستبدال الإخوان بالسلفيين.
في بداية حركة 23 يوليو ساندت جماعة الأخوان المسلمين الحركة بالتعاون. كانت الجماعة هي الهيئة المدنية الوحيدة التي تعلم بميعاد الانقلاب وكان تنظيم الضباط الأحرار يضم عددا كبيرا من الضباط المنتمين للإخوان، كانت الخلية الرئيسية لجماعة الأخوان المسلمين داخل القوات المسلحة تشمل: اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف، اليوزباشي جمال عبد الناصر حسبن، ملازم أول كمال الدين حسين، ملازم أول سعد حسن توفيق، ملازم أول خالد محي الدين، ملازم أول حسن حمودة، ملازم أول صلاح الدين خليفة. وظلت هذه الخلية تعمل سراً طيلة أربع سنوات وأربعة أشهر بدءاً من عام 1944 حتي 15 مايوعام 1948 لضم أكبر عدد ممكن من الضباط إلي صفوف هذا التنظيم السري. ولكن بعد نجاح التنظيم بالانقلاب سرعان ما تحول التأييد إلى معارك وصراعات بين الجماعة والضباط الأحرار انتهى بأعضاء التنظيم إلى السجون والمعتقلات.
يقول اللواء جمال حماد في كتابه: "أسرار ثورة 23 يوليو": لم يكن هناك للحقيقة والتاريخ أي حزب أو جماعة سياسية في مصر لديه الإمكانيات للتصدي للقوات البريطانية إلى جانب الجيش سوى جماعة الإخوان المسلمين؛ فقد كانت وقتئذ قوة شعبية منظمة ومتماسكة، ولديها جماعات عديدة من المتطوعين المدربين المزودين بالسلاح، والذين سبق أن أثبتوا شجاعتهم خلال حرب 1948م، وأثناء معركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز في منطقة قناة السويس بعد إلغاء معاهدة 1936م.
عندما أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل جميع الأحزاب السياسية في البلاد، استُثنى جماعة الإخوان، حيث قدم مرشد الإخوان حسن الهضيبي لوزير الداخلية سليمان حافظ شخصيا،ً إخطارا تضمن أن الإخوان جمعية دينية دعوية، وأن أعضاءها وتكويناتها وأنصارها لا يعملون في المجال السياسي، ولا يسعون لتحقيق أهدافهم عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات،, برغم أنه كان لهم وقتها أنشطة سياسية أوسع بكثير من أنشطة الأحزاب الأخرى.
وحتي يتم التلاحم بين الفاشيتين وتزداد أواصر المحبة بينهما أصدر مجلس قيادة الثورة في أكتوبر 1952 عفوًا خاصًا عن قتلة المستشار أحمد الخاذندار، وبقية المحبوسين في قضية مقتل النقراشي باشا، ومن المحكوم عليهم من الإخوان في قضية المدرسة الخديوية، وبعدها أصدر المجلس قرارا خاصًا بالعفو الشامل عن كل الجرائم السياسية التي وقعت قبل عام 1952، وقد بلغ عدد المفرج عنهم 934 سجينًا، معظمهم من الجماعة. كما حرصت حكومة الثورة على فتح ملف اغتيال حسن البنا مؤسس الإخوان ومحاكمة المسئولين عن ذلك وإصدار أحكام ضد أربعة من ضباط الأمن في عهد الملك فاروق.
ولأن لكل من الفاشينين أجندته الخاصة للاستيلاء علي الجكم كان لايد من المواجهة بيتهما. كانت نقطة التحول، وبداية انقلاب الإخوان على الثورة وحكومتها جملة قالها عبد الناصر"لقد قلت للمرشد سابقا إننا لن نقبل الوصاية وأكررها اليوم مرة أخرى في عزم وإصرار". انتهي شهر العسل بين الفاشيتين سريعا، ففي يناير 1953، وبعد صدور قرارً بحل الأحزاب، ذهب عدد من قادة الإخوان لـ”عبدالناصر يطلبون الاشتراك في الوزارة وكان رد عبد الناصر قاطعا: "إننا لسنا في محنة وإذا كنتم تعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنتم مخطئون". كما طالبوا بأن تعرض عليهم القوانين قبل صدورها للموافقة عليها، قائلين: وهذا هو سبيلنا لتأييدكم أن أردتم التأييد ، فكان رد جمال برفض الوصاية، وبعدها دأب المرشد على إصدار تصريحات صحفية يهاجمً فيها الثورة وحكومتها في الصحافة الخارجية والداخلية، كما كانت تصدر الأوامر شفهيا إلى هيئات الإخوان بأن يظهروا دائما في المناسبات التي يعقدها رجال الثورة بمظهر الخصْم المتحدى.
وبالفعل أصدر مجلس قيادة الثورة في يناير 1954 قرارًا باعتبار جماعة الإخوان المسلمين حزبًا سياسيًا يُطبق عليها أمر المجلس الخاص بحل الأحزاب السياسية. وفي 28 فبراير 1954، حاصر قرابة المليون متظاهر من الجماعة قصر عابدين في القاهرة، حيث كان يتواجد الرئيس جمال عبدالناصر وعدد من القادة العسكريين، وخرج الإخوان إلى الشوارع محاولين فرض الوصاية على الضباط الأحرار تحت عناوين مختلفة، مستخدمين ورقة وجود عناصر في التنظيم مع الضباط الأحرار أيا كانت درجتهم، لنيل مكاسب في الحكم. لم يكن هذا الحادث الوحيد في تلك السنة التي شهدت تحولًا كبيرًا بين الإخوان والنظام، ففي أكتوبر 1954 كان عبد الناصر يخطب بميدان المنشية بالاسكمدرية في احتفال شعبي كبير بمناسبة التوقيع على اتفاقية الجلاء، حاول السباك محمود عبداللطيف عضو الجهاز السرى للإخوان اغتياله بإطلاق ثمان رصاصات عليه أخطأت جميعها الهدف، وأصاب معظمها الوزير السودانى ميرغنى حمزة وسكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية أحمد بدر الذى كان يقف إلى جانب «ناصر»، وعلى الفور هجم ضابط يرتدى زيا مدنياً كان يبعد عن المتهم بحوالى أربعة أمتار، وألقى القبض عليه وبحوزته مسدسه، وبدأت بهذه الحادثة مرحلة جديدة وحاسمة من المواجهة بين الثورة وتنظيم الإخوان المسلمين.
وفي أول نوفمبر 1954، أصدر مجلس قيادة الثورة أمرًا بتأليف محكمة خاصة سُميت “محكمة الشعب” برئاسة جمال سالم، وعضوية أنور السادات وحسين الشافعي، عقدت جلساتها بمبنى قيادة الثورة بالجزيرة، ثم ألّفت ثلاث دوائر فرعية لنظر قضايا بقية الإخوان، المشتركين في حوادث الاغتيال والإرهاب، عدد الذين حكمت عليهم محاكم الشعب 867 متهما، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254 متهما، ووصل عدد المعتقلين إلى مداه يوم 24 أكتوبر 1955، بعد كشف مخابئ الجهاز السري والمخابئ السرية للأسلحة والقنابل التابعة للإخوان، فوصل إلى 2943 معتقلًا، وتناقص هذا العدد في عام 1956 إلى 571 معتقلًا، أُفرج عنهم قبل يوم 23 يوليو 1956. صدر الحكم علي محمود عبد اللطيف والمرشد العام بالإعدام وتم تخفيف الحكم على الأخير إلى السجن مع وقف التنفيذ، ظهر الهضيبى خلال رسالة خطية بعث بها من مخبئه إلى جمال عبدالناصر حاول فيها التبرؤ من الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة..
كان عام 1965 بمثابة ذروة الصدام بين الفاشيتين بعدما تم الكشف عن أبعاد مؤامرة إخوانية كبرى ضد نظام الرئيس عبدالناصر، حيث وضع التنظيم خططاً لنسف عدد من الكبارى والمصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومبنى التلفزيون وبعض مراكز البوليس ومنازل كبار ضباط الأمن والمباحث وعدد من دور السينما والمسارح والمتاحف بقصد إحداث شلل عام فى جميع المرافق، وإحداث ذعر بين الناس، ليتقدم التنظيم بعد ذلك إلى الحكم بغير معارضة، وتم ضبط الخرائط التي أعدت لهذه المواقع كلها، وأعدم سيد قطب مفكر الجماعة في عام 1966 ومعه خمسة من قيادات الإخوان وذاق الاخوان خلال تلك الفترة أنواع من التنكيل والتعذيب داخل السجون مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 350 إخواني جراء ذلك.
بعد أن خلف السادات جمال عبدالناصر في حكم مصر، وعد بتبني سياسة مصالحة مع القوى السياسية المصرية فتم إغلاق السجون والمعتقلات التي أُنشئت في عهد عبد الناصر واجراء إصلاحات سياسية مما بعث بالطمأنينة في نفوس الاخوان وغيرهم من القوى السياسية المصرية، وتعززت هذه الطمانينة بعد حرب أكتوبر 1973 حيث أعطي لهم السادات مساحة واسعة من الحرية لم تستمر طويلا لاسيما بعد تبنيه سياسة الانفتاح الاقتصادي وبعد إبرامه معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1977، شهدت مصر في تلك الفترة حركات معارضة شديدة لسياسات السادات حتى تم اعتقال عدد كبير من الإخوان والقوى السياسية الآخرى فيما سمي بإجراءات التحفظ في سبتمبر. وانتهت المواجهة بقتله يوم المنصة إبان احتفاله بانتصار أكتوبر، في 6 أكتوبر1981.
بعداغتيال السادات خلفه في حكم مصر حسني مبارك الذي اتبع سياسة المصالحة والمهادنة مع جميع القوي السياسية ومنهم الجماعة المحظورة. كنوع من المهادنة سُمح للمحظورة بدخول الانتخابات البرلمانية كمستقلبن عام 2000م وحصلوا علي 18 مقعدا، وفي انتخابات 2005م حصلوا علي 88 مقغدا، كما سمح لهم كأحد صور المشاركة السياسية اللاحزبية لنيل عضوية مجالس النقابات المهنية في مصر رافعين شعار (الإسلام هو الحل) اكتسحوا نقابات المحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة والعلميين، إلا أن الدولة جمدت معظم أنشطة هذه النقابات ووضعتها تحت الحراسة، أو منعت فيها الانتخابات مما أدى إلى استمرار مجالسها النقابية بلا تغيير. وفي 5 فبرير 1972 تم مداهمة شركة سلسبيل للكمبيوتر التي أسسها كل من خيرت الشاطر وحسن مالك عام 1986 واسنولوا علي ما بها من أجهزة وأقراص مدمجة، ونسبت إليها أجهزة الأمن محاولة إعادة خطة الجماعة المحظورة للتمكين، واعتقل علي إثرها مجموعة كبيرة من الإخوان من شتي المحافظات. وقد ظهر دورها في تحول ملف الأخوان من سياسي إلي أمني عام 1995 بتمويل الثورة الإسلامية بستين مليار دولار، وهذا ما كشفته وثيقة أمريكية.
في ديسمبر عام 2010 رصدت أجهزة الأمن لقاء بين مرسي العياط والرجل الثاني في أحد أجهزة الاستخبارات الأمريكية تم بجسر السويس، مما أدي للقبص عليه ودخوله السجن يوم 27 يتاير 2011. وفي 20 يناير 2011 رصدت أجهوة الأمن لقاء جمع بين أحمد عبد العاطي مسئول جماعة الإخوان في الخارج، وصلاح عبدالمقصود وسعد الكتاتني، بالرجل الأول في أحد أجهزة الاستخبارات الأمريكية ورئيس العميل الذي تقابل مع مرسي في "جسر السويس"، ودار بينهم نقاش حول إمكانيات الجماعة وقدرتها على تكرار النموذج التونسي في مصر.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع