ماذا حدث للمصريين؟ سؤال سأله الكاتب الكبير جلال أمين منذ عدة سنوات فى سلسلة مقالات مهمة نُشرت بعد ذلك فى كتاب أثار الكثير من النقاش والجدل. نفس السؤال سألته ولكن بصيغة أخرى: ماذا حدث لنظرة الرجل المصرى للمرأة المصرية، ورؤية الولد المصرى للبنت المصرية؟! ما أثار شجونى وجعلنى أطرح هذا السؤال هو مشهد مخجل وبشع كنت شاهد عيان عليه وأنا أمر بجانب مدرسة إعدادى ملاصقة لمكان عملى، المشهد بدأ بثلاث بنات ساقهن حظهن العاثر إلى المرور فى الشارع الذى تطل عليه مدرسة البنين، البنات فى المرحلة الإعدادية أيضاً، محجبات، يرتدين ملابس المدرسة، وتظهر عليهن علامات الأنيميا، ويمشين بخطوات تشبه الخطوات العسكرية فى منتهى الهدوء والاحترام والانضباط، يحتضنّ حقائب الدراسة ويتعثرن فى خطواتهن، كانت البنات يضحكن أثناء عبور الشارع، هنا كانت الجريمة النكراء والمشهد المفجع،
خرج الأطفال التلامذة الأبرياء من شبابيك الفصول كالمجانين، وإذا بكل ألفاظ السباب والقباحة وشتائم الأب والأم الجارحة تنهال على البنات الغلابة، فجأة حدثت هذه المظاهرة الهستيرية، عيون تنهش، وألسنة تتجاوز، وأجساد تنتفض، وأياد متشبثة بقضبان النوافذ وزنازين الفصول وكأنك قد فتحت قفص ذئاب جائعة منذ شهور تشاهد اللحم لأول مرة، مشهد دراكولى بشع، توقف ضحك البنات، وبدون أى نظرة منهن إلى حيث الضباع الجائعة، هرولت البنات وهن فى منتهى الذعر والفزع تزفهنّ كل أسماء الأعضاء التناسلية منذ بدء الخليقة!! تسمرت فى مكانى وانتابنى الخرس وأنا أنظر إلى شبابيك فصول المدرسة التى تتدافع فيها الرؤوس والأجساد والكتل البشرية لهؤلاء الأطفال فى هذه الزفة الجنونية الجائعة والزار الهستيرى المرعب، ماذا حدث فعلاً؟ حتى المعاكسات التى كان سقفها «يا قمر».. «يا جميل»، صار الحد الأدنى منها يا «بنت الـ...»، ضع كل ما تريد من قاموس الشتائم من قاع القاع فى خناقات حوارى البانجو، والحد الأقصى صار «شلاليت وبوكسات»!!
التحرش ليس للذة جنسية وإنما لإثبات تفوق وامتياز، تفوق ذكورى زرعناه فى ذهن هذا الطفل المختطف ذهنياً، ملخصه: هذه البنت الشىء الحرمة دى عبارة عن لحم محشور فى ملابس، هى أدنى منك عقلاً وأقل منك مرتبة، خُلقت لخدمتك وإرضاء نزوتك وإشباع فحولتك، اختزلناها فى عورة ولخصناها فى شهوة وقدمناها لهذا الذكر الجائع فى ورقة سيلوفان ما عليه إلا أن يفضها ويعيش حياته، كنا ونحن صغار فى مدارس مختلطة حكومية!! كان الاحترام هو دستورنا، وحتى قصص الحب البريئة كانت مغلفة برومانسية محلقة معطرة برسائل مرتعشة وأياد تتحسس الطريق لا العورات وعيون يكسوها الخجل لا الوقاحة، هذا الكبت فى الأجساد الذى شهدته والجوع فى العيون الذى لمسته والخواء فى الروح الذى تأملته،
ما هو الحل الأسرى والمدرسى والمجتمعى له؟ كيف نروض تلك المشاعر ونُخرج تلك الطاقة فى مساراتها الطبيعية؟ كيف نرتقى بعلاقات الولد والبنت ونهذبها ونشذبها ونسحبها من إطار الجوع والوحشية والتربص والتلصص والتهويمات وأحلام اليقظة سائلة اللعاب وخاوية الروح؟! إنها ليست مشكلة هامشية كما نتصور، فالمجتمع الذى لا يستطيع أن يقيم علاقات إنسانية صحية راقية بين الرجل والمرأة هو مجتمع مريض بسرطان الكبت وهشاشة الروح.
نقلا عن الوطن