8- المعونة مقابل السيادة والتبعبة
فاروق عطية
كما قلت في بداية هذه الحلقات: لموقعها المتميز جغرافيا ولثرائها وعظمة شعبها، مصر دائما مستهدفة من جيرانها شرقا وغربا وجنوبا خاصا حينما تصاب بالضعف والوهن كما هو حادث هذه الأيام الغبرة. كانت مستهدفة منذ العصر الفرعوني كما هي الأن مستهدفة. في العصر الفرعوني كانت قوية بحضارتها وثرائها وأمنها وعدالتها وقوة جيشها مما مكنها من اتباع سياسة الهجوم خير وسيلة للدفاع لتأديب المتآمرين عليها، ووضع الحاكم المناسب لتلك البلدان المجاورة من أهلها الذي يحفظ احترام الجيرة ويخاف بأسها.
الإرهاب المتفشي عالميا يحيط بنا من كل جانب. من الشرق اتقينا شر عداوة إسرائيل، بمعاهدة السلام المفعلة حكوميا وخارجيا والموقوفة ثقافيا وشعبيا، ويأتينا الشر إرهابا من أخوة العروية الحماسطينية التي لم يصلنا منها ردا للجميل غير تدريب الجماعات المتأسلمة وإطلاقهم علينا كالكلاب الجائعة المسعورة لينهشوا لحم جنودنا، وحتي الآن لم نطلق عليهم رصاصة واحدة رغم كل ما فعلوه إبان ثورة الخريف العربي من انتهاك لسيادة مصر ودخول سياراتهم ذات الدفع الرباعي مدججة بالأسلحة الثقيلة ليحطموا السجون ويقتلون حراسها ضياطا وجنودا ويخرجون مساجينهم ومساجين الجماعة الباغية المحظورة. وحتي الأن يحفرون أنفاقهم كلما هدمناها لسرقة قوت شعبنا وتهريب المخدرات والإرهابيين لنا، ولا يقوم جيشنا إلا بمحاولة مقاومة الإرهاب والقضاء عليه دون جدوي مع عدم التعرض لمدربية ومسلحيه ومرسليه.
من الغرب بعد زوال دولة ليبيا بالخريف العربي، وتحولها إلي دويلات إسلامية بين قاعدية وداعشية وغيرها من الجماعات المخاصمة للدين والديّان والبشرية، تجابه مصر من آن لآخر بمحاولات محمومة للتسلل لبلادنا عبر الحدود الصحراوية المليئة بالمسالك الوعرة، لتوجد لنفسها بؤرا تتنفس وتنفس منها سما، ونحمد الله أن جيشنا قادر حتي الآن علي وقف زحفها وسحق ما ينجح منها.
الجنوب وما كنا نعتبره امتدادا جفرافيا واستراتيجيا لمصر، وما نُكنه لهم من محبة لما بيننا من أواصر الأخوة والنسب، لكنهم للأسف لإخوانية الحكم هناك فهم يناصبوننا الود جهرا والعداء سرا، ويتآمرون مع أثيوبيا ضدنا بتأييدهم بناء سد النهضة مع أن مضاره تصيبهم كما تصيينا والضرر الواقع عليهم سيكون أكبر وأخطر، ومن حين لآخر يخرجون علينا بمطالب غير مشروعة حول حلايب وشلاتين رغم ثبوت مصريتهما بالخرائط والوثائق، وهم أيضا يشجعون تسلل بعض الفصائل المتأسلمة ومهربي الأسلحة والمخدرات للعبث بسيادة مصر وأمنها.
منذ قيام حركة الضباط 1952 ونحن نتخبط ونسير من سيئ إلي أسوأ سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وازداد الأمر سوءا في السنوات الأخيرة إثر القيام بثورتين أولهما كان المخطط لها أمريكيا، وانساق الشعب لها مؤمنا بقدرته علي نيل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، واستيقظ من غفلته علي ركوب الإخوان الخونة عليها أملا في التمكين والبقاء في الحكم لمئات السنين، وثانيهما كان المخطط لها الدولة العميقة لاسترداد سلطاتها التي استحوزها الإخوان غدرا، وانقاد الشعب لها وخرجوا بالملايين أملا في إزاحة غمة الفاشية الدينية، تطلعا لتمكُنه من عودة الحكم العلماني المدني المفقود منذ 64 عاما، ليستيقظ من غفوته علي امتطائها بالفاشية العسكرية المتحالفة مع الفاشية الدينية السلفية، ولم يجن الثائرون غير مضغ الحصرم.
ولانتشار الإرهاب والتفجيرات توقفت السياحة، ولتباطؤ الاقتصاد العالمي انخفضت ايرادات قناة السويس، ولكثرة الإضرابات وتدهور الطاقة توقفت المصانع وازدادت البطالة المقنعة والبطالة الفعلية، وتدهور الاقتصاد حتي وصل الجنيه المصري الذي كان أقوي عملات العالم واعتلّت صحته حتي أُدخل غرفة الإنعاش وسبحان من له الدوام وتمنياتنا له بالشفاء بمعجزة في زمن عزّت فيه المعجزات. نتيجة لكل ذلك قاربت الدولة علي الإفلاىس، فاضطررنا مرغمين علي مد أيدينا لطلب المعونة ممن كانوا يطلبونها منا فنعطيها لهم بحب، والأن يعطونها لنا مقابل السيادة والتبعية ونحن نقبلها ونحن صاغرون.
لم ينس آل سعود لمصر حملة محمد علي باشا والي مصر بقيادة ابنه إبراهيم باشا ضد الدولة السعودية الأولي والتي جرت بين عامي 1816-1819م الذي قضي علي حكمهم وتخريب عاصمتهم الدرعية وأسر أميرهم عبد الله ين سعود، وأرسله لوالده محمد علي باشا الذي أرسله إلي الباب العالي بالأسيتانة، فطافوا به في أسواقها ثلاثة أيام ثم قتلوه، ونال إبراهيم باشا هدية ثمينة من السلطان كما نال أبوه محمد علي باشا لقب خان وهو لقب لم يحظ به سواه.
لم ينس آل سعود اعتراض الملك فؤاد علي ضم السعودية للحجاز (1925م)، ويرجع ذلك إلى أن الملك عبدالعزيز، اعتذر عن عدم قبول وساطة الملك فؤاد بينه وبين الملك علي بن الحسين، أثناء حصار القوات السعودية مدينة جدة، إذ أرسل الملك فؤاد إلى الملك عبدالعزيز وفداً مصرياً برئاسة الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر، للقيام بمهمة الوساطة، وكان لاعتذار الملك عبدالعزيز عن عدم قبول الوساطة المصرية مبرراته، لأن قبوله تلك الوساطة يعني التسليم مبدئياً باعتراض ملك مصر وإمام اليمن على توحيد الحجاز.
لم ينس آل سعود حادث المحمل في موسم الحج عام 1926م وهو أول موسم للحج يتولاه الملك عبدالعزيز بعد دخوله الحجاز، اعترض علماء نجد على الموسيقى والأبواق وغيرها من المظاهر التي تصاحب محمل الحجاج المصريين واعتبروها بدعا، ولما حاولوا منعهم أصدر قائد الحج المصري محمود عزمي باشا، أوامره بإطلاق النار عليهم، فسقط ما بين خمسة وعشرين إلى أربعين قتيلاً منهم، وكادت تقع فتنة بين المصريين والنجديين، وحافظ الملك عبدالعزيز وابنه الأمير فيصل على رباطة جأشهما، وسويت المسألة بسلام، وعاد قائد المحمل ورجاله إلى مصر سالمين. واعتبر الملك فؤاد هذا الأمر تحدياً شخصياً له، فأمر بمنع إرسال كسوة الكعبة المشرفة التي اعتادت مصر على إرسالها كل عام، كما أوقف صرف واردات الأوقاف العائدة للحرمَين الشريفَين.
لم ينس آل سعود وقوفهم صاغرين في معية جلالة الملك المعظم فاروق الأول جالسا، كل عام للحصول علي المنحة المقررة المصاحبة لرسالة كسوة الكعبة (المحمل)، كما لم ينسوا مذلة وجود التكية المصرية بمكة المكرمة، تلك التكية التي بناها إبراهيم باشا بعد دخوله شبه الجزيرة العربية منتصرا، لإطعام فقرائها وظلت تؤدي دورها الخيري حتي عام 1983م بعدما أقدمت السلطات السعودية على هدمها. وكان آل سعود يسعون على الدوام إلى قيادة العالم الإسلامي، وكانت مصر تمثل المنافس القوي لها، لهذا قامت بهدم كل الآثار المصرية في الجزيرة العربية، سواء التكية المصرية في مكة أوالمدينة، لكي لا تتذكر الأجيال الراهنة الدور القيادي لمصر في أرض الحجاز، وأن مصر كانت “تطعم” سكان المدينة المنورة ومكة المكرمة وكذلك حجاج بيت الله الحرام.
وجد آل سعود المملوءة صدورهم بالغل والحقد علي مصر الفرصة سانحة هذه الأيام، بعد تدهور اقتصادها وطلب العون منها. قدمت العون المشروط بيد، وباليد الأخري كانت تمول داعش والحركات الإسلامية التي تعمل ضد مصر في الخارج وعلي حدودها، كما كانت في نفس الوقت أيضا تغدق المال الوفير علي السلفيين المصريين لتخريب مصر من الداخل.
في صباح 30 مارس الماضي طالعتنا صحيغة الأهرام القاهرية بنيأ أعلنته المملكة السعودية في منتصف الليل منفردة بتشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب يضم 34 دولة من بينها مصر ويكون مقره العاصمة الرياض، وبعد دباجة مطولة عن الإرهاب وحقوق الإنيان كان البيان: "قررت الدول العربية والإسلامية، تشكيل تحالف عسكرى إسلامى من 34 دولة بقيادة المملكة العربية السعودية وبمشاركة مصر لمحاربة الإرهاب، ويتم فى مدينة الرياض تأسيس مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود، أن التحالف تم تشكيله فى الـ 72 ساعة الأخيرة، وسيتم وضع الترتيبات للتنسيق مع الدول الصديقة والمحبة للسلام والجهات الدولية فى سبيل خدمة المجهود الدولى لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين".
ال سعود يدفعون مصر للفخ الامريكى، ويبدو واضحا أن هذا الإعلان الذي طبخ بليل هو ليس إلا تنفيذا حرفيا لتعليمات امريكا التى صرح بها بالنص جون ماكين وليندسي جراهام عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي يوم 29 نوفمبر فى بغداد، عن تشكيل قوة من 100 الف جندي اجنبي معظمهم من دول المنطقة السنية اضافة الى جنود اميركيين، لقتال تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، لأن تكوين هذه القوة صعب علي السعودية والدول الأصغر ولكنه ليس كذلك علي مصر. واوضح جراهام ان هذه القوة ستشمل نحو 10 الاف جندي اميركي "يوفرون قدرات لا يملكها العرب" وهنا تتصح مخططات الأبالسة ـ آل سعود والأمريكان ـ لجر مصر للمستنقغ السوري كما حاولوا قبلها جرنا للمستنقع اليمني. وأعتقد أن مصر ستنضم للتحالف صوريا ولكنها لن تتورط كما حدث فى اليمن بالضبط . ولكن حضور السيسي نهايات مناورات رعد الشمال أثار البلبلة واللغط حول استجابة مصر ووقوعها في الفخ المنصوب.
قال السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باِسم رئاسة الجمهورية "إن المناورات شهدت تدريبات مكثفة على مواجهة التهديدات، وأن السيسي حرص على مشاركة مصر في مناورات رعد الشمال في إطار دورها القومي لتعزيز أمن واستقرار المنطقة العربية إقليمياً ودوليا، والتزاماً بتعزيز روح التعاون الإيجابية البناءة بين الدول العربية". وأصاف اللواء محمود زاهر"الحضور كان لرأب الصدع خاصة بحضور قطر، وربما أيضا يمتد الحوار لتركيا، وحضوره كان رسالة تشجيع وإبداء حسن النوايا، فهو ذاهب بنية للصلح، ويتبقى في المقابل ماذا سيقدم له الجانب اﻵخر ـ قطرـ من مطالب قدمتها مصر من قبل، مثل التوقف عن دعم وتمويل واحتضان رموز الإخوان الإرهابيين، وتقديم الهاربين لمصر لإخضاعهم لمحاكمات قانونية، وتوقف الحملات الإعلامية العدائية من وسائل الإعلام القطرية".
نتمني أن يظل السيسي يقظا ولا ينجرّ لمخططات الأبالسة الذين يحاولون تطويق عنقه بالمعونات تارة وبالتحالفات تارة، وإن غدا لناظؤه قريب، والله هوالحافظ لمصر كما كان دائما وأبدا.