1
على مر العصور، يظل الإنسان هو الشغل الشاغل مهما أبحر فى دنيا السياسة والعمل العام ويستوى فى الأمر رجلاً أو امرأة، فالبيت هو ظهير الرجل أو المرأة، كلاهما يخرج من بيته سعيداً أو تعساً، أياً كان موقعه، فالخفير والوزير يعرفان الغضب والعتاب والصفح، وكل منهما على طريقته، وحكى لى طبيب مشهور فوائد الزواج من أجنبية «إنها لا تتقمّص - كالمصرية - شخصية وكيل النيابة»، وسمعت من أحد رؤساء وزراء اعترافه «أن البيت عامل رئيسى فى حسن أدائى أو رداءته»، وقال لى مدير شركة أجنبية كبيرة فى مصر «لقد تغيرت معاملتى تماماً لكل موظفى الشركة بعد الطلاق من زوجتى التى كانت تنغص حياتى»، هذه الاعترافات تعكس أهمية البيت فى حياة الناس، فالوزيرة الهمامة هى فى نهاية الأمر امرأة ومن الممكن أن يغضبها الزوج وتبكى قبل أن تهم بالنزول وركوب سيارة الوزارة والحرس المرافق! إن الحياة الخاصة لأى إنسان، رئيس وزراء أو سائق لورى تدخل فى حياته العامة شاء أم أبى. ومن رأى عالم الاجتماع د. سيد عويس أن البيت المريح يخرج منه إنسان «مرتاح» سواء كان محافظاً أو سفيراً أو عامل رخام فى منجم. من هنا كانت الكتابة عن هذه المؤسسة الزوجية ضرورة لأنها فى عمق السياسة والعمل وقد لا ندرى، ولأن هذه المؤسسة- على حد وصف د. أحمد فؤاد الأهوانى عالم النفس- عامل تقدم ونجاح وربما من أهم أسباب الانهيار الشخصى!
2
إن أكبر عدو للزواج هو الملل، فالإقامة الطويلة فى مكان واحد تقتل الود وتغتال البسمة، والملل قادم قادم وهو من سمات الزواج ما لم يتنبه الزوجان للقضاء عليه وهزيمته والأسرة الأوروبية تنجح فى إزاحة شبح الملل، فى الوقت الذى تفشل فيه الأسرة الشرقية، الملل جزء محورى فى مؤسسة الزواج. ويقول جبران خليل جبران «لتكن بينكما فسحة من الوقت يجدد الشوق» وقصيدة نزار الشهيرة «أسألك الرحيلا لصالح هذا الحب» والحس الشعبى يقول «ابعد حبة تزيد محبة» فأخطر ما يتعرض له الزواج أن الزوجين «لازقين فى وش بعض» هذا الالتصاق ليس حباً بقدر ما هو تملك وغالباً ما تلجأ إليه الزوجة للمحافظة على الزوج من وجهة نظرها، وهذا الالتصاق المنفر تلجأ إليه زوجات الطبقة المتوسطة باعتباره موروثات قديمة عن أقوال الجدات التى تنصح بالإنجاب المبكر «يشيل الهم ما تزوغش العين»، صحيح أن الله عز وجل جعل من الأولاد سيناريو إلهيا لتجميل المؤسسة التى هى فى ذاتها مرتبطة بالسأم والمسؤولية، وصحيح أن الخلافات الزوجية هى ملح الحياة والعتاب محطة جميلة، ولكن قطار العتاب قد يمضى إلى الصدام ويحدث الطلاق والقرار يتوقف على العقول والنفوس، لكن «الطلاق» شاع بشكل مخيف فى المجتمع.
3
كان الدكتور زكى نجيب محمود يحذرنا فى العلاقات الإنسانية من «النقار»، والنقار هو التلاسن بين الزوجين فى شبه حرب باردة تنتهى غالباً إلى صراع عضلى، وهذا أسوأ ما فى مؤسسة الزواج لأن النقار هو دغدغة لنقط ضعف كل طرف، وهناك من كلمات النقار ما له خاصية الموسى الحاد النصل، وهناك كلمات نقار أشبه بطلقات الرصاص عندما تنطلق من الفم لا تعود. إن الغضب العادى فى مؤسسة الزواج يهون وقد تبدده كلمة جميلة أو مجاملة رقيقة فيذهب الغضب ويعود الصفاء، ولكن أخطر أنواع الغضب ما كان مخزوناً فى الصدر لوقت طويل ويؤدى تراكمه إلى الانفجار، والزوج الذكى هو الذى يسعى بفتح صنبور الغضب ليقل المخزون ويمنع الانفجار، بيد أن هذه الانفجارات ربما كانت وسيلة لإعادة العلاقة الزوجية إلى طبيعتها، الأمر يتوقف على مدى ثقافة الطرفين الإنسانية، والثقافة الإنسانية هى الخصال الخاصة للإنسان مثل السماحة وقبول الاعتذار والقدرة على ضبط النفس، أما الثقافة العامة فربما كانت عاملاً فى الاشتعال. يحكى لى صديق محام تزوج من دكتورة رياضيات وفلسفة ويؤكد أن علمها الوفير سبب الشقاء فى البيت، وقد انتهت العلاقة بالطلاق بعد ثلاثة أولاد إثر عبارة غاضبة قالتها الزوجة الحاصلة على دكتوراه فى الرياضة والفلسفة «يا ريتنى اتجوزت مستشار أو قاضى أو رئيس محكمة»، باختصار، لقد شعرت الزوجة أن قرينها ليس فى المستوى العلمى لها وبدا النقار أسرع وسيلة للهدم.
4
كيف نهزم الملل؟ كيف نهزم الرغبة فى النقار؟ كيف لا يمضى قطار الغضب إلى الصدام والطلاق؟ إن هزيمة الملل أو النقار أو الصدام لحد الطلاق تحتاج إلى «مرونة» فى العلاقة بين الزوجين، والمرونة هى صداقة بين الطرفين وقلما توجد إلا بين طرفين يملكان استقلالاً اقتصادياً، أما المرأة التى تعيش مع زوج ينفق عليها وعلى أولادها فهى ميالة لقبول الأمر الواقع بكل سلبياته ومراراته، أما المرأة المستقلة اقتصادياً، فالأمر فى يدها ولا تخضع لابتزاز. كثيرون يقولون إن العلاقات الحميمة ضمان لاستمرار العلاقة فى مؤسسة الزواج، وقد ثبت خطأ هذه النظرية فى زمن تشابكت فيه المصالح فأضحى الجنس وحده لا يبنى حياة، فربما يمارس زوجان كارهان العلاقة الحميمة دون مشاعر وتصبح عملية روتينية: نعم، الجنس وحده ليس وتداً لخيمة المؤسسة، فلابد من الحب والمشاعر، وكم من بيوت مغلقة على أصحابها وفيها كل طقوس الزواج بلا مشاعر، كم من بيوت داخلها طلاق صامت لا يفصح عن نفسه من باب الوجاهة الاجتماعية ورأى الناس، كم من بيوت مغلقة ووراء كل باب حكاية، بعضها صراعات وبعضها تذمر أولاد على حياتهم وبعضها صمت ووحدة ثلجية، من مجموعة هذه البيوت يأتى معنى الحياة فى صورها، إن القادرين على هزيمة الملل هم «القادرون» على السفر وتغيير نمط الحياة اليومى وينجحون فى النجاة من السأم، والقادرون على هزيمة النقار هم صنف من الأزواج العقلاء قرروا الحياة تحت أى ظروف وهم فى الأغلب الأعم «متدينون» يرون فى الأديان عزاء وسلوى، ولا يمكن المضى فى هذا التحليل، دون الإشارة إلى أن داخل المؤسسة الزوجية «مرضى نفسيين» لا تظهر عليهم أعراض المرض النفسى، بيد أن هذه الأمراض تظهر مرة على استحياء ومرة بوضوح شديد يفرض العلاج وإلا استفحل الأمر، ولما كانت الأسرة المصرية قليلة التردد على عيادة الطبيب النفسى خجلاً أم تحاشياً للفضيحة(!) فإن المرض النفسى يظل حاضراً وتوابعه تنذر بالخطر.
5
إن ضغوط الحياة أحد أهم أسباب إخفاق مؤسسة الزواج فى مهمتها، ومن هنا جاء ارتفاع نسبة الطلاق فى المجتمع المصرى. إن الفيلسوف الإنجليزى المعاصر «جون كاسل» يرى أن إنسان هذا العصر يجب أن يتزود بمجموعة من الصفات أبرزها المرونة والتكيف وقبول الآخر وتحمل الصدمات وعدم المبالغة فى الجانب المادى، فضلاً عن قيم الرضا والقناعة وهى قيم معنوية تحد من صعوبة الحياة وتقلل نسبياً من حجم مشاكلها، خصوصاً ذلك السعار المادى الذى يسيطر على الحياة ويخلق المشاحنات التى تؤدى كثرتها إلى الاقتراب من حافة الطلاق.
لقد ثبت أن أهم أركان العلاقة فى مؤسسة الزواج هو الحب، ذلك الشعور الجارف الذى يغفر الهنات ويستوعب المشاكل ويزيح الملل ويقضى على السأم ويحتفظ بدفء صداقة بين الزوجين ويحمى العلاقة من التفتت والسقوط فى بئر الاعتيادية والرتابة.
6
ما أجمل وصف نزار قبانى للحب: «إنه يمشى على الماء ولا يغرق»!
* الشأن العام*
1- أسوأ ما أصاب المجتمع فى الآونة الأخيرة من فئة كارهة، هو التشكيك فى المشاريع الكبرى ومحاولة تقزيمها مثل قناة السويس واستصلاح آلاف الأفدنة والعاصمة الإدارية الجديدة. إنهم - الكارهون - يقولون إن مصر لن تستطيع والحقيقة أن «مصر تستطيع»، ورهانى على الإرادة المصرية والسواعد المصرية والقوات المسلحة المصرية بمهندسيها العاملين فى صمت. إن العالم يشهد لنا بخطوات جادة فى التقدم وأولاد مصر يشككون، والأم قد تأتى بمؤمن وكافر وطاهر وفاسق فى وقت واحد!
2- على الموبايل أرسل لى خبير التنمية البشرية الأستاذ إبراهيم توفيق صورة تاريخها ديسمبر 1960، والمناسبة «عيد العلم»، ونظرت إلى الصورة وحدقت فى الوجوه فوجدت الجالسين فى الصف الأول هم: يوسف وهبى، محمد عبدالوهاب، أم كلثوم، فكرى أباظة، ويجلس فى الصف الثانى: بديع خيرى، بيرم التونسى، أحمد رامى، عبدالحليم حافظ، القصبجى، زكريا أحمد، كمال الطويل، ياه، كل هذه العبقريات؟ ما أروعك، تلك مصر بالأمس القريب، وماذا عن مصر اليوم؟!
3- ألم يفكر أى محافظ للقاهرة فى زيادة «دورات المياه»؟! (طبقاً للتعداد) .
4- عتاب بصوت حفيف الشجر فى نهار ربيعى للوزيرة سحر نصر: أنت لست يسرا أو كندة علوش لتتصدر صورتك غلاف مجلة.
5- يوم لا يكون تقييم أداء وزير أو محافظ عن طريق عمود فى صحيفة أو برنامج فى قناة أو متحدث رسمى يتكلم مفسراً ومبرراً، سأقول «طلعنا سلم الرقى درجات».
6- بالنسبة للعلماء الذين يجاهدون فى خدمة مصر، هناك فرق بين «الطمع» و«الطموح».
7- يوماً ما استفاد كاسترو من المعلمين الذين خرجوا على المعاش فى تعليم الأميين طالما أنهم قادرون، وهكذا سلوك الحكام عند «تجييش» خبرات متراكمة لاستثمارها لصالح وطن.
8- فاطمة ناعوت. كندا: Hi.
نقلا عن المصري اليوم