الأقباط متحدون - مَن هُم خصومُنا؟
أخر تحديث ٠٨:٢٥ | الأحد ١٠ ابريل ٢٠١٦ | ٢برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٨٩٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

مَن هُم خصومُنا؟

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

مَن هم خصومُنا، نحن المستهدفين بقضايا التكفير والحِسبة المتهمين، كذبًا وزورًا، بتهمة ازدراء الأديان؟

هل خصومُنا هُم القضاة الذين يحكمون علينا بسنوات وراء القضبان وغرامات مالية؟ لا، ليس القُضاةُ خصومَنا؛ فهم مستندون إلى نصوص قانونية بين أيديهم، وحيثيات حكم تعود إلى اجتهاد محامين، وشطارة مدّعين بالحق المدنى.

هل خصمُنا هو منطوق الحكم بالسجن، الذى نسمعه فتتزلزل قلوبُنا بمرارة الشعور بالظلم؟ لا، ليس منطوقُ الحكم خصمَنا، فما هو إلا كلماتٌ لا حول لها ولا قوّة تخرج من فم قاضٍ عدلٍ، أو ينشد العدلَ وُسعَه، أصابهَ أم أخطأَه.

هل خصمُنا هو قضبان السجن التى تحرمنا من أطفالنا ودفء بيوتنا وكتبنا وعالمنا؟ لا، ليس السجنُ وقضبانُه خصماءنا. فما السجنُ إلا أحجارٌ صمّاء لا تعى، وحديدٌ صدئ قاس لا يعلم إن كان يضمّ بين جوانبه مذنبًا أم بريئًا.

هل خصماؤنا هم أولئك المزايدون على إيماننا فيدّعون أنهم حُماة الدين وظلال الله على الأرض؛ ثم يُشهرون فى وجوهنا سيوفَهم ويرفعون ضدنا دعاواهم القضائية حتى يزجوّا بنا فى عتمة السجون ويحرمونا من حريتنا فى التعبير وفى الحياة؟ لا، حتى أولئك ليسوا خصومَنا. فلا يجوز أن يُسأل مزايدٌ لماذا تزايد على إيمان سواك بدلا من أن تعكف على تقوية إيمانك؟ ولا يُسألُ فارغٌ لماذا تعطّل المحاكمَ عن النظر فى قضايا الوطن الجُلل من تجسس وقتل وسرقة ثروات الأوطان وآثارها وتاريخها، وتشغلها بقضايا تافهة لا معنى لها حين تلاحق مثقفًا قال قولا، أصاب أم أخطأ، أو شاعرًا كتب قصيدة مجازية لا تقتل ولا تسفك دمًا.

فالفارغُ لا يُسأل عن مبرر لسرقة وقت الجادين وعرقلتهم. ولا يُسأل طالبُ شهرة، لماذا تودّ أن تحصد الشهرةَ من أرذل أبوابها بدلا من أن تجتهد وتعمل وتبتكر وتنتج لتكون مواطنًا ممتازًا مفيدًا لمجتمعك؛ فيعرفك الناسُ ويحبونك وتصير مشهورًا بالطريق النبيل الذى لا طريق سواه. ومن نافلة القول إن نصوص كتاب الله ليست خصيمتنا، بل هى المظلة التى نحتمى بها من تغوّل الغُلاة الأدعياء، ومن شرور الأشرار ومن شرور أنفسنا.

على الهواء هتف الرجل الذى رفع ضدى دعوى قضائية بازدراء الأديان قائلا: “القرآن هايحبسك”!! لا يا عزيزى، القرآنُ لا يسجن، بل يحرّر. كلام الله فى رسالاته السماوية نزل لكى يحرّر الإنسانَ من عبودية الأصنام وعبودية البشر. لكنكم تُزايدون على كتاب الله بما لم يُنزل به اللهُ عليكم من سلطان وتجعلون من أنفسكم سلاطينَ بغير سلطان لكى تغنموا مغانم رخيصة لن تجعل منكم أمام الناس إلا أضحوكة ينفر منها ذوو الألباب. يقول الله: “وقُل الحقَّ من ربّكم، فمَن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، فيزايد عليه عبدٌ من عباده ويلغى مشيئة الله بمنحنا مشيئتنا وحريتنا، فمن هنا الذى يزدرى القرآن، ومن الذى يوقّره ويتبعه؟ القرآنُ لا يسجننا يا أعزّك الله، بل يحررنا من عبادة البشر أمثالك، ومن عبادتكم شهواتكم.

مَن إذن خصومُنا؟
خصمُكم وخصمُنا وخصمُ الإنسان هو “سوءُ استخدام حق التقاضى” المتروك حبلا على غاربٍ فى يد الكيد والكائدين. كل عابر سبيل من حقّه أن يقاضى إنسانًا “لا يستظرفه” إن فتح الأخيرُ فمه وقال قولاً لا يرضى الأولَ المدّعى بالحق المدنى.

من حق كل طالب شهرة أن يقاضى كاتبًا شهيرًا لكى يصعد على كتفيه ويحصد شهرة لم يصنعها ولم يتعب لقاءها.

خصمكم وخصمُنا وخصم الإنسانية هو المادة "٩٨و" من قانون العقوبات، المعروفة باسم “قانون ازدراء الأديان”. تلك المادة الفضفاضة التى يمكن “تقييفها” على المزاج والهوى فيصير أى قول عابر قضية، ويصير سجنٌ! المادة التى فى الأصل تم دسّها عام ٨٢ ضمن بنود قانون العقوبات المصرى بعد أحداث “الزاوية الحمراء” لحماية أقباط مصر المسيحيين من تغوّل المتطرفين الإسلاميين؛ لكنها أبدًا ما أنصفت مسيحيًّا بل كانت سيفًا على رقابهم، وجميع مَن سُجنوا بموجب تلك المادة كانوا مسيحيين أو مسلمين مستنيرين يدافعون عن حقوق المسيحيين المُهدَرة. وتلك المادة صارت الآن مادة غير دستورية لأنها تتناقض مع مادتين صريحتين من دستور ٢٠١٤.

انظروا ماذا قال الأديب محمد سلماوى، المستشار الخاص لاتحاد الكتاب العرب وعضو لجنة الخمسين التى كتبت دستور بلادنا: “المسألة أكبر من مجرد حكم صدر ضد شاعرة وكاتبة معروفة وشخصية فاعلة فى الحياة الثقافية المصرية، وإنما هى فى الحقيقة تمثل ازدراءً للدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى. لا يصح أن يكون هذا التجديد بتطبيق القوانين البالية التى تؤسس للدولة الدينية فى الوقت الذى ينص الدستور صراحة على عكس ذلك. وأنْ تعاقَب شخصيةٌ ثقافية متميزة بتهمة غير دستورية لمجرد أن هناك قانونًا قديمًا يسمح بذلك، والتعلل بأن القوانين المنظمة للدستور لم تصدر بعد هو تعلل واهم.” ثم تساءل سلماوى: “لماذا التمسك بهذه القوانين سيئة السمعة؟” ومعه نتساءل.
نقلا عن مبتدا


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع