يوما بعد آخر، تتراكم الأزمات في لبنان. لكن أزمة الفراغ الرئاسي، التي تدخل عامها الثالث الشهر المقبل، تبقى الأسوأ والأكثر حساسية وتعقيدا.
إنها ثاني أزمة فراغ رئاسي منذ اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية في البلاد، ورابع شغور في كرسي الرئاسة اللبنانية منذ استقلال لبنان. لكن هذه الأزمة، وفق العارفين في الدستور، هي الأسوأ نظرا للظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة عموما.
فالفراغ الحالي لا يُختصر في عدم وجود رئيس منتخب، بل إنه بات يطال عمل المؤسسات، وبخاصة التشريعية والتنفيذية. الأمر، الذي يساهم بترسيخ عدم احترام الاستحقاقات الدستورية والقوانين، التي يرتكز عليها النظام اللبناني.
وعلى الرغم من خطورة تداعيات أزمة الرئاسة الحالية، فإن أيا من المرشحين الثلاثة، الذين نالوا بركة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ليس بوارد التنازل عن ترشحيه لمصلحة مرشح آخر.
فزعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون لا يزال متمسكا بترشيحه، حتى وصل إلى معادلة "أنا أو استمرار الفراغ". فيما يحذر زعيم "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية من أنه إذا لم يُنتخب في مايو / أيار المقبل، فإن "تكتل الثامن من آذار" لن يحصل على رئيس من بين حلفائه. ومن جهة أخرى يستمر مرشح "حزب الكتائب" الرئيس أمين الجميل بترشيحه أيضا، لكنْ من دون أي إشارات تدل على نيته التنازل لمصلحة عون أو فرنجية على غرار ما قام به رئيس "حزب القوات اللبنانية" لمصلحة زعيم التيار البرتقالي.
أمام التعقيدات الداخلية، وعدم بروز أي مؤشر لإمكان خروج لبنان من نفق الفراغ المظلم، نظرا لتباعد الرؤى بين القوى السياسية في البلاد، يندفع البعض إلى الرهان على العوامل الخارجية لعلها تتمكن من جمع اللبنانيين، وتساعدهم في اجتياز الاستحقاقات الدستورية، التي باتت تهدد بنية الدولة برمتها.
ومن بين المساعي الخارجية، بعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الشهر الماضي، يستعد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لزيارة لبنان نهاية الأسبوع المقبل في محاولة لحث الأطراف على الدخول بتسويات كبرى لتسهيل تمرير الانتخابات الرئاسية. لكن مراقبين يرون أن زيارة هولاند تأتي من باب اللياقة الفرنسية تجاه لبنان، ولرفع العتب من الناحية السياسية. أما هدف الزيارة الأساس، فهو تقديم الدعم المعنوي لحكومة الرئيس تمام سلام وللمؤسسات الأمنية والوقوف إلى جانبها، وبخاصة الجيش اللبناني.
ذلك، بعد أن أدرك قادة أوروبا أن لبنان بات عرضة للاهتزازات الأمنية، وأن أي خلل أمني في بلاد الأرز سيعقد كل مساعي الحلول السياسية، التي يقوم بها المجتمع الدولي في المنطقة، فهل سينجح هولاند بجمع اللبنانيين؟