الأقباط متحدون - لعبة تيران وصنافير.. كيف خططت السعودية للانضمام إلى كامب ديفيد؟
أخر تحديث ٢١:١٦ | الاربعاء ١٣ ابريل ٢٠١٦ | ٥برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٨٩٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

لعبة تيران وصنافير.. كيف خططت السعودية للانضمام إلى كامب ديفيد؟

لعبة تيران وصنافير.. كيف خططت السعودية للانضمام إلى كامب ديفيد؟
لعبة تيران وصنافير.. كيف خططت السعودية للانضمام إلى كامب ديفيد؟

هذه قراءة لأحداث سابقة تبدو منفصلة، على مدار بضع سنوات، بزاوية رؤية أوسع، في محاولة لفهم التغيرات الإقليمية الحالية، والإجابة على عدة أسئلة، أبرزها سؤال رئيس، وهو: لماذا أعطت مصر مضيق تيران، وجزيرتيه، للمملكة العربية السعودية الآن؟
(1)

يأتي يوم 19 أغسطس (آب) من عام 2015، لنعرف أن الإدارة الأمريكية بدأت تكتفي مما يحدث في سيناء، فمنذ ما وصفته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، نقلًا عن وكالة أسوشيتد برس، بـ«الانقلاب العسكري» في الثالث من يوليو (تموز) 2013، والوضع الأمني في شبه الجزيرة المصرية يتدهور وبشدة، ويبدو باستمرار، من حينها وحتى اليوم المذكور، أن تنظيم ولاية سيناء (بيت المقدس سابقًا)، التابع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مستمر في تحدي الجيش المصري، وضرب قبضة السلطات الأمنية على المحافظة المصرية.

في أغسطس (آب) صرح مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى، لوكالة أسوشيتد برس، بأن الإدارة الأمريكية حاليًا تراجع موقف قوات حفظ السلام الدولية في سيناء، والبالغ عددها قرابة 1750 جنديًا ومراقبًا، وأن هذه المراجعة ستفضي في النهاية، بحسب مسؤول مطلع على دائرة صنع القرار، لخيارين سياسيين، إما قرار أمريكي بزيادة تأمين وعتاد القوات في سيناء، وإما سحبها وإرجاعها للأراضي الأمريكية، ما يعنيه هذا من إنهاء إكلينيكي لمراقبة دولية دامت أكثر من 30 عامًا، منذ بدء تنفيذ اتفاقية كامب ديفيد في أوائل الثمانينيات. مراقبة تقع القوات الأمريكية في القلب منها.
(2)

في الثالث من سبتمبر (أيلول) العام الماضي، خرجت إحدى سيارات قوات حفظ السلام الدولية، التابعة للأمم المتحدة، والمتخذة من المعسكر الشمالي في منطقة الجورة، جنوب الشيخ زويد بشمال سيناء، مقرًا لها. بعد دقائق معدودة ستنفجر عبوة ناسفة في هذه السيارة، لتصيب اثنين من جنود جمهورية فيجي، ثم ستنفجر عبوة أخرى لتصيب أربعة جنود أمريكيين أتوا لمساعدة الجنديين المصابين، وسينقل الجنود الستة، التابعون لقوات حفظ السلام، إلى تل أبيب لتلقي العلاج، ثم ستعلن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، الحادثةَ، مؤكدةً أن الجميع بـ«حالة جيدة»، بينما ستلتزم السلطات المصرية الصمت تمامًا بعد ما حدث، ودون أي تعليق رسمي عليه.

بعد أيام قليلة، سنعرف أن المسؤول عن هذا التفجير، وكالمعتاد، هو تنظيم ولاية سيناء، وأن المتحدث العسكري المصري، غاب خمسة أيام، قبل أن يخرج أخيرًا بالرد الرسمي الوحيد، وبشكل غير مباشر، متمثلًا في عودة العمليات التي يشنها الجيش المصري ضد تنظيم ولاية سيناء، والتي أسماها «حق الشهيد»، ومعلنًا أيضًا أنها أدت لمقتل «105 عناصر تكفيرية»، فيما بدا وكأنه رد على هجوم التنظيم على قوة مهمة سيناء.
(3)

في الخميس، 10 سبتمبر (أيلول) العام الماضي، وبعد سبعة أيام فقط من هجوم ولاية سيناء، أعلن البنتاجون، على لسان سكرتيره الصحافي بيتر كوك، إرساله تعزيزات إلى قوات حفظ السلام في سيناء، مكونة من 75 جنديًّا ما بين جنود مشاة وفرقة طبية جراحية، مع بعض المعدات والمركبات أيضًا. وقال كوك إن «إرسال الجنود مخطط من قبل هجوم الولاية»، فيما بدا وكأنه انتصار مرحلي للرأي القائل بتدعيم قوات حفظ السلام الدولية في مصر، لكننا سنتأكد الآن من عدم صحة ذلك!


قاعدة عمليات قوات حفظ السلام في سيناء

(4)

على مدار الشهور الثلاثة الأولى من عامنا الجاري، اتضح تمامًا أن الولايات المتحدة تتجه لرفع يديها بالتدريج عن سيناء، والاتجاه إلى الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة (كاميرات مراقبة وطائرات بدون طيار)، في مراقبة الحدود، حفاظًا على العامل البشري الأمريكي، في مواجهة ارتفاع مستوى تهديدات تنظيم ولاية سيناء وخطورته.

ظهر هذا في غلق عدد من المحطات الصغيرة للمراقبة عن بعد، بطول الشريط الحدودي، فضلًا عن إجلاء عدد من القوات الأمريكية من موقع في شمال سيناء، وكما صرح مسؤولون في البنتاجون لشبكة «سي إن إن» منذ أيام قليلة، فإن وزارة الدفاع تدرس بجدية إجلاء جميع القوات الأمريكية، المتمركزة في منطقة الجورة، إلى جنوب سيناء بعيدًا عن مناطق التوتر والخطر، الأمر الذي لم تعلق عليه السلطتان المصرية والإسرائيلية بأي شكل.
(5)

سنعود إلى بداية سبتمبر (أيلول) العام الماضي، أحد الشهور المحورية في 2015، إذ ذكر موقع العربية نت، نقلًا عن وكالة فرانس برس، أن الوكالة حصلت على محضر جلسة استماع نيابية لمسؤول فرنسي ذي حيثية. في هذه الجلسة صرح المسؤول الفرنسي، أن عدة دول، منها الهند وكندا وسنغافورة ومصر، أبدوا اهتمامًا جديًّا قبلها بأشهر، بشراء حاملتي الطائرات من طراز «ميسترال»، اللتين صنعتهما فرنسا لصالح روسيا، قبل أن تُوقف الأولى الصفقة في أوائل العام، بسبب التدخل الروسي في أوكرانيا.

بدا الاهتمام المصري غريبًا تبعًا للوضع الاقتصادي للبلاد في هذه المرحلة، ولأن الصفقة ستتكلف مبلغًا يتعدى المليار دولار تقريبًا، حتى أن الخبير العسكري المصري، ورئيس وحدات استطلاع القوات البحرية السابق، اللواء يسري قنديل، قال في مايو (أيار) من نفس العام: «من الصعب جدًّا على مصر تحمل تكاليف الحاملتين، والأسطول المصري أسطول متكامل وليس في حاجة لهما»، لكن ما قيل بمنطقية من اللواء يسري لن يحدث، وستمضي مصر قدمًا في الأمر بالفعل.

في 23 سبتمبر (أيلول)، وبعد أقل من ثلاثة أسابيع على جلسة استماع المسؤول الفرنسي، سيعلن مكتب الرئاسة العامة الفرنسي، أن الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي، والفرنسي فرانسوا أولاند، اتفقا على إرساء صفقة الحاملتين على مصر، بثمن يوازي 1.06 مليار دولار، وبتمويل سعودي خليجي مشترك، تتحمل فيه المملكة النصيب الأكبر من الصفقة، على أن تتمركز إحدى الحاملتين في البحر الأحمر والأخرى في المتوسط، لتصبح مصر الدولة الأولى في الشرق الأوسط وإفريقيا المالكة لهذه الحاملة، التي تقوم بعمل قاعدة عمليات عسكرية أرضية كاملة، ولكن في المياه العميقة.
(6)

شهدنا العام الماضي محاولات التقارب السعودية مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، والتي تبلورت العام الجاري، وتحديدًا في مارس (آذار) الماضي، عندما حضر السيسي، مناورات رعد الشمال العسكرية السعودية، بجوار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. حينها، وكما أكد لساسة بوست، أنور عشقي، ضابط المخابرات السعودي السابق، ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية بجدة، فإن العاهل السعودي أخبر الرئيس المصري ذا الخلفية العسكرية، بضرورة التعجيل بالتواصل بين السلطات المصرية وحركة حماس، وهو ما أسفر بعد ذلك بالفعل عن لقاء حماس مع المخابرات المصرية، في مارس (آذار) أيضًا، لقاءً شهيرًا وناجحًا.

لماذا الآن؟
على ما يبدو، لا تسير الأمور في ساحة السياسة الدولية عبثًا، ففي الوقت الذي انشغل فيه الجميع بإجابة سؤال: كيف تتخلى مصر طواعية وبسهولة تامة عن جزء خطير وإستراتيجي من حدودها؟ وهو السؤال الذي يبدو بديهيًّا ومفهومًا في سياقه، إلا أنه، وفي هذا الوقت، يبدو على مرأى منّا سؤالٌ أكثر أهمية: لماذا تتخلى مصر الآن؟ وهو السؤال الذي يمكن صياغته بشكل أكثر دقة: لماذا طالبت السعودية بجزيرتي تيران وصنافير في هذا التوقيت تحديدًا؟

تقع جزيرة تيران (80 كيلومترًا مربعًا) وشقيقتها الصغرى صنافير (33 كيلومترًا مربعًا)، على مدخل مضيق تيران، الذي يفصل بين خليج العقبة والبحر الأحمر، أو ما يمكن اعتباره المفتاح الرئيسي للخليج البحري، هاتان الجزيرتان تفصلان ما بين ثلاثة ممرات بحرية، أحدها ضحل لا يصلح للملاحة، بينما تمر السفن والتجارة الدولية من الممرين الآخرين. إذًا الجزيرتان ذاتا أهمية إستراتيجية بالغة لمصر وللسعودية، لكن الأهمية الأكبر لإسرائيل، التي تعتبر المضيق بمثابة شريان حياة لها، ولتواصلها مع إفريقيا والدول الآسيوية أيضًا.

في مارس (آذار) العام الماضي، شنت المملكة العربية السعودية هجومًا شاملًا بالتنسيق مع، ومساعدة، عشر دول عربية، على الجمهورية اليمنية، لوقف تقدم الحوثيين، وأنصار الرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح. ورغم أن الحوثيين لم يُشكلوا تهديدًا على الأمن القومي السعودي، بالقدر الذي رُوّج له حينها، حتى حشدت له التأييد العالمي، بدايةً من الولايات المتحدة الأمريكية، وصولًا إلى كل الأطراف العربية المعنية وغير المعنية، لتكوّن شرعية دولية، للتدخل العسكري في اليمن على مدار أكثر من عام.

من جهة أُخرى، وعلى مدار أكثر من خمسين عامًا، لم تُطالب السعودية، باستعادة جزيرتي تيران وصنافير، بالجدية الكافية، وهما الجزيرتان اللتان تقترب مساحتيهما من مساحة جُزر حنيش اليمنية، التي وضعت السعودية عينيها عليها طويلًا، حتى دانت لها السيطرة. ربما طالبت السعودية بالجزيرتين على هامش زيارات رسمية، أو في مُباحثات مغلقة مع الجانب المصري، لكنها لم تطالب بهما في المحافل الدولية، أو تُثر ضجة عالمية، الأمر الذي دفع أحد مديري الموقع الصحافي الإسرائيلي المعروف «أخبار اليهود»، إلى التساؤل عن ذلك، في مقال نُشر في الأول من أبريل (نيسان) العام الماضي.

من جانب إسرائيل، فإنها ومنذ أمدٍ طويل، تنظر إلى الجزيرتين والمضيق بأكمله، كجزء بالغ الأهمية من أمنها القومي، وربما ساهم زخم اليومين الماضيين، بعد تنازل مصر عن الجزيرتين إلى المملكة، في تعريف الأغلب بتاريخ الصراع وهوامش السيطرة والاهتمام الإسرائيلي. لكن الإشارة هنا ستكون من قلب الإذاعة الإسرائيلية، منذ ثلاثة أعوام، ونقلًا عن مصادر إعلامية في 11 يناير (كانون الثاني) عام 2013، عندما ظهر مشروع الجسر البري، بين جنوب السعودية وجنوب سيناء، والمار فوق الجزيرتين ومضيق تيران، وهو المشروع العائدة جذوره إلى فترات رئاسة الرئيس المصري المخلوع، محمد حسني مبارك. عندما ظهرت الفكرة مرة أخرى وبدت نية الإدارة المصرية، وعلى رأسها الرئيس المعزول محمد مرسي، في بناء الجسر، خرجت الإذاعة الإسرائيلية، بشكل شبه رسمي، لتؤكد أن الشروع في تنفيذ الجسر سيكون بمثابة «طرق لعصب الحرب». رد فعل حاد افتقدناه بالتأكيد في الأيام الماضية، مع خروج المشروع مرة أخرى للنور وبشكل أكثر جدية كما يبدو، وبلا تعقيب إسرائيلي على الإطلاق.

المثلث الأمني الإقليمي
    لن تتفاوض السعودية مع إسرائيل، لأننا سنلتزم بكل الاتفاقات الدولية التي أقرتها مصر بما فيها وضع القوات الدولية على الجزر.

هذا ما صرح به وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، للصحافة، بشأن وضع مضيق تيران والجزيرتين بعد انتقال سيادتهما كاملةً إلى المملكة العربية السعودية، التي لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تل أبيب.

في مقال هذا العام لصحافي مجلة ذي أتلانتيك الشهير، جيفري جولدبرج، والمعنون بـ«عقيدة أوباما»، شرح الرئيس الأمريكي شرحًا بالغ الوضوح، انتهاء عصر التدخل الأمريكي العسكري في الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة تحاول، منذ فترة ليست بالقصيرة، رفع يديها عن المنطقة، مع محاولة تجنب الدخول في أي حرب جديدة هنا، وإيمانه، بضرورة نهوض حلفاء أمريكا الشرق أوسطيين، واللاعبين الإقليميين الرئيسيين لمواجهة الأخطار المختلفة، وعلى رأسها خطر تمدد تنظيم الدولة الإسلامية. إنهم اللاعبون الذين يمكن حصرهم في داخل مثلث رئيسي أضلاعه المملكة العربية السعودية، ومصر، وإسرائيل.

منذ عام 2013، وتحديدًا بعد وصول المفاوضات «الإيرانية– الغربية» لنتائج إيجابية، وتشتم السعودية رائحة خيانة أمريكية، أو ما أطلق عليه الإعلامي الإسرائيلي الشهير والمقرب من دوائر صنع القرار، بين كاسبيت «عقيدة الخيانة الأمريكية». والخيانة هنا لا تشمل فك تحالفات واشنطن الإقليمية، بقدر التقارب الأمريكي الإيراني الحادث ببطء حينها، فضلًا عن رفع الولايات المتحدة قبضتها باستمرار عن التدخل شديد التأثير في الصراع السني الشيعي في المنطقة، بجناحيه الرئيسيين السعودية وإيران.

في سبيل هذا ومنذ ذلك الوقت، تحاول السعودية تكوين ما يطلق عليه «المحور السني المعتدل»، والساعية به لمواجهة هيمنة إيران المتصاعدة. هذا التحالف، الذي تمثل مصر إحدى واجهاته الأساسية، جاء نتيجة لإهمال الولايات المتحدة المتزايد للمثلث الإقليمي المذكور بدرجات مختلفة، وكما أخبر وزير إسرائيلي «ذو حيثية»، كاسبيت، في حوار سريع معه في بدايات نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن تراجع مكانة واشنطن في الشرق الأوسط، جلب اللاعبين الإقليميين ودول الجوار الإسرائيلية بجوار بعضهم البعض، بجانب تل أبيب. حتى هذه الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهو ما يتضح في سلسلة الاجتماعات المختلفة، التي أقيمت بين الأطراف الإقليميين الرئيسيين، في النصف الثاني من 2013 وفيما بعد على فترات منفصلة.

تعاني مدينة إيلات الإسرائيلية وميناؤها الشهيرة، منذ 10 سنوات تقريبًا، من هجمات مستمرة بصواريخ جراد، في هذه الفترة تقدم الإسرائيليون بالكثير من طلبات تحري الأمر، للسلطات المصرية، مطالبين إياها بتدابير أكثر صرامة. لكن الأمر وبحسب مصادر داخلية إسرائيلية، قوبل دائمًا بلا مبالاة مصرية، سواء في أواخر عهد نظام مبارك، أو نظام مرسي، كعملية إطلاق الصواريخ التي حدثت في يناير (كانون الثاني) من عام 2013، والتي هاتف فيها قائد المنطقة الجنوبية الإسرائيلية، الجنرال سامي ترجمان، الجانب المصري، مخبرًا بعض نظرائه أن الصواريخ «أطلقت من سيناء»، ومطالبًا بالنظر في المعلومات، لكن الجانب المصري رفض مؤكدًا على إطلاقها من العقبة.

تغير الحال كثيرًا بعد صعود الجنرال عبد الفتاح السيسي للسلطة، ومن ثم تنسيق التعاون الأمني وتعزيزه بشكل غير مسبوق، وصولًا إلى سماح تل أبيب للجيش المصري، بحسب مصادر إسرائيلية، بتواجد قوة خاصة كاملة، تراقب الشريط الحدودي في هذه المنطقة، ما يعنيه هذا من تغير فعلي في بنود كامب ديفيد، وبشكل بالغ الوضوح.

لا يمكننا إهمال هذا السياق عند الحديث عن مضيق تيران وجزيرتيه، اللتين تقعان تحت بند «ج» في معاهدة كامب ديفيد للسلام، وربط ذلك السياق بالتصريح السعودي رفيع المستوى عن احترام اتفاقية كامب ديفيد، على لسان عادل الجبير وزير الخارجية، وأيضًا ربطه بما نشرته جريدة الأهرام، أكبر الصحف المصرية الحكومية، من وجود تنسيق بين ثلاثي القاهرة وتل أبيب والرياض، بخصوص إطلاع تل أبيب على مستجدات الوضع وتفاصيل الاتفاقية، وبخصوص تعديل اتفاقية كامب ديفيد بناءً على عودة الجزيرتين للمملكة، ما يعنيه هذا من تعديل الاتفاقية وضم الرياض لها، ما يبدو وأنه الهدف الأساسي بالغ الأهمية من اتفاقية ترسيم الحدود بين القاهرة والرياض، وأن المملكة ستصبح جزءًا رسميًّا من معاهدة كامب ديفيد، أهم معاهدة شرق أوسطية.

في فهم نقاط المقدمة
يبدو من كل ما سبق، وبتجميع نقاط المقدمة المنفصلة بجوار بعضها البعض، أن الولايات المتحدة اتجهت في السنوات الماضية لخيارين أساسيين: أولهما هو إقامة اتفاقية مع إيران ومحاولة دفعها لتكون حليفًا إقليميًّا جديدًا ومهمًّا لواشنطن، وهو ما حدث بالفعل في شقه الأول فقط، وثانيهما هو رفع قبضتها عن الشرق الأوسط عسكريًّا، خاصةً بعد التدخل الليبي الأخير، الذي لاقى انتقادات عديدة في واشنطن، إلى حد وصفه بـ«إغراق السياسة الأمريكية هناك»، وترك الأمر للمثلث الإقليمي -الذي ذكرناه- ليدير المنطقة بما يناسب مصالحه، وبإشراف ومساعدات لوجستية وسياسية منها، وهو ما يؤكده مارتن شين، أحد أهم خبراء العلاقات الدولية الأمريكية، ونائب رئيس ومدير قسم السياسات الخارجية لمعهد بروكينجز، واسع النفوذ في واشنطن، في تحليله للسياسة الأمريكية في فبراير (شباط) العام الماضي، والمعنون بـ«العودة إلى لعبة الشرق الأوسط العظيمة».

إذًا ترى الولايات المتحدة منذ ثلاثة أعوام وحتى الآن، في طهران حليفًا هامًا، لامتلاكها أوراق القوة في سوريا، وعلاقتها بموسكو في ظل العداء الدبلوماسي التاريخي والمستمر بين الأخيرة وواشنطن، وأيضًا لامتلاكها أوراق القوة للسيطرة على الوضع العراقي ومساعدة الولايات المتحدة في تحجيم داعش، في ظل كل ذلك فإن المملكة لا تنظر بعين الرضا إلى هذا التقارب بالتأكيد، وهي الناظرة إلى طهران بعين الخطر الأكبر على وجودها بالأساس، لذلك تبدو وكأنها تسير وفق خطة طويلة المدى، ومتغيرة، تراعي فيها ابتعاد الولايات المتحدة عنها، أو على الأقل انخفاض درجة التقارب بينهما، وفي نفس الوقت تشكل حسبها محورًا تقوده في مواجهة الهيمنة الإيرانية.

لأجل ذلك ربما كان السعي السعودي للانضمام لكامب ديفيد في غاية الأهمية، فمن ناحية ستحصل المملكة، التي لا تتمتع بعلاقات دبلوماسية رسمية مع تل أبيب، على ذريعة ممتازة للتعاون المتواصل معها، تحت غطاء التنسيق الأمني في خليج العقبة وصولًا إلى مضيق تيران، ومن ناحية أخرى فإن إسرائيل تبدو الطرف الإقليمي الوحيد، الذي يمتلك أوراق ضغط على واشنطن، وتأثيرًا نافذًا في توجهاتها السياسية، والأوراق التي تريدها المملكة هي تأثير تل أبيب في توجهات الولايات المتحدة ناحية طهران، ويمكننا رؤية ذلك في نفي أغلب طبقات السياسة الفاعلة العليا، في واشنطن، لأي ضرر ستلقيه الاتفاقية الأمريكية الإيرانية على تل أبيب، وأن أمنها يأتي دائمًا في المقام الأول.

في هذا الوقت أتت أيضًا زيارة سلمان بن عبد العزيز للقاهرة، وهي الأولى منذ توليه العرش، لتجلب معها استثمارات ضخمة للنظام المصري الحاكم، الذي يعاني تراجعًا على كل المستويات، من ضمن هذه الاستثمارات، وبحسب ما أورد موقع «ديبكا» الاستخباراتي الإسرائيلي، عن طريق مصادر عسكرية واستخباراتية، مبلغًا يقدر بـ1.5 مليار دولار، وضع تحت بند «تنمية سيناء».

يكمل الموقع في تقريره، موضحًا أن مليار دولار من المبلغ، سيتم تخصيصها لمحاولة استمالة 13 شيخًا من زعماء قبائل شبه جزيرة سيناء، والذين يساعدون تنظيم ولاية سيناء بالعتاد والمقاتلين والإيواء، فضلًا عن ذهاب جزء من المبلغ أيضًا إلى رفع كفاءة القوات المصرية، العاملة في سيناء من الناحية التكنولوجية، وشراء معدات إلكترونية بالغة الحداثة، تساعدها في السيطرة على الأوضاع هناك في مواجهة التنظيم، ما يعنيه كل ذلك من رؤية المملكة لخطر تنظيم ولاية سيناء المتجاوز للحدود المصرية.

إذًا يبدو المحور الأمني الإقليمي الجديد ناجحًا، في تكونه البطيء والمنتظم، حتى الآن، تقارب سعودي مصري يتمثل في مؤازرة المملكة لاقتصاد القاهرة، فضلًا عن تمويل صفقات هامة للبحرية المصرية لتلعب دورًا أكثر فاعلية بكثير في البحر الأحمر، المنطقة الأهم حاليًا في الشرق الأوسط، والتدخل في الوضع السينائي بالطبع، وتقارب مصري حمساوي برعاية سعودية لخلع حماس من تأييد طهران أو التحالف معها، وتقارب سعودي إسرائيلي في الأفق، سيوثق رسميًّا إن وافق الكنيست الإسرائيلي على تعديل الاتفاقية التاريخية وضم المملكة لها، تقاربات تشكل مشهدًا قد يبدو واضحًا للناظر المدقق، عناصره مثلث أمني جديد من نوعه سيلعب الدور الأمريكي السابق كشرطي المنطقة.
نقلا عن ساسة بوست


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع