بقلم: مفيد فوزي | الجمعة ١٥ ابريل ٢٠١٦ -
٠٥:
١٠ م +02:00 EET
مفيد فوزي
1
أهرب بقلمى من الصداع النصفى حول الجزيرتين (تيران وصنافير)
وهل تحملان الهوية المصرية أم الهوية السعودية؟!!
ومادمنا نملك ترف الوقت وانتهينا من حلول مشاكلنا، فما المانع من الثرثرة فوق الورق وفوق الشاشات حول ملكية «تيرا ونافير» على سبيل الدلع؟ أهرب من هذا الهراء الدائر بين فريقين أحدهما يؤكد أن الملكية للجانب السعودى دون الاستعانة بـ«صديق» هو الدكتور البرادعى(!) والفريق الثانى يرشق مسماراً في العلاقات المصرية السعودية ولا يسعده ازدهارها على النحو الذي شاهدناه ولمسناه. تلك هي خلاصة (الليلة)، وهذه يومياتى.
2
كان د.يوسف إدريس إحدى العبقريات المصرية القذيفة يقول «يا من سوف تتزوجين فنانا، كاتبا أو رساما، فإن نصف حياتك سعادة والنصف الآخر تعاسة» في نفس السياق سألت- بالعدسات- رجاء زوجة (البركان) يوسف إدريس عن رأيها في هذه المقولة، فقالت بتعقل شديد (لا أستطيع أن أقول) عن النصف الآخر من الحياة تعاسة، إنما هو تنغيص والتنغيص مشاعر ضيق مؤقتة قابلة للتبخر بعد قليل بكلمه لها طعم وردة أو لمسة بطعم كف صديق. أما التعاسة فهى ألم مقيم في الصدور والقلوب. وعندما رحل يوسف إدريس كانت رجاء هي (الأب والأم).. أتذكر مقولة لها في إحد حواراتنا الهاتفية (فراغ ما بعد يوسف كالبحر يبلع كل شىء). حاولت رجاء أن تسد فجوة الفراغ، فانهملت في صنع ربطات عنق للرجال بتصميماتها وذوقها الخاص ثم اكتشفت بعد قليل أن ربطة العنق ما عادت ضرورية وأن «الكاجوال» يسيطر على المزاج العام فأوقفت المشروع. ذات مرة فاجأتنى بعرض من (قناة فضائية أن تقوم رجاء بتقديم أحد البرامج الأدبية) وسألتها: وماذا كان ردك؟ قالت رجاء اعتذرت تماماً، وقلت لست مؤهلة مطلقا لهذا الدور! وقلت لرجاء: إنهم يريدون استثمار اسم يوسف إدريس وحسناً ما فعلت.
تمر الأيام وأصحو على تليفون من رجاء يوسف إدريس كما أسميها تدعونى لمعرض خاص بالحلى باعتباره سيد إكسسوارات المرأة. فين؟ هكذا سألتها. فقالت: في بيت صديقتنا المشتركة لوتس العتيقى وإن كان يحلو لها اسمها (لوتس عبدالكريم) ولوتس أديبة من طراز خاص وذاكرتها هي المداد والحبر الذي تغرس فيه قلمها وتميط اللثام عن خفايا لا يعرفها الناس، وبيت لوتس يحمل شخصية الصالون، وكم شهد صالون لوتس الأدبى من شخصيات مرموقة تكلمت وأفاضت وأثرت الحوارات الفكرية التي غابت.
المهم احتضنت لوتس معرض حلى رجاء يوسف إدريس، وكانت نسمة يوسف إدريس وسامح يوسف إدريس مجدافى قارب رجاء في بحر الحياة المتلاطم بجوارها، ومجموعة منتقاة من الهوانم يفحصن الحلى الأنيق الذي سهرت فيه رجاء الليالى الطويلة، وجاء يتمخطر وينام على قطيفة حمراء. على كل قطعة حلى ثمنها، فلا مجال للفصال في تلك النوعية من أسلحة حواء في معركتها مع آدم، تقف السيدات الفضليات أمام قطع الحلى ويفحصن كل قطعة على حدة.
أما أنا فألقيت نظرة سريعة بقليل من التأمل، حيث إنى أجهل مفردات هذا العالم. في تلك الأثناء كنت محاطا بمشاعر «أحمد الشهاوى» وروائية خطفتها الصحافة (نوال مصطفى). الشهاوى الشاعر المسافر دوما ورصانة قصائده لها مذاق مختلف عن شعراء جيله، وكتبه النثرية لها مكانة في المكتبة العربية. ونوال روائية مخلصة للرواية بلا شك ولا لمبات نيون. ولا صلات عائلية، وقد حجبت هذه العوامل المساعدة فكر نوال عن الظهور، وكان من الممكن أن تصاغ دراميا روايتها «الزمن الأخير». وآخر إنتاج لنوال هو مجموعتها القصصية «جزء منى» والحقيقة أن كل ما تكتبه نوال هو جزء منها لا ينفصل عنها..!
قطع الحلى التي صاغتها بأصابعها رجاء زوجة عبقرية مصر يوسف إدريس لا تزال تشد العيون. عيون النساء والرجال أحياناً!
3
كلمات من القلب محلاة بالصدق استغرقت ثوانى استطاعت أن تفك الضفائر المشتبكة. كنت قد أخطات في حقها. لم أعطها قدرها. كنت ضحية لحظة لهاث فلم أتوقف أمام اسمها، ولما هرولت كان الأمر كرصاصة انطلقت ومحال أن تعود وهكذا الكلمة المطبوعة والكلمة المرئية على الهواء. أما هي فقد غضبت غضب امرأة، كرامتها قبل قبل حبها. غضبت وصمتت. ما أقسى صمت امرأة غاضبة لكرامتها ولا تمنحنى ترف العتاب. احتوانى الصمت مثلها وجلست أفكر هل يمكن أن تسقط علاقة متينة من الاحترام والتقدير المتبادل في فخ سوء القصد؟ تعودت الاعتراف بالخطأ دون مقاوحة أو تكبر. كنا نرى بعضنا في مناسبات كثيرة فيحدث تجاهلها الجارح، لكنها كانت على حق. أنا أقدرها من زمن طويل ولا يعقل أن تذهب هذه الصداقة مع الريح وكأنها لم تكن. كم سنة أحتاجها لعلاقة جديدة مثلها. وكم يبقى من العمر لنشوء علاقة صداقه لها نفس المعزة والاحترام والتقدير. قررت الاتصال الهاتفى بها، ولكنى خشيت من رد فعلها الخشن. قررت حين ألقاها وجهاً لوجه أن أذهب برجولة إليها وأعتذر لها. العمر لا يسمح بالتأجيل ولأنى أثق في رصانتها كامرأة. ما كدت أراها في مناسبة اجتماعية جمعتنا في مكان واحد حتى قررت إنهاء حالة (الفتور) بينى وبينها. فذهبت إليها كالسهم المشدود وقدمت لها (أوراق اعتمادى) صديقا. وبعد دقيقتى عتاب ابتسمت وقبلت أوراق اعتمادى وفرحت أنا بعودة صداقة نادرة عصبها التقدير المتبادل بين أبناء مهنة الحرف والكلمة. وابتسمت هي بعد طول تكشيرة. وهكذا ذاب الخصام الذي استغرق عاما ونصف العام بين الجميلة الذكية القديرة «مها عبدالفتاح» إذ تقابلنا على ناصية «السماحة» في شارع «الود» ميدان «القلب الأبيض».
4
لا أدرى ما سر هذا الفنان «عمر خيرت»؟
يتقاتل الناس لحجز تذكرة لدخول الأوبرا للاستماع إليه. وعمر خيرت ليس مطربا ولكنه يشدو بموسيقاه. وعمر خيرت لا يقف على مسرح الأوبرا الكبير ليطربنا، بيد أنه يطربنا بموسيقاه. لدرجة أن الناس تصفق له بمجرد أن يبدأ في أول «حركة» موسيقية وكأنه سيبدأ بعد المقدمة في الغناء! حفلة في الأوبرا لموسيقار وفرقته الموسيقية المتميزة (من الوتريات إلى الهارب إلى الطبول إلى نسومة عبدالعزيز مرورا بالبيانو آلة الأستاذ عمر خيرت) لها كل هذه الجاذبية وهذا الحشد وهذه الطبقة من المجتمع التي تبحث عن متعة الموسيقى ومباهجها أكثر من الطرب؟ ما سر هذا الفتى؟ لقد كان الناس، ليلة أن قضيت سهرتى عنده في الأوبرا يطالبون بالإعادة لمقطوعة موسيقية عزفتها الفرقة. أحيانا كانوا يصفقون ع الواحدة في بعض الألحان. ومثلما يطلب الجمهور من المطرب أغانى محددة، يطلب جمهور الأوبرا من عمر خيرت أن يعزف لهم بعض المقطوعات. الغريب أن الناس كانت تتمايل مع العزف. تذكرت فرقة الموسيقى العربية والإقبال الجماهيرى آنذاك. هاهو عمر خيرت ونجومه الذين يقدمهم (نفر نفر) ويطلب من بعض المهارات الفريدة أن نسمع عزفهم على انفراد ونصفق لهم بحرارة. الجمهور فيه سمات الرقى ولم أسمع كلمة واحدة تخدش الحياء ولا عبارة نابية قصد بها التهليل. جمهور احترت في تفسيره. ومازال المصريون في حاجة قومية وعلمية إلى تفسير ذوقه واتجاهاته.. نعم إنه أمر محير.
نقلا عن المصرى اليوم