بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (582)
استغرقتني قضية المواريث في لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين طوال أربع حلقات من ملف الأمور المسكوت عنها, وإذا كنت أتعرض اليوم لقضية أخري لا تقل عنها أهمية فذلك لا يعني أن اهتمامي بقضية المواريث قد فتر أو أسدل الستار عنها, فأنا حريص أشد الحرص علي إبقاء المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث ضمن أولويات العمل القبطي -بل والعمل الوطني أيضا- إلي أن تتحقق وتحتسب في عداد الإنجازات التاريخية علي مسار مصر الدولة المدنية الحديثة.
اليوم أفتح ملف قانون بناء الكنائس الذي عاني الأقباط طويلا… طويلا… من جراء غيابه عن المنظومة التشريعية التي تتحكم في دور عبادتهم… وتلك قصة مؤسفة مريرة ترجع جذورها إلي القرن التاسع عشر حين كانت مصر ولاية تابعة للباب العالي العثماني والخط الهمايوني الذي صدر عنه (عام 1856) مرورا بقرار الشروط العشرة المذلة المهينة لوكيل وزارة الداخلية آنذاك (1934) محمد العزبي باشا, وانتهاء بتسلط السلطة الأمنية علي كل ما يتصل ببناء وتدعيم وترميم وهدم وتوسعة الكنائس -وهو الواقع البائس الذي ألقي ظلاله الكئيبة علي حرية ممارسة الأقباط لعبادتهم طوال العقود الستة الأخيرة ولم يكن يفقه ذلا سوي تمسك رئيس الجمهورية بسلطته في إصدار قرارات جمهورية للموافقة علي بناء كنيسة جديدة, وهي السلطة التي اقتصرت علي الكنائس دون المساجد في ضربة موجعة ومخجلة للدساتير المتعاقبة قبل صدور دستورنا الأخير الذي أقره الشعب في .2013
وجاء الفرج في دستور 2013 الذي ينص في المادة رقم (235) من باب الأحكام العامة والانتقالية علي الآتي: يصدر مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية… وبناء عليه فإن الأقباط بنفس القدر من الاهتمام الذي يتوقون فيه لصدور لائحة الأحوال الشخصية الخاصة بهم, يتطلعون إلي صدور قانون تنظيم بناء الكنائس ليضع الضوابط والحدود والحقوق والحريات التي يتبعونها دون الوقوع تحت طائلة أي سلطة غاشمة أمنية كانت أو حكومية أو حتي رئاسية.
إذا وكما نقول في حديثنا الدارج أصبحت الكرة في ملعب مجلس النواب, الذي وجب عليه الوفاء بمتطلبات الدستور وعلي الأخص ما تم النص علي إدراكه في دور الانعقاد الأول له -أي أن المجلس في ذلك لا يملك ترف الوقت- فبالرغم من أن مدة عضوية أعضاء المجلس خمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له (المادة 106 من الدستور) وهي تنقسم إلي خمسة أدوار انعقاد أو خمس دورات برلمانية متعاقبة تفصلها عطلات برلمانية, إلا أن الدستور ألزم المجلس بإنجاز قانون بناء الكنائس في أول دور انعقاد له… ذلك قد يكون مدعاة للارتياح للوهلة الأولي, لكن المتابع للأشهر المنصرمة منذ بدء انعقاد جلسات البرلمان والوقت الذي اقتضاه إنجاز الترتيبات التمهيدية لتكوينه وتشكيل لجانه وجلسات مناقشة واعتماد القرارات الجمهورية التي صدرت في غيبته ودراسة وصياغة لائحته الداخلية التي تحدد آليات عمله, وأخيرا انشغاله بدراسة بيان الحكومة وخطة عملها… أقول المتابع لذلك كله لن ينجو من القلق والتوجس بشأن قدرة المجلس علي إنجاز الأعباء التشريعية التي أسندها إليه الدستور في دور الانعقاد الأول, وطبعا يجئ ضمنها قانون بناء الكنائس.
صحيح أن الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب صرح في وقت سابق أن المجلس مثقل بأعباء تشريعية قد تستلزم إلغاء العطلة البرلمانية بين دوري الانعقاد الأول والثاني -وهي العطلة التي كانت تحل في أشهر يوليو/ أغسطس/ سبتمبر في المعتاد- لكن من العسير التسليم بإلغاء هذه العطلة لأنه من العسير تصور قدرة أعضاء مجلس النواب علي مواصلة الجهد المضني المناط بهم في أدوارهم ومسئولياتهم البرلمانية علي مدي دورتين دون عطلة للراحة والتقاط الأنفاس.
لذلك تتعلق الآمال الآن بأطراف ثلاثة يقع عليها عبء إنجاز قانون بناء الكنائس حتي لا ندخل في مأزق دستوري إذا لم يتم الانتهاء منه في دور الانعقاد الأول لمجلس النواب… الكنيسة أولا المسئولة عن الانتهاء من الاتفاق مع الحكومة علي تفاصيل مواد القانون وصياغته النهائية, ثم الحكومة المسئولة عن وضع القانون في صيغته التشريعية الملائمة للتقدم به ضمن أجندتها التشريعية للمجلس, وأخيرا المجلس نفسه الذي يتحمل العبء الأكبر في دراسة القانون ومناقشة مواده والاستقرار عليها وتشريعها.
هل يحمل لنا المستقبل القريب خلال الأشهر القليلة القادمة بوادر ميلاد قانون بناء الكنائس وخروجه إلي النور بكل مدلولاته التاريخية في المساواة التشريعية بين المصريين في بناء دور عبادتهم؟… أم تنتظرنا مفاجأة تحول دون تحقيق ذلك؟!!.
نقلا عن وطنى