ميشيل حنا الحاج
هذا مجرد سؤال أو تساؤل، يقتضيه ويستدرجه ما نسمع به تدريجيا، يوما بعد آخر، عن بعض تصرفات الرئيس التركي أردوغان الغريبة العجيبة، والتي بلغت حد ملاحقة أجهزته، وأحيانا قيامه شخصيا، بمراقبة ما يكتب عنه منتقدا له ولسلوكه، وملاحقته بنفسه أحيانا... كما حدث في قضية الاعلامي الألماني الساخر الذي انتقده في أحد برامجه، فطلب أردوغان شخصيا من المستشارة ميركل أن تعتذر عما كتبه ذاك المعلق الألماني ساخرا منه.
وتقول الأنباء أيضا، أن القنصلية التركية في لاهاي في هولندا، كما ورد في تقرير على قناة روسيا اليوم، عممت على كل المواطنين الأتراك، أو المواطنين الهولنديين من أصل تركي، بضرورة ابلاغها بكل ما يكتب عن أردوغان منتقدة له أو ساخرة منه، سواء نشر ذلك على صفحات الفيسبوك، أو على تويتر، بل وورد في بريد اليكتروني شخصي. وعندما سئل القنصل التركي عن السبب في ذلك، قال أنه مجرد وضع جرد لما يكتب عنا. لكن الطلب التركي لم يشمل تزويده بما يكتب مشيدا بتركيا أو بأردوغان، بل بالانتقادات فحسب الموجهة لتركيا أو لرئيسها الذي أعلن حربا واضحة على المعارضة في تركيا، أدت الى أغلاق احدى صحف المعارضة الرئيسية، كما بدأ يعد تشريعا لتحديد مفهوم جديد للارهاب، يرجح أن يتضمن كون انتقاده شخصيا هو نوع من الارهاب. فالارهاب لن يتوقف لدى من يطلق النار ضد حكومة أردوغان، بل أيضا من يطلق الكلمة منتقدة له ولعظمته التي ربما...وأركز على ربما، بدأت تضع أقدامها على الدرجة الأولى من سلم جنون العظمة كهتلر ونيرون من قبله.
والنهج التركي الأردوغاني الساعي لكم الأفواه، قد بات واضحا وضوح القمر في يومه الرابع عشر، مما اضطر العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية المعنية بالحفاظ على حقوق الانسان، وعلى حرية الرأي والقول والكتابة، الى انتقاد الرئيس الأوردوغاني منوهة بتوجهه نحو الديكتاتورية...بل واضطر الرئيس الأميركي باراك أوباما لأن يعلن شخصيا عن قلقه من الجنوح التركي لكم الأفواه، والحد من حرية الرأي الذي يشكل نقطة هامة في التعديل الأول للدستور الأميركي، الذي ضمن حرية الفكر والقول والكتابة والنشر.
فهل يسعى الرئيس أردوغان، لأن يفتح على نفسه جبهة أخرى من الأعداء، يضيفها الى قائمة من استفزهم وحاربهم، فباتوا أعداء له بعد أن كان بعضهم في مرحلة ما من الأصدقاء بل ومن الحلفاء كعبد الله غولان الذي ساعد أردوغان باعتباره حليفا له، على الوصول الى السلطة، واذا بأردوغان يعلن الحرب عليه لمجرد أن "غولان" قد حذره من الانجراف نحو الديكتاتورية؟
ولكن "غولان" لم يكن الجهة الوحيدة التي حظيت بعداء الرئيس التركي لها. فسوريا، الجارة لتركيا، كانت أيضا موضع عداء غير مبرر من تركيا، عندما فتحت حدودها أمام دخول الأسلحة والمقاتلين الى سوريا، ليشعل بالتعاون مع دولة قطر (بداية)، حربا غير مبررة ضد الشعب السوري وضد النظام القائم فيه، رغم أن الضحية التي عانت الخسارة الكبرى والحقيقية، كانت الشعب السوري البريء الذي فقد ربع مليون شهيد، وعانى أكثر من ثمانية ملايين مشرد ولاجىء.
ولم يكن غولان أو سوريا، هما الوحيدان اللذان حظيا بالعداء الأردوغاني لهما. فالولايات المتحدة قد واجهت سلوكا أردوغانيا متعارضا مع التوجهات السياسية الأميركية في كيفية التعامل مع القضية السورية. فهي لم تأذن للأميركيين باستخدام قاعدة أنجرليك في تركيا، لتنفيذ ضربات أميركية جوية ضد الدولة الاسلامية التي كانت في نهايات عام 2014 تحاصر مدينة كوباني ذات الأغلبية الكردية. وساهمت أيضا في احباط محاولات أميركية لارسال السلاح والمقاتلين الموالين لها والمنضوين تحت جناح ما يسمى بجيش سوريا الديمقراطي المكون من غالبية كردية، بأن سربت معلومات ومواعيد مرورهم عبر الحدود التركية الى سوريا... لجبهة النصرة، التي أعدت كمائن لهم، فقتلت عددا منهم، وأسرت آخرين، كما صادرت الأسلحة الأميركية المرسلة لذاك الجيش الوليد. وهذا اضطر الولايات المتحدة لتوسيع مدرج مطار في المنطقة الكردية، من 700 مثر ليصبح امتداده 1300 متر كافية لاستقبال الطائرات الكبيرة التي تتوجه أميركا الآن لاستخدامه (أي ذاك المطار) في ارسال المقاتلين والأسلحة لجيس سوريا الديمقراطي.
وغالبا ما أطلق أردوغان الذي اشترى النفط من الدولة الاسلامية، الوعود للأميركيين الراغبين في التوصل الى حل سلمي للقضية السورية، ووضع حد للاقتتال في ذاك القطر الذي نكب بالعداء الأردوغاني... وعودا باغلاق الحدود التركية في وجه الأسلحة والمسلحين الذين يساهمون في تأجيج تلك الأزمة، ولكن تركيا على أرض الواقع، لم تفعل ذلك بشكل جدي، وبقيت مواقع في تلك الحدود مفتوحة لمرورهم. وذكرت الأنباء يوم أمس، أن الفا واربعمائة مقاتل، قد عبروا الحدود فعلا في الأيام الأخيرة، لمؤازرة المقاتلين من الدولة الاسلامية وجبهة النصرة، في معركتهما الساعية للاحتفاظ بمواقعهما في مدينة حلب وأريافها، علما أن الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده، تقوم بمقاتلة الدولة الاسلامية، وباتت الآن تقاتل جبهة النصرة بعد أن رفض أميرها أبو محمد الجولاني، فك ارتباطه بتنظيم القاعدة التي تقاتلها الولايات المتحدة في أفغانستان أيضا.
ولم يكتف أردوغان بالسعي لاكتساب عداء "غولان" وسوريا والولايات المتحدة، اذ فتح على نفسه باب العداء مع روسيا أيضا،عندما أسقط طائرة روسية أثناء تحليقها داخل الأجواء السورية، كما أكدت موسكو أكثر من مرة. وهذا أدى الى فرض عقوبات روسية مالية، اقتصادية وسياحية على الجمهورية التركية، وقاد الى تصعيد التوتر بين الدولتين.
وأضاف الى كل هؤلاء، استفزازه لأكراد تركيا، برفضه منحهم الحد الأدنى من حقوقهم القومية، مما اضطرهم الى العودة لحمل السلاح ضد تركيا، وتنفيذ عدة عمليات تفجيرية في أنقرة وفي اسطنبول، رافقها أيضا - ربما من باب الصدفة، أو نتيجة خلاف مع الدولة الاسلامية التي كان أردوغان أول من رعاها، تفجيرات انتحارية نفذتها الدولة الاسلامية في بعض المدن التركية.
أضف الى ذلك، ودون تناسي عداء أردوغان لمصر منذ عزل الرئيس محمد مرسي ... استفزازه لدول أوروبا، بفتح موانئه لمرور اللاجئين السوريين وغيرهم الى الموانىء الأوروبية وخصوصا اليونانية منها. فتدفق اللاجئين على دول أوروبا، أفرز أزمة غير متوقعة في أوروبا أثارت الخلافات بين الدول الأعضاء وكادت تهدد بالغاء نظام التأشيرة الأوروبية المشتركة المسماة "شنغن"، واضطرها للدخول في مفاوضات مع تركيا بغية الحد من تدفق اللاجئين عبر الموانىء التركية، والموافقة التركية على استعادة بعضهم...لكن مقابل وعود حصلها نتيجة الابتزاز، بزيادة الدعم المالي الأوروبي لتركيا من ثلاثة مليارات الى ستة مليارت، اضافة الى اصراره على موافقة الدول الأوروبية على عبور المواطنين الأتراك الى الدول الأوروبية دون حاجة الى تأشيرة دخول لتلك الدول.
وها هو الآن يفتح جبهة أخرى على شخصه، جبهة المنظمات والهيئات المعنية بحرية الرأي، وذلك بمعاداته لكل من ينتقده في كتاباته، سواء كان ذلك في مقال أو قصيدة أو في خطاب سياسي أو برنامج تليفزيوني.، مما يذكر بالأسلوب الذي انتهجه هتلر منذ توليه موقع المستشار في ألمانيا، وتدرج بعده نحو مزيد من كم الأفواه والحد من حرية الرأي، ومن ثم نحو تصفية المعارضة تصفية كلية، منتهيا الى نظام ديكتاتوري أفرز حربا دولية حصدت أرواح قرابة التسعين مليون انسان.
فهل يسعى الرئيس أردوغان الى الوصول الى هذه المرحلة من السيطرة التامة، علما أن كل تصريحاته وسلوكه تناقض البنود في الدستور التركي الحالي التي تحدد للرئيس التركي، كما هي في الدستور السائد الى الآن، مجرد دور بروتوكولي، تماما كملكة بريطانيا، ولا تأذن له بالادلاء بتصريحات أو اتخاذ القرارات، فتلك هي صلاحيات رئيس الوزراء فحسب، ولا دور لرئيس الجمهورية فيها.
وقد راعى سلف أردوغان في رئاسة الجمهورية التركية (اعتقد أن اسمه عبد الله غول) عندما كان أردوغان رئيسا للوزراء على مدى ثماني سنوات، حدود تلك الصلاحيات، ونادرا ما أدلى بتصريح ما، تاركا كل الصلاحيات لرئيس الوزراء كما تقتضي بنود الدستور التركي الحالي. ولكن منذ تسلم أردوغان رئاسة الجمهورية وتخلى عن رئاسة الوزراء مضطرا لرئيس الوزراء الحالي (غول)، ظل هو الذي يدلي بتلك التصريحات مهمشا بعض الشيء من دور رئيس الوزراء الجديد، وممارسا عمليا صلاحيات رئيس الجمهورية المحدودة جدا وصلاحيات رئيس الوزراء الواسعة ومنها الادلاء بالتصريحات واتخاذ القرارات، رغم أنه في ذلك يخالف نصوص الدستور الحالي مخالفة واضحة. ومن أجل ذلك، يحاول أردوغان الآن اصدار دستور جديد يخول رئيس الجمهورية معظم الصلاحيات، أي محولا النظام في تركيا الى نظام رئاسي، وذلك نظرا لطبيعته الدكتاتورية التي لا تتقبل تقاسم النفوذ والصلاحيات مع أحد...حتى مع رئيس وزرائه. لكن الى أن يصدر دستور جديد ويباركه الشعب عبر استفتاء شعبي، يظل أردوغان متجاوزا لصلاحياته الدستورية، مؤكدا كونه الواحد الأحد صاحب القول الأول والأخير في شؤون تركيا التي سجلها على اسمه مالكا لها، شاء من شاء وأبى من أبى، مع الاعتذار للرئيس المرحوم أبو عمار.
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين، ومجموعات أخرى