بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها583
قلبي علي مجلس النواب المثقل بالمهام البرلمانية المتزايدة المتسارعة الضاغطة…فبينما كنت أكتب الأسبوع الماضي عنقانون بناء الكنائس والالتزام الدستوري بنظره وإصداره في أول دور انعقاد للمجلس,ذلك وسط استغراق المجلس في مناقشة بيان الحكومة الذي لم ينته منه حتي تاريخه,إذ تباغتنا قضية جزيرتيتيران وصنافيرالتي اختطفت الأمة ومزقتها وبات عبء الفصل فيها علي البرلمان عندما تعرض عليه الاتفاقية الموقعة بين مصر والسعودية لإعادة الجزيرتين إلي السعودية وذلك لتصديق البرلمان عليها.
علي المستوي الوطني يجب أن نعترف أن هناك أولويات ضاغطة لايمكن لمجلس النواب التنصل منها,وتتراجع أمامها أولويات أخري يمكنها أن تنتظر مثلقانون بناء الكنائسومثللائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين… ويجب أن نعترف أن أحداث الأسبوعين الماضيين منذ زيارة الملك سلمان عاهل المملكة السعودية لمصر باتت هي الضرورة الملحة التي يتوجب نظرها والفصل فيها لتستعيد مصر اتزانها وهدوءها واستقرارها.
أتناول اليوم قضية جزيرتيتيرانوصنافيرمتأخرا عن الكثيرين الذين سبقوا وأدلوا بدلوهم فيها-لكني لم أكنت أبدا مندفعا للسبق بقدر حرصي علي الفحص-والآن أقول بقدر كبير من القلق والاهتمام إن القضية تركت لتدخل دائرة الشد والجذب بين فريقين كل منهما يزعم امتلاكه للحقيقة وللوطنية دون غيره!!…وفي معرض تصارع الفريقين للفصل في القضية تهاوت معايير كثيرة ما كان لها أن تتهاوي وذلك يحزنني كثيرا لأن ذخيرة الثوابت الوطنية لايستقيم أن تنهار وتتداعي أمام التشدق بالغيرة علي مصر وترابها وأرضها وعرضها.
قضية جزيرتيتيرانوصنافيرلم تزعجني البتة,وظللت أقول لكل من سألني عن موقفي منها:لست أعرف, فتلك قضية تحسمها الوثائق والمستندات والتاريخ والجغرافيا,وينبغي علي كل منا التزام الهدوء والانضباط لتوفير المناخ الملائم للفحص والدراسة والتدقيق بدلا من ادعاء الوطنية واستنفار المشاعر نحو الذود عن تراب الوطن(!!).
لكن للأسف الشديد-وبمساعدة شريرة من إعلان أهوج ومن شيطان مواقع التواصل الاجتماعي-ظهرت في مصر شريحة من مواطنيها قبلت بمنتهي البساطة أن تسحب الثقة من القيادة السياسية ومن أجهزة الدولة ومن جيش مصر العظيم ومن جهاز مخابراتها ومن خبرائها القانونيين والعسكريين والتاريخيين والدبلوماسيين…قبلت أن تسحب الثقة منهم كلهم ولا تستحي أن تتهمهم بالضلوع في مؤامرة للتفريط في تراب الوطن أمام ما أسمته تلك الشريحةثمن مدفوع في إطار زيارة ملك السعودية لمصر…وأقول بكل أسي لهؤلاء:بئس هذه الثقة التي سرعان ما تتداعي وتنهار أمام أول اختبار تتعرض له…مابالكم فجأة تكفرون برئيس جمهوريتنا والأجهزة المعاونة له؟…مابالكم فجأة تشكون في نزاهة وكرامة جيش مصر العظيم؟…مابالكم فجأة تزيحون جانبا الوثائق والأدلة والقرائن وتستعيضون عنها بنظرية المؤامرة والزعيق والصراخ وادعاء الذود عن تراب الوطن؟!!!…إن أردتم الفحص والتدقيق فذلك حق لكل مواطن والمسار الدستوري يكفل ذلك من خلال ضرورة تصديق البرلمان علي اتفاقية إعادة الجزيرتين للسعودية,لكن اجتياح الانفعال والعصبية وهستيريا الوطنية المزعومة وتكفير الآخرين ذلك أمر بغيض وكئيب.
ووسط كل هذا التشنج والانفلات ألا يليق بنا أن نترك الباب مواربا لكافة الاحتمالات؟…ماذا لو ثبت بالوثائق والدلائل والبراهين أن الجزيرتين تتبعان السعودية وأنهما تحت الإدارة المصرية منذ زمن طويل لأسباب عسكرية وأمنية؟…ألا تمتلك مصر الأصالة الحضارية والأمانة الوطنية التي تفرض عليها رد العهدة لأصحابها متي طالبوا بها؟…هل ادعاء الوطنية والحرص علي تراب مصر مقصور علي عدم التفريط في أي شبر منها حتي لو كان تابعا للغير؟!!…أليس ذلك استيلاء علي ما ليس لنا واغتصابا لحقوق آخرين ائتمنونا عليها؟…هل يليق ذلك بكرامة مصرنا العظيمة؟…إذا كنا بكل نزاهة وكرامة أرجعنا قطاع غزة لأصحابه الفلسطينيين بعد انتهاء سبب إدارتنا له,ماذا يمنعنا من إرجاع الجزيرتين للسعودية بعد زوال سبب ائتمان السعودية لنا لحمايتهما وإدارتهما؟.
لست أشك أبدا في أن الإدارة المصرية تعاملت مع ملف تيران وصنافير بكل أمانة وموضوعية وعقلانية ووطنية عادلة…لكن إلي أن تحسم القضية في البرلمان دعونا نعترف أننا ندفع ضريبة حرية وليدة في الشارع- مخاض 25 يناير و30 يونية-ما تزال في طور المراهقة وعلينا أن نحتويها ونحتضنها حتي تنضج وتشب عن الطوق!!
نقلا عن وطنى