الأقباط متحدون - مظاهرات مصر لاستعادة الجزيرتين أم لاحلال الفوضى ورئيس آخر هو السادس خلال ست سنوات
أخر تحديث ٠٧:٢٢ | الثلاثاء ٢٦ ابريل ٢٠١٦ | ١٨برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩١٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

مظاهرات مصر لاستعادة الجزيرتين أم لاحلال الفوضى ورئيس آخر هو السادس خلال ست سنوات

ميشيل حنا الحاج
يسعى البعض في مصر الى تجديد مرحلة المظاهرات التي باتت مرضا مصريا يعجز الشعب المصري عن التخلص منه، بذريعة الاحتجاج على (بيع عواد أرضه)، أي ما وصف ببيع الجزيرتين: صنافير وتيران.  ويقود تلك المظاهرات ما سمي بالتجمع الشعبي للحفاظ على الأرض.  ورغم وجود أدلة كثيرة على أن الأمر لم يتضمن بيعا أو ما يحزنون، بل كان نتيجة عملية ترسيم للحدود يجري العمل فيها منذ عدة سنوات، أي قبل وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى سدة الرئاسة، فهم يصرون على أن (عواد)  أي السيسي، قد باع أرض مصر.

وأنا لا أستطيع أن أجزم بما اذا كان للسعودية حق في هاتين الجزيرتين، أم كان هناك أي نوع من التنازل المصري للسعودية عنهما. فلست خبيرا في الخرائط وفي قضايا ترسيم الحدود. ولكن استنادا لما كشفه الكثيرون من الخبراء، بما فيهم خليل التفكجي، الخبير المخضرم في شؤون خرائط المنطقة، والذي يمتلك خرائط تعود الى زمن الحكم العثماني ترجح وقوع الجزيرتين ضمن المناطق التابعة للسعودية، وترجح بأن التواجد المصري عليهما كان تواجدا مؤقتا يعود الى بداية النصف الثاني من القرن الماضي، وقد استدعاه ضعف المملكة السعودية مع بداية نشأتها، وعدم تواجد سلاح بحري لديها في تلك المرحلة التي كانت تواجه حروبا بين العرب واسرائيل، مما اضطرها لأن تطلب من القوات المصرية وبحريتها، التواجد في الجزيرتين بغية حمايتهما من سيطرة الطغيان الصهيوني عليهما.

ومع ذلك، فاني أود،  تجنبا للجدل العقيم، أن أسلم مع أولئك المدعين بأن عواد قد باع أرضه، وبأنه كانت هناك عملية بيع فعلية لتلك الأرض. لكني أتساءل عن مضار هذا البيع الذي ربما...وأركز على ربما، قد تم فعلا.

فمصر قد تخلت عن جزيرتين صخريتين لا حياة عليهما ولا سكان فيهما، وربحت في المقابل (ان كانت هناك صفقة فعلا)، عدة صفقات مجدية للاقتصاد المصري، وقادرة على بعث الدماء الحارة للجريان في  جسم مصر، الذي أنهكه الفساد الذي مورس على مدى عقود طويلة، وزاده وهنا التخطيط السيء لانقاذ مصر من مواجهة انهيار تام كادت تقترب منه تدريجيا، خصوصا وقد واجهت مرحلة من عدم الاستقرار السياسي على مدى خمس سنوات، نتيجة تبدل الرؤساء وعدم تواجد قيادة ثابتة في هذا البلد الذي نكب بطفرات واسعة من التراجعات الاقتصادية نتيجة تزايد مطرد وسريع في عدد السكان والمواليد. كما أن البيع لم يكن لدولة معادية كاسرائيل مثلا، بل كان لجار عربي، وقد تم ان كان قد تم حقا، مقابل شيء مجز حقا، ولم يكن تنازلا مجانيا ومقابل لا شيء على الاطلاق.

وهناك في التاريخ العربي الحديث، سوابق كثيرة عن تنازل دول عربية عن جزء من مساحتها لمصلحة دولة عربية مجاورة، وأبرزها تنازل المملكة السعودية في عام 1965، عن 18 كيلومترا في عمق الأراضي السعودية، لمصلحة الجارة المملكة الأردنية، لتمكينها من توسيع مينائها التجاري، وبناء ميناء آخر لسفن نقل المسافرين، اضافة لمساعدة الأردن على انشاء منطقة سياحية وتجمعات سكنية باتت قبلة المستثمرين العرب والأردنيين.

ولم تكن تلك هي السابقة الوحيدة. ذلك أن العراق خلال ثمانينات القرن الماضي، قد تنازل عن جزء من أراضيه بامتداد 70 كيلومتر في عمق الأراضي العراقية، لمصلحة الأردن الذي نقل عندئذ موقع حدوده من الأتش فور الى طريبيل الواقع في الكيلومتر السبعين داخل العمق العراقي، أو الذي كان عراقيا.  وفي كلي السابقتين، التنازل السعودي والتنازل العراقي، لم يتلق أي من البلدين مقابلا لذاك التنازل.  وكل ما طالب به  البلدان المتنازلان عن جزء من أراضيهما، هو تعهد من الأردن بأنه اذا ما ظهر النفط أو الغاز في المنطقتين اللتين ضمتا الى الأردن، أن يتم تقاسم عائداتهما بين البلدين.  وأنا أرجح بأنه مهما كان سبب اعادة الجزيرتين الى السعودية، مهما كان السبب وراء اعادتهما (تنازلا أم ترسيم حدود حقيقي)، بأن بنود  الاتفاق على اعادتهما للسعودية، قد تضمن أيضا تقاسم عائدات النفط والغاز فيهما، ان ظهرا لاحقا، مما يعني أن مصر لم تتخل الا عن مجموعة من الصخور السوداء لا قيمة مادية لهما حتى الآن، بل  هما جزيرتان تفرضان على مصر عبء حمايتهما في حالات الحرب، في ظروف لا تسمح لها اتفاقية كامب ديفيد بممارسة حماية كهذه. 

وهكذا نقلت مصر عمليا عبء حمايتهما من تدخل اسرائيلي، ووضعته على كاهل السعودية التي ستجد نقسها مضطرة للدفاع عنهما، خصوصا بعد أن أكدت قدرتها على خوض المعارك القتالية خلال حرب عاصفة الحزم  التي دخلت عامها الثاني، مما سيحرجها كثيرا (مهما كانت حقيقة سياستها المعلنة أو الخفية تجاه اسرائيل)، وسيضطرها أو يستدرجها لخوض الحرب ضد اسرائيل اذا ما وقعت حرب أخرى كهذه، وستكون عندئذ حربا بالنيابةعن مصر... مغلولة اليدين باتفاقية كامب ديفيد.

وهنا يبدو لي، مهما كانت حقيقة ما حدث، ترسيم حدود أم مجرد صفقة، فان الرئيس المصري قد أنجز على أرض الواقع ما يمكن تسميته ب"ضربة معلم"، ربح منها الكثير، ولم يخسر الا القليل...الا بعض الصخور السوداء غير ذات جدوى، الا كون احدى الجزيرتين تسيطر على ممر حيوي، لا جدوى من السيطرة عليه الا باستخدامه وسيلة  للحد من ابحار السفن والقطع الحربية الاسرائيلية عبره، الأمر الذي باتت مصر مغلولة اليدين في ممارسته نتيجة صفقة كامب ديفيد المشؤومة سابقة الذكر، والتي قيد الرئيس أنور السادات مصر بها.

فهذه المظاهرات الاحتجاجية غير المبررة تبريرا كافيا، لا تتم على أرض الواقع من باب الغيرة على أرض مصر، قدر ما هي في حقيقتها تشكل مسعى خفيا لابقاء مصر في حالة من الفوضى المستمرة والتي تتجدد بين عام وآخر بذريعة أو بأخرى، مما أدى الى جلوس خمسة رؤساء في مقعد القيادة المصرية، وفي فترة زمنية قصيرة هي خمس سنوات، بدءا بالثورة على الرئيس حسني مبارك في عام 2011 التي أدت الى جلوس المشير الطنطاوي في مقعد القيادة المصرية، وتبعه محمد مرسي كرئيس لها لمدة عام، ولم يسقطه عن ذاك المقعد الا ثورة شعبية أخرى هي ثورة 30 يونيو، حيث جلس بعدها في مقعد القيادة المصرية رئيس مؤقت هو كبير القضاة الذي مهد لدستور جديد وانتخابات رئاسية أفرزت وصول المشير عبد الفتاح السيسي الى مقعد الرئاسة.  ولكن ها هي تلك الموجة من التظاهرات، التي تعود للتجدد بذريعة أو بأخرى، وكأني بالشعب المصري لم يعد أمامه من مهمة الا التظاهر واسقاط الرؤساء واحدا بعد آخر.

فاذا كان ثمة مبرر للتمرد على رئاسة محمد مرسي، وهو كونه قد سعى لأخونة البلد واعادتها قرونا الى الوراء، فما هو المبرر للسعي لتجديد موجة أخرى للتظاهر، وهذه المرة ضد الرئيس   السيسي، غير قضية الزعم بتخليه عن جزيرتين صخريتين...أي بكونه بيع للأرض (الأمر الذي لم يثبت بشكل حاسم)، دون التريث للتأكد بما اذا كان بيعا أو نتيجة ترسيم قانوني معتمد دولي للحدود؟   فحتى لوكان تنازلا فعليا عن الأرض، فقد كان تنازلا لدولة شقيقة وليست عدوة، وله سوابق تاريخية مشابهة كسابقتي التازل السعودي والعراقي عن جزء من أراضيهما، لمصلحة دولة جارة شقيقة هي الأردن.

فموجة المظاهرات الجديدة، قد توحي بأن الشعب المصري، بعضه وليس كله، قد بات مصابا بما يشبه بوبأ جديد هو وبأ التظاهر بسبب جدي وبدون سبب.  فالتظاهر ضد الرئيس حسني مبارك، كانت له مبرراته الجدية.  ومثلها التظاهر الجماعي ضد الرئيس المخلوع محمد مرسي.  لكن أين هو السبب أوالباعث الجدي لهذه الموجة الجديدة من التظاهر، غير حب التظاهر لمجرد التظاهر، سعيا لاحراج الرئيس الجديد، ومحاولة اسقاطه قبل أن تتاح له الفرصة الكافية لاستكمال البرنامج الذي طرحه. فكأني بالشعب المصري، بعضه وليس كله، بات مصابا بالرغبة الخبيثة في ايصال رئيس جديد الى مقعد القيادة في مصر... رئيس جديد في كل عام، فرحين بذلك فرحة الطفل ببدلة العيد الجديدة.

مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين، ومجموعات أخرى


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter