علماء آثار إسرائيليون: لا دليل على الخروج الكبير من مصر
لم يجد الباحثون الأثريون أي دليل على الخروج الكبير المذكور في التوراة وتتردد قصته في عيد الفصح العبري، بل حكم المصريون إسرائيل خلال تلك الفترة وهم من غادروا لاحقا بصورة تدريجية.
على العكس من القصة التوراتية حول شعب بني إسرائيل الذي يغادر مصر، فوجهة النظر السائدة بين علماء الآثار مختلفة تماما: كان المصريون القدماء هم من حكموا أرض كنعان، وهم من غادروا أرض إسرائيل وعادوا إلى مصر.
وأوضح الأستاذ بجامعة تل أبيب والخبير الشهير في علم الآثار التوراتي، إسرائيل فينكلشتاين، الخلفية التاريخية للخروج التوراتي وفقاً لما كشفت عنه حملات التنقيب الأثرية، وقال: “في نهايات العصر البرونزي، من القرن الخامس عشر إلى الثاني عشر قبل الميلاد، سيطرت مصر على أرض إسرائيل. بالطبع، بعد حوالي 350 أو 400 عام من الحكم المصري لإسرائيل، وصل التأثر بالثقافة المصرية إلى إسرائيل في مساحات حياتية متنوعة، ثم حدث شيئان مرتبطان بتلك القضية: كان هناك انهيار تام في المراكز المدنية والممالك والإمبراطوريات في الشرق الأوسط القديم، وانسحبت مصر من إسرائيل”.
إسرائيل فينكلشتاين
وفي الفترة التي تحكي فيها القصة التوراتية عن خروج اليهود، كان المصريون هم من يحكمون بالفعل أرض إسرائيل، كما أن هناك دلائل كثيرة عبر البلاد على ذلك، ومن الأمثلة البارزة على تواجد النظام المصري في إسرائيل آنذاك هو قلعة رمسيس الكبيرة، والتي تختفي بقاياها بين تلال يافا القديمة.
وقال يتزاك باز، عالم الآثار البارز بهيئة الآثار الإسرائيلية: “منذ 3500 عام، تواجدت هنا قلعة هامة كجزء من الحكم المصري لإسرائيل، وتستند إعادة إحياء بوابة القلعة المصرية على اكتشاف بعض البقايا للبوابة الأثرية الأصلية، ونقش على البوابة ندرك من خلاله أنها شيدت خلال عصر الفرعون رمسيس الثاني”.
يتزاك باز
كما أدهش الأثري الإسرائيلي، دييجو باركان، الكثير من علماء الآثار بتل أبيب حين اكتشف مصنع نبيذ مصري في تل أبيب أثناء عمليات تنقيب. وقال: “هنا منذ 5500 عام تواجد مصنع مصري للنبيذ في قلب تل أبيب، وجدنا بقايا عشرات الجرارات الطينية التي أنتج فيها المصريون البيرة”. وأضاف: “لم يشرب المصريون البيرة كما نشربها اليوم، كانت جزءا من الطعام الرئيسي والغذاء، حتى للأطفال. من المدهش جدا أن نكتشف مصنعا مصريا للنبيذ بقلب تل أبيب في مثل هذا العصر القديم، منذ حوالي ألفي عام قبل عملية الخروج”.
وفقاً للنتائج الملموسة من الباحثين، حكم المصريون أرض إسرائيل، لذا يتبقى السؤال: كيف تشكّل الشعب اليهودي؟
يوضح فينكلشتاين الفرضية الشائعة في أبحاث الجامعة: “بدأت إسرائيل القديمة في النمو مع نهاية الحكم المصري لإسرائيل، وهناك نقوش مصرية قديمة، بعيدا عن التوراة، تتحدث عن إسرائيل، وتعود إلى فترة نهايات القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
“في ذاك التوقيت، جرت عملية توطين قوية جدا في أواسط جبال أرض إسرائيل، حيث نشأت مئات القرى الزراعية، وهؤلاء هم السكان الذين بعد قرون خلقوا ممالك إسرائيل ويهوذا، لذلك يمكننا القول عليهم إسرائيل القديمة، لكن في المقام الأول كانت البداية من السكان المحليين بأرض كنعان الأصلية التابعة لإسرائيل”.
تكشف اللغة الهيروغليفية المصرية التي تواجدت في قلب يافا القديمة، جزءا صغيرا من قصة الاحتلال المصري لأرض إسرائيل خلال نفس الفترة التي تفترض فيها التوراة حدوث الخروج.
وفك “راز” رموز النقوش الهيروغليفية المكتوبة ووجدها: “هنا تجد اسم الفرعون رمسيس ملك مصر القديمة. نرى رمز الإله رع مع الشمس فوق رأسه”، وأضاف: “لا يوجد أي دليل أثري على واقعة الخروج، والذي من المفترض أن شارك فيه أكثر من 60 ألف رجل، مما يعني أن العدد وصل إلى 2 مليون شخص شاملا العائلات، لسبب بسيط هو أنه من بين كل الكشوفات التي حدثت في مصر، لم يشر أي منهم إلى أي نشاط في تلك الفترة. واقعة الخروج كما تذكرها التوراة ربما لم تحدث مطلقاً”.
ويؤكد: “كعالم وخبير آثار، لا أحكم سوى من خلال النتائج، وهي لا تدعم وجود أسطورة الخروج. الحقيقة هي أنه لا توجد وثيقة مصرية إلى الآن تصف الحدث التاريخي للخروج من مصر. غادر الناس، عاد الناس، هاجر الناس، لكن بأعداد قليلة وعلى نطاق صغير، وليس كما هو مذكور في التوراة”.
وأبرز فينكلشتاين طبيعة المشاكل التي تحدث حينما نقارن النصوص التوراتية بالأبحاث العلمية حول نفس الفترة الزمنية. “من الواضح جدا أن مؤلف النص التوراتي الذي يصف قصة الخروج لم يدرك حقيقة إسرائيل خلال نهاية العصر البرونزي، لأنه لم يذكر الحكم المصري لأرض إسرائيل! لذلك من الواضح أنه نص مكتوب في فترات متعددة وبالضرورة لم يكتب في الفترة نفسها”.
“يظهر الدليل الأثري الأخير على أن انهيار الممالك الكنعانية في إسرائيل كان لفترة طويلة تصل لحوالي 100 عام على الأقل، ولم يكن هذا الانهيار في المدن الكنعانية نتيجة هجوم عسكري من مجموعة واحدة يقودها شخص واحد في حملة فتوحات. لكن لا يعني ذلك أن نرفض بشكل صريح تاريخ القصة التوراتية. علم الآثار لا يمكن أن يجيب لو كان شخص مثل يعقوب هو إحدى الشخصيات التاريخية لو لم تكن هناك كتابات توثق من ذلك التوقيت، علم الآثار لا يمكن أن يعطي إجابة عن ذلك”.