الأقباط متحدون - «أول البطاركة»
أخر تحديث ٢٢:٥٤ | الأحد ٨ مايو ٢٠١٦ | ٣٠برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٢٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«أول البطاركة»

الأنبا إرميا
الأنبا إرميا

 يُحتفل اليوم بذكرى استشهاد القديس مار «مرقس» الرسول كاروز الديار المِصرية، الذى استشهد على أرضها عام 68 م، بعد أن أسس «كرسى الإسكندرية» فكان هو أول بطاركة هذا الكرسى الرسولى.

 
النشأة
 
حمل مار «مَرقس» اسمين: أحدهما عبرى وهو «يوحنا» ويعنى «يَهْوَه حنّان» أو «الله حنّان»، والآخر اشتُهر به فى «مِصر» والعالم وهو «مَرقس» وهو اسم رومانى يعنى «مِطرقة».
 
وُلد «مَرقس» فى «القيروان» بالخمس، المدن الغربية فى «ليبيا»، وكان أبوه يُدعى «أرِسْطُوبُولُس» وأمه «مريم» من سبط «لاوى». اهتمت أمه بتعليمه وتثقيفه حتى إنه أتقن «اليونانية» و«اللاتينية» و«العبرية». ثم تركت عائلته «القيروان» متجهة إلى «فِلَسطين» حيث سكنوا بالقرب من «أورُشليم».
 
ومع عودة أسرة «مَرقس» كان السيد المسيح قد بدأ خدمته، فكانت أمه «مريم» تخدُم السيد المسيح وصار بيتها مكانًا لاستقباله مع التلاميذ وبذلك أمسى أول كنيسة فى العالم. أصبح «مَرقس» أحد الرسل السبعين الذين اختارهم السيد المسيح واتَّبع تعليمه وشهِد معجزاته؛ وقد ذُكر عنه فى التقليد أنه حضر عرس «قانا الجليل» الذى شهِد أولى معجزات السيد المسيح.
 
وبعد صلب السيد المسيح وموته وقيامته، صحب مار «مَرقس» الرسل فى كرازتهم: فخدم مع «بطرس» الرسول فى «أورُشليم» و«اليهودية»، ومع الرسولين «بولُس» و«بَرنابا» فى الرحلة التبشيرية الأولى ثم عاد إلى «أورُشليم»، ثم بشَّر مع «بَرنابا» فى «قبرص».
 
المدينة العظمى
 
كانت «الإسكندرية» عاصمة «مِصر»، وفى الوقت نفسه كانت عاصمة العالم الثقافية. فقد كانت بها «مدرسة الإسكندرية» التى نالت مكانة عالمية كبيرة فقصدها العلماء والفلاسفة من كل صوب وجهة فى العالم. ارتاد «الإسكندرية» عدد كبير من العلماء، واحتوت مكتبتها الشهيرة على آلاف من المخطوطات فى مجالات الحياة كافة. أمّا من الناحية الدينية، فقد كانت «الإسكندرية» هى بلد التعددية، إذ امتلأت بعدد لا يُحصى من الديانات والعبادات، وكان يقطنها «المِصريُّون» و«الرومان» و«اليهود» و«الفرس» وغيرهم.
 
جاء مار «مَرقس» من الخمس المدن الغربية إلى «الإسكندرية» فى عام 61 م قاطعًا مسافة طويلة على قدميه فتهرأ حذاؤه. وبحث عمن يُصْلح له الحذاء فوجد إسكافيًّا يُدعى «إنيانوس» الذى آمن فيما بعد هو وأسرته على يدى القديس. ثم أخذ يجول مار «مَرقس» بقاع «مِصر» شارحًا الإيمان المَسيحى للمِصريِّين الذين سَُِرعان ما قبِلوه رافضين عبادة الأوثان. وعندما انتشر الإيمان المَسيحى، رسم مار «مَرقس» «إنيانوس» أسقفًا ومعه ثلاثة كهنة وسبعة شمامسة، وأقام أول كنيسة فى «الإسكندرية» فى «بوكاليا».
 
الاستشهاد
 
استُشهد مار «مَرقس» فى عام 68 م عندما هجم الوثنيُّون على الكنيسة التى كان يصلى بها فى عيد القيامة، وقبضوا عليه، وأخذوا يجرونه على شوارع المدينة حتى سالت دماؤه الطاهرة. وفى اليوم التالى، أعادوا الكرّة معه حتى نال إكليل الشهادة. وقد حاول هؤلاء القساة حرق جسده فلم يسمح الله إذ انهمرت سُيول من السماء لتُطفئ النيران. حضر بعض المؤمنين وكفّنوا الجسد ووضعوه فى «كنيسة بوكاليا» التى دُعيت باسمه «المَرقسية» وكانت فى الأصل هى بيت «إنيانوس».
 
قام بعض البحارة من مدينة «البندقية» بسرقة جسد القديس واصطحبوه إلى هناك حيث بُنى عليه مزار عالمى. وفى عام 1968 م، أوفد القديس «البابا كيرلس السادس» وفدًا كنسيًّا رفيع المستوى إلى بابا روما لتسلم جزء من رُفات مار «مَرقس» والعودة به إلى «مِصر»، وذلك لمناسبة مرور تسعة عشَر قرنًا على استشهاده، وافتتاح الكاتدرائية المَرقسية الكبرى بـ«دير أنبا رويس» بالعباسية حيث وُضع فى مزار خاص، بعد احتفال مهيب حضره الإمبراطور الإثيوبى «هَيلاسلاسى» ورجال الدين من جميع أنحاء العالم.
 
أعماله
 
دوَّن القديس «مَرقس» الإنجيل الذى يحمل اسمه، ووضع صلوات القداس المعروف بـ«القداس الكيرلسى» الذى يُعد من أقدم القداسات فى الكنيسة: فقد وضع قداسًا باللغة اليونانية تُرجم إلى القبطية، وكان يصلى به وسلمه للقديس «إنيانوس» ليصلى به من بعده مع القُسوس الثلاثة الذين رسّمهم معه، واستمر هذا القداس يسلَّم من جيل إلى جيل شَفاهةً، حتى عام 330 م عندما قام «البابا أثناسيوس الرسولى» (العشرون فى بطاركة الإسكندرية) بتدوينه وسلمه إلى القديس «أفرومِنتيوس» أول أساقفة «إثيوبيا»، ثم وضع «البابا كيرِلس الكبير» إضافات كثيرة إلى القداس ودوَّنه بعد ذلك فنُسب إليه. وقد اكتُشفت قُصاصات من «القداس الكيرلسى» تعود إلى القرنين الرابع والخامس الميلاديَّين فى «بردية ستراسبورج» كُتب عليها «القداس القبطى للقديس مَرقس أو للقديس كيرلس»، ووُجدت أيضًا باللغة الإثيوبية، كما توجد ثلاث مخطوطات فى «الڤاتيكان» لهذا القداس.
 
أسس مار «مَرقس» مدرسة لاهوتية فى مدينة «الإسكندرية» فنَّدت فكر الفلاسفة والمفكرين والعلماء الوثنيِّين القاطنين فى «الإسكندرية» من خلال منهج علمى منظم، إذ كانوا يناقشون النظريات والآراء فى مدارسهم الوثنية. وتُعتبر «مدرسة الإسكندرية اللاهوتية» هى أول مدرسة من نوعها فى العالم، وصارت أهم معهد للتعليم الدينى؛ ومع أنها لم تكُن المدرسة الوحيدة فى العالم، فإنه لم تبلغ مدرسة أخرى شهرة تلك المدرسة. ولم ينحصر دَور «مدرسة الإسكندرية اللاهوتية» على تدريس الأمور اللاهوتية، إنما درَّست علومًا أخرى مثل «العُلوم» و«الرياضيات» و«الاجتماع». وقد احتوت تلك المدرسة على طرق للحفر على الخشب لمساعدة المكفوفين على القراءة والكتابة لتسبق بهذا «برايل» بقرابة خمسة عشَر قرنًا.
 
يُعد كرسى مار «مَرقس» أحد الكراسى الرسولية الخمسة فى العالم. ويُطلق اسم «كرسى رسولى» على تلك الكنائس التى تمتد فى تقليدها وتعاليمها إلى ما تسلمه آباؤها من الآباء الرسل أنفسهم، وما سلَّموه بدورهم للآباء التالين لهم.
 
صُور مار «مَرقس»
 
للقديس مار «مَرقس» فى «مِصر» ست صُور قديمة: تعود ثلاث منها إلى القرن العاشر الميلادى، وثلاث أخرى إلى القرن الثالث عشَر. اثنتان من صُور القرن العاشر فى «دير السريان» بوادى النطرون: الأولى على حجاب الهيكل المشهور باسم «باب النُّبوات» تعود إلى سنة 913 م، والثانية على الباب الذى يقع بين الخُورَسين (الصفين) الأول والثانى وترجِع إلى سنة 929 م؛ أمّا الصورة الثالثة ففى «الكنيسة المعلَّقة» بحى «مصر القديمة».
 
أمّا صُور القرن الثالث عشَر: فأقدمها ترجِع إلى سنة 1220 م فى مخطوطة بمكتبة «دير السريان» بوادى النطرون، والثانية فى «كنيسة أنبا أنطونيوس» بدير بالصحراء الشرقية وتعود فى الأغلب إلى عام 1233 م، والثالثة فى مخطوطة بالمكتبة البطريركية وتاريخها يرجِع إلى 1291 م.
 
كرازته المسكونية
 
وإن كان مار «مَرقس» الرسول يُعد كاروز الديار المِصرية على نحو خاص، إلا أنه قد كرز للمسكونة فى عصر انتشرت فيه الوثنية، حتى إن «أنبا ساويرس» أسقف نِستُروه قال عنه: «ذلك القديس العظيم الذى لم يضِئ «مِصر» فحسْب بل العالم كله». فقد كرز مار «مَرقس» فى «اليهودية»، و«جبل لُبنان»، وبعض مناطق من «سوريا» مثل «كُولوسى»، وفى «أنطاكية»، و«قبرص»، و«البندقية» و«أكويلا». وكما يقول مثلث الرحمات «البابا شنودة الثالث» عنه: «إننا عندما نحتفل بعيد هذا القديس، إنما يحتفل به معنا العالم أجمع الذى يعترف بفضل مار «مَرقس» عليه».
 
وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى..!
 
*الأسقف العام رئيس المركز الثقافى
 
القبطى الأُرثوذكسى

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع