الأقباط متحدون - عمدة لندن
أخر تحديث ١٧:١٣ | الاثنين ٩ مايو ٢٠١٦ | ١بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٢٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عمدة لندن

د. عماد جاد
د. عماد جاد

فاز صادق خان، مرشح حزب العمال البريطانى، بمنصب عمدة لندن، وهو ابن لمهاجر باكستانى مسلم كان يعمل سائقاً لحافلة، نشأ وترعرع فى بريطانيا ووصل إلى منصب الوزير، ثم فاز بمنصب عمدة لندن. وبينما احتفل البريطانيون من أنصار حزب العمال بانتصار مرشحهم، انشغل عالمنا العربى بالنظر إلى زوجته، هل هى محجبة أم لا، هل هو سنى أم شيعى، وهناك من أخذ يشكك فى سلامة عقيدة الرجل. يعكس الفرق بين استقبال المجتمع البريطانى لفوز خان واستقبالنا لذات الخبر، الفارق بيننا وبينهم، فهم بشر علمانيون فصلوا بين الدين والسياسة، معايير الاختيار موضوعية تتعلق بالكفاءة والقدرة، لا يفتشون فى الضمائر ولا يبحثون عن الخلفية الدينية للشخص، أما نحن فى مصر فأكثر شعوب الأرض حديثاً عن الدين ومن أبعد الشعوب عن صحيح الدين وقيمه الحقيقية، عنصريون حتى النخاع، متعصبون للدين، الطائفة والعرق، نفتش باستمرار فى الضمائر، وننقب فى العقائد ونصدر الأحكام. بيننا وبينهم قرون بشأن القيم الإنسانية والتحضر، أنشأوا مجتمعات علمانية تفصل بين الدين والسياسة، بينما لا نزال نعيش حقبة القرون الوسطى التى تخلط بين الدين والسياسة ونعتبر العلمانية نوعاً من الكفر والإلحاد.

هذا المصطلح يعنى الفصل بين الدين والسياسة، يعنى حياد الدولة تجاه قضية الأديان، يعنى أن الدولة لا تميز بين مواطنيها بسبب ما يعتقدون ويعتنقون، يعنى أنه ليس من بين مهام الدولة أن تحدد لمواطنيها ديانات مسموحاً بها وعقائد مرفوضة، يعنى أنه ليس من وظيفة الدولة أن تساعد الإنسان على «دخول الجنة»، فتلك قضية بين الإنسان وخالقه، له أن يعتقد فيما يشاء ويؤمن بما يعتقد دون تدخل من الدولة. هذه هى معانى العلمانية فى مختلف المراجع والقواميس، إلا فى ثقافتنا العربية التى انفردت بتعريف للعلمانية يساوى بينها وبين الإلحاد أو معاداة الدين، فالمعنى المنتشر والمتعارف عليه للعلمانية فى العالم العربى هو فصل الدين عن المجتمع، أو معاداة الدين والمساعدة على انتشار الإلحاد. وقد وصل تشويه المفهوم إلى الدرجة التى جعلت أنصار العلمانية لا يفضلون استخدام المصطلح ويستبدلونه بمصطلح آخر يقود إلى معنى قريب وهو «المدنية»، ومن ثم ينادون بالدولة المدنية بدلاً من الحديث عن العلمانية.

جاء هذا التشويه المتعمد لمفهوم العلمانية نتيجة تزاوج الدين بالسياسة وتحالف رجال الدين مع رجال الحكم، فتاريخياً التقت المصالح وعمل الطرفان على حكم الشعب وإخضاعه، وهنا ارتدى رجال الدين ثوب السياسة وحكموا مباشرة فى صورة مباشرة لحكم رجال الدين أو النظام الثيوقراطى، كما ارتدى رجال السياسة ثوب الدين وامتزجت السياسة بالدين بشكل مباشر من خلال حكم رجال يجمعون بين الصفتين السياسية والدينية، أو صيغة مشتركة قامت على تحالف رجال السياسة ورجال الدين واشتراكهما فى الحكم معاً، حيث يحتاج رجال السياسة لرجال الدين من أجل الحصول على تأييد المواطنين ودفعهم للقبول بالحاكم وتبرير الخضوع له وعدم الخروج عليه، بل واستخدام الدين فى وأد غضب وثورة المواطنين ودفعهم لتقبل ظلم الحاكم على أساس أن الحياة على الأرض مليئة بالمظالم وأنهم سوف يحصلون على التعويض فى السماء (ويُعد تحالف القيصر مع البطريرك فى روسيا القيصرية نموذجاً على ذلك)، وهو الأمر الذى أسفر فى النهاية عن الثورة البلشفية الشيوعية عام ١٩١٧ واتخاذها لموقف عدائى من الأديان بل وحظرها وتحويل دور العبادة إلى متاحف.

ما نود التأكيد عليه هنا هو أن تحالف رجال الدين ورجال السياسة فى مصر والعالم العربى أعاق، ولا يزال يعوق، بناء مجتمع ديمقراطى علمانى يُعلى من قيمة المواطنة وقيم الحرية والمساواة والعدل، وأدى إلى الاستغراق فى حالة تدين شكلى بعيد عن قيم الدين وجوهره، إلى تشويه متعمد للمصطلحات، إلى انتشار الجهل والأمية. وما لم تتبلور حركة عامة فى المجتمع لإرساء قيم المواطنة والعدل والمساواة والحرية وأيضاً العلمانية سنظل ندور فى نفس الحلقة المفرغة التى تجعلنا نتذيل قوائم الإنجاز والشفافية والتطور، ومن ثم نتذيل قوائم الدول المتحضرة التى تمارس مهام إسعاد مواطنيها على الأرض، أما السماء فلها رب يحاسب العباد.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع