الأقباط متحدون - أبيض وأسود ووطن
أخر تحديث ٠٩:١٠ | الاثنين ٩ مايو ٢٠١٦ | ١بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٢٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أبيض وأسود ووطن

كمال زاخر
كمال زاخر

قُدر لنا، أو شئنا، أن نتحول عبر ثلاثة أرباع القرن إلى حقل تجارب، توالت علينا أنظمة كانت تنويعات على الفاشية وغياب الرؤية، واستبعاد أهل الخبرة واستقدام أهل الثقة. ورغم دورات التجريف التى طالت الاقتصاد ومنظومات التعليم والثقافة، بل وكثيراً من مقومات المجتمع المصرى وقيمه، فإن إرادة الإنسان المصرى لم تمت، فكان أن تجمعت إرادات الغضب فى 25 يناير 2011 بالمخالفة لكل تقديرات الخبراء والمحللين، وعندما تُختطف الثورة لحساب الفاشية الدينية المتنمرة تتجدد الثورة فى 30 يونيو 2013، لتسترد الوطن مجدداً.

كانت المؤسسة الوحيدة المنضبطة هى المؤسسة العسكرية، بحكم تكوينها المبنى على الانتماء الوطنى وحده بغير التفات إلى ما عداه من انتماءات أضيق، ليصبح الوطن، والوطن وحده، هو المكوّن لعقيدة الجيش، ولهذا استعصى على التفكيك والاختراق وأصبح دوماً حائط صد أمام سعى تكرار تجارب التفكيك فى محيطنا الحيوى، وأوقف مدّ مشاريع الشرق الأوسط الجديد وخرائطها التفكيكية.

كان الوعى الشعبى حاضراً، وقد أدرك هذه الحقيقة، وأدرك أن لديه شبه أحزاب، وشبه برلمان، وشبه تعليم، وشبه إعلام، وأشباه مؤسسات ثقافية، لينتهى إلى شبه دولة، فانحاز إلى المؤسسة العسكرية التى لا تعرف صراعات السياسة وتحايلاتها، وتعدد وجوهها بحسب رياح المصالح الذاتية لمحترفيها. وحتى السياسة، بحسب ممارسات ممتدة، لم تكن بعيدة عن حال المؤسسات، فكادت تكون «شبه سياسة»، فما زالت تمارس على أرضية الأبيض والأسود ولا تقرب منطقة التدرج اللونى اللانهائى بينهما، بحكم تأميم الشارع السياسى تحت تأثير قناعات «الكل فى واحد» التى بشرت بها رواية توفيق الحكيم «عودة الروح» وتبناها الزعيم عبدالناصر، وانتقلت إلى كل رئيس بعده رغم فوارق الظرف السياسى والشخصى أيضاً.

لم ننتبه إلى الانتقال من الثورة الصناعية وتداعياتها الحديثة التى انعكست، بل وشكّلت العلاقات داخل المجتمع وداخل التوزيع السياسى الأيديولوجى، إلى الثورة المعلوماتية، تقنية واتصالات، وتراجع الأيديولوجية بتقسيماتها التقليدية، لنصبح أمام علاقات جديدة عنوانها العمل والإنتاج والمنافسة الشرسة وتراجع التكنوقراط لحساب السياسيين، وأصبح الزمن أحد عناصر التقدم فى مواجهة تعقيدات البيروقراطية.

وهو ما أدركه الرئيس وأعلنه وهو يفتتح موسم الحصاد بالفرافرة فى كلمات واضحة تؤكد أزمة فرق السرعات بينه وبين دوائر عديدة فى الدولاب الحكومى، وربما فى الدوائر المعاونة له، ولعلنا نعود إلى خطابه بعيداً عن إسقاطات اللحظة التى فجّرتها «عركة» الداخلية والنقابة التى لم ينجح فيها أحد، بل كانت كاشفة عن اختلالات عديدة فى «أشباه المؤسسات» التى ما زالت تدير الأزمة بمفاتيحها القديمة. ولعل أبرزها أننا نطالب بدولة مؤسسات يحكمها القانون ونرفض دولة الفرد، ومع ذلك لا نتوقف عن المطالبة بتدخل الرئيس وتحميله مسئولية «العركة»، بثقافة ما زالت تتلبسنا.

وغير بعيد يقف، بل يتحرك، كل من أضير من حراك 30 يونيو، وعلى رأسهم كوادر وجسور ومنتسبو دولة الفساد والدولة الدينية، ليلقوا مزيداً من الزيت على النار ويحشوا الجرح بالملح، ويوظفوا معطيات تقنيات التواصل فى تحقيق سعيهم بإسقاط تحالفات الثورة على أمل عودتهم واسترداد ما كان لهم.

وليس أمامنا إلا انحياز واحد، هو الانحياز للوطن، مبنياً على المواطنة وسيادة القانون، وتأكيد التوازن بين السلطات بحسب الدستور، والمصارحة والمكاشفة، واليقظة، والإقرار بأننا نجتاز مرحلة انتقالية تسعى للاستقرار.

المراحل الانتقالية تشبه مخاض الولادة، لحظات فاصلة لخروج حياة إلى الدنيا، الوطن يمر بها الآن، الأم تعانى وتتألم وتكاد ترى الموت بعينيها، لكنها تنتقل إلى فرحة ما بعدها فرحة عندما ترى وليدها.

البعض يحتاج إلى أن يخلع نظارة الأيديولوجيا، والبعص يحتاج إلى تبنى الحوار الموضوعى.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع