الأقباط متحدون - إرث المسخ فى زمن البناء
أخر تحديث ٠٩:٠٦ | الاثنين ٩ مايو ٢٠١٦ | ١بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٢٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إرث المسخ فى زمن البناء

نشوى الحوفى
نشوى الحوفى

إذا كان المسخ فى اللغة هو القبيح المشوه مطموس المعالم، فإن المسخ فى الحياة هو مشوه الضمير قبيح العقل مطموس الرؤية. وقد تبدت ظاهرة المسوخ فى بلادى منذ سنوات حينما تراجعت الرؤية عن بناء الإنسان وإعداده، لا من باب الرفاهية كما قد يظن البعض، ولكن من باب الحفاظ على الوطن حاضره ومستقبله وحتى تاريخه من التشويه. ولنا فى اليابان أسوة حينما أدركت فقرها المادى فى التربة والمعادن والثروات، فقررت الاستثمار فى أهم عناصر رأسمالها، ألا وهو الإنسان يا سادة.

نعم، لقد ورثنا المسخ الذى يسعى لفرض رؤيته المشوهة علينا فى كل أزمة نتعرض لها اليوم فى بلادى بينما سواعد البناء تصر على تشييد الجسور للمستقبل بعزيمة صلبة لا يواجهها إلا صراع الماسخين فى كل مؤسسات الدولة ومجالات الحياة. بات ميراث المسخ يفرض نفسه علينا حينما تخلينا عن هويتنا وتناسينا تاريخنا وقضينا حاضرنا تائهين بين تيارات المد الدولارى أياً كانت وجهته، وأيادى العولمة العابثة بالعقول والقيم والمبادئ. فصار كل قديم متخلفاً، وكل حديث مبنياً على الحضارة، وصار التعميم ثقافة تمحو كل إنجاز أمام أى خطأ أو فساد. وهكذا يا سادة سيطر المسخ على العقول والقلوب فى ظل غياب متعمد لتعليم يرسخ الوعى وإعلام يوسع المدارك وثقافة تسمو بالأرواح وتربية تؤسس لبناء الإنسان على مدى ما يزيد على أربعين سنة كاملة مضت، والنتيجة ما أصبح عليه حالنا اليوم ويتبدى فى كل أزمة نمر بها ويتلخص فى غياب القدرة على الإدارة وشقاق بات يقوده الجدل فى كل اختلاف حول رؤية، وغياب ضمير بات يقود البعض فى كل أزمة.

نعم هو إرث المسخ المنتشر فى كل قطاعات الحياة فى بلادى حتى صارت كل مؤسسة أو جهة عمل نموذجاً مصغراً لما يحدث فى المجتمع ككل، مسوخ تنتشر فى الجنبات وتسعى لتشويه كل ما حولها عن عمد أو دون عمد ليسود مفهوم القبح وثقافة طمس المعالم، إلا من رحم ربى وهم قلائل. ولعل دليلى على ذلك أزمة جزيرتى تيران وصنافير التى قاد فيها الجهل الحديث والأنا العليا لزعامات ما أنزل الله بها من سلطان رفضت حديث العقل والدليل. ثم جاءت أزمة نقابة الصحفيين لتؤكد مزيداً من المسخ فى مشهد كان من الواضح سحبنا إليه بانتهازية سياسية غاب عنها منطق حساب النتائج ومنطق الاحتواء الفورى منعاً لمتاجرة الخارج والداخل بقضايانا؛ لتسود الغوغائية المشهدين ويزداد انقسام المجتمع وتفتته بين مؤيد لطرف ومعارض لطرف آخر على حساب وطن يئن تحت ضربات معاول الهدم المستميتة ممن ماتت ضمائرهم، وينشد الأمل تحت ضربات فؤوس البناء.

نعم يا سادة ولا يعبر حالنا هذا إلا عن مطلب واحد لا ثانى له، ضرورة تضافر الجهود لإعادة بناء الإنسان وقيمه ووعيه ليتصدى لكل معاول الهدم المحيطة به فى بلادى وينطلق لآفاق أرحب تكرس لمفاهيم الجمال والرقى وقبول الآخر وفكره والعمل الجماعى واحترام الوقت. نعم نحتاج لرؤية فى التعليم تكرس لغرس الانتماء المبنى على فهم الماضى وإدراك الحاضر والسعى بخطى حثيثة للمستقبل. ورؤية فى إعلام توقظ فى الضمائر الهمم وتعلى فى العقول الفهم وترسخ فى الضمائر مراقبة الله. ورؤية فى ثقافة تعلم النقد البانى لا الهادم وتمنح رؤى الآخرين للفهم لا للتقليد الأعمى وتحترم مفاهيم الذوق الرفيع عبر مد الجسر بين هوية تمتلك الكثير من تراث الإنسانية وحضارات تحتضن سلوكيات راقية. نعم نحتاج لمجهود خرافى تتشابك فيه جهود الجهات والأفراد ومنظمات العمل المدنى فقط لنساهم فى مسح ما أصاب نفوسنا من تشويه ومسخ صار المتحكم فى الأداء والداعم للفساد والطامس لمعالمنا الحقيقية.

نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع