كتبها Oliver.
من الجيد أن نعيد البحث و التعمق في كلمة الله لأن فيها دواء يعالج الجروح.و يداوى الإنقسامات التي أتتنا محمولة على أسباب تاريخية صنعتها أشخاصاً لم يكن خلاص الأجيال نصب أعينهم بل ذواتهم و عقدهم أتعبتهم فأتعبونا.
كثيراً ما تثار تساؤلات عن هل يقبل المسيح أن ندعو أحد أباً على الأرض.أو سيداً ؟ أو معلماً؟ و ما المقصود بالقول الإلهي لا تدعوا لكم أبا .. سيداً.. معلماً .. علي الأرض. هذا المقال سيناقش الأبوة و إن شاءت نعمة الله نناقش لا تدعوا سيدى... ثم .. لا تدعوا معلمين.و قد وردت هذه الوصايا في موقف و ظرف واحد.و لم تتكرر في الإنجيل أبداً.
واما انتم فلا تدعوا سيدي لان معلمكم واحد المسيح وانتم جميعا اخوة. ولا تدعوا لكم ابا على الارض لان اباكم واحد الذي في السماوات. ولا تدعوا معلمين لان معلمكم واحد المسيح. واكبركم يكون خادما لكم. فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع.مت 23 :8-11
من المهم حين نتعرض لفهم القصد الإلهى في أمر ما أن نضع كل ما قيل عنه لكى تتضح لنا المعانى و تكتمل. فلنر ماذا قال الله عن الأبوة و أنواعها .
الأبوة الجسدية
السيد المسيح لم يمنعنا أن ندعو آباءنا الجسدين أباً؟ أليس الرب هو القائل للأبناء : إكرم أباك و أمك خر20: 12 .أليس الرب هو واضع الشريعة أن من يسب أباه أو أمه أو يضرب أباه أو أمه يقتل قتلاً خر21: 15 أر 32: 18 أم 19: 26 أم 20 : 20 .الواضح أن الرب أمرنا بأن نكرم الأبوة الجسدية و هو شعور فطرى خلقنا به و من الطبيعي أن نمارس الإكرام للأب و الأم.لأنها أول وصية بوعد و لها مكافأة فورية أف 6 : 2 من الواضح أن الرب يحب ذلك الإكرام و يكافأ عليه . بل الكتاب يمتدح موسى النبى لأنه أبى أن يدعى إبن لإبنة فرعون معتزاُ بأبيه الجسدى ونسبه و شعبه المذلول: بالايمان موسى لما كبر ابى ان يدعى ابن ابنة فرعون عب 11: 24،
قالوا عن المسيح له المجد بإستخفاف مت 13: 55 ويو 6: 42 أليس هذا إبن النجار الذى نحن عارفون بأبيه و أمه و لم يتنصل الرب يسوع من أبيه يوسف النجار الذى ليس هو ابيه في الحقيقة و لا من أمه العذراء مريم التي ولدته جسدياً.بل ظل يكرمهما حتى آخر لحظة على الصليب.
إذن الرب يحب إكرام الأبوة الجسدية وقد عايشها و لم يقلل منها و لها عنده مكافأة مع وصايا للآباء و تحذيرات و عقوبات أيضاً في حالة المخالفة.و حتى أبوة الأشرار لها تقدير إن أعطت عطايا جيدة(مت 7: 11): فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ.
و ما دام الرب يأمرنا بإكرام الأبوين و هى الوصية الممتدة في العهدين .فلا يمكن أن نأخذ الأية التي تقول : ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات" (مت23: 9) بمعناها الحرفى أو المطلق.لابد أن الرب يقصد منعنا من أمر ما متعلق بالأبوة .لكنه لا يمكن أن يمنعنا عن أن يكون لنا أباً في آية بينما يأمرنا بأن نكرم الأبوة و الأمومة في آيات أخرى.
الأبوة الأدبية و المعنوية
نقرأ في الكتاب المقدس عن ابوة معنوية كما قيل عن يوبال أنه (كان أباً لكل ضارب بالعود و المزمار تك4: 21. و هذه الأبوة الرمزية يمارسها بعض الكبار كأن يتبني فنان كبير أحد الشباب و يعطه إسمه فتكون أبوة معنوية مثل أبوة يوبال. أو نقول عن واحد أنه أب الطب أو ما شابه.هذه الأبوة ترك الكتاب المقدس أمرها ليمارسها كل من وضع الرب في قلبه حباً للأخرين و تشجيعاً للصغار.
الأبوة الروحية
هذه هى الأبوة المختلف عليها و التي يثور بشأنها الجدل. و للحقيقة فإن كثير من الرافضين قبول أبوة الكهنة يأتى رفضهم لسبب عثرات عاشوها و عانوها من بعض حاملى الكهنوت المفترض أنهم آباء. ففقدوا إحساسهم بأبوتهم.ببساطة لأنهم لم يجدوها فيهم.لهذا كثير من المنتقدين لأبوة الكهنوت ليسوا معترضين علي أبوة الكهنوت بقدر ما هم معثرين.و إذ لم يذوقوا طعم هذه الأبوة فأنا ألتمس لهم العذر.لأنهم لو شبعوا بأبوة روحية تعط نموذجاً حياً لأبوة الله ما رفضوها.
الأبوة الروحية مارسها رجال الله في الكتاب المقدس و إمتدحها الوحى الإلهي في مواقف عديدة.بل الله هو مصدرها الأول فهو أبونا الروحى السماوى و أيضاً هو الذى أسسها على الأرض في شخص إبرآم حين أعطاه إسماً جديداً هو إبراهيم أى أب لجمهور و قال له فلا يدعى اسمك بعد ابرام بل يكون اسمك ابراهيم.لاني اجعلك ابا لجمهور من الامم تك 17 : 4 .
ندعوه أبينا إبراهيم لأن الرب أعطاه هذه الأبوة و جعله أبا ً لجمهور في وقت لم يكن له إبناً جسدياً واحداً.هذه الأبوة الروحية أخذها من الله كعطية خاصة ميزته عن جميع الآباء .
كيف سنقرأ هذا القَسَمَ الإلهي إلا لو فهمناه بمعنى الأبوة الروحية " وقال بذاتي اقسمت يقول الرب.اني من اجل انك فعلت هذا الامر ولم تمسك ابنك وحيدك . اباركك مباركة واكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر.ويرث نسلك باب اعدائه." كيف سيصير لأبينا إبراهيم نسل كرمل البحر و نجوم السماء تك 22 : 16-18 و هو نفس ما قيل لأبينا يعقوب.كيف سيكون يعقوب أباً لنسل كرمل البحر و كنجوم السماء إلا لو كانت االأبوة روحية تك 32 : 12 ؟
ظل الناس يفتخرون بأبوة إبراهيم حتي أن يوحنا المعمدان حذرهم من الإستخدام الباطل للأبوة : ولا تفتكروا ان تقولوا في انفسكم: لنا ابراهيم ابا. لاني اقول لكم: ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم. مت 3: 9 بالقطع هنا لا يرفض الأبوة لأنه يقول أن الله قادر أن يصنع أولاداً لإبراهيم من الحجارة -أي (الأمم). لكنه يرفض الإتكال على أبوة إبراهيم دون الله.
بالطبع حين قال الرب لموسي النبى عن هارون أخيه : وهو يكون لك فما وانت تكون له الها خر 4 : 16 لم يكن يقصد أن موسي سيصير إلهاً لكن أباً روحياً.لهرون و للشعب كله .
لهذا نجد موقف عجيب لرجل أسمه ميخا يتقابل مع أحد اللاويين فيطلب منه أن يبقي عنده في البيت قائلا: أقم عندى و كن لى أباً و كاهناً. قض 17 : 10 ثم تحدث أمور أخري تثبت بركة هذا الإنسان فتتسع أبوته و يطلب منه الشعب كله قائلاً نفس العبارة : كن لنا أباً و كاهناً قض 18 : 19 كلنا نشتاق إلى أبوة فيها من أبوة المسيح لنا. .
و في العهد الجديد:
بطرس الرسول في أول عظة في العهد الجديد قال عن داود النبي أنه – رئيس الآباء – أع 2: 29.هنا رئيس الآباء تقصد بها أبوة روحية و ليست جسدية على الإطلاق لأن داود النبي لم يكن رئيساً سبط و لا كان أباً بين القبائل لكنه أب و معلم للتسبيح و الترتيل و الصلاة .
- بولس الرسول كتب متنبئاً عن ندرة الآباء في العهد الجديد قائلاً - لانه وان كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس اباء كثيرون.لاني انا ولدتكم في المسيح يسوع .بالانجيل1 كو 4: 15, و هو هنا يتكلم عن ولادة روحية و أبوة روحية ينسبها لنفسه كأب لهم .لأنه ولدهم في المسيح .أظن أن المعمودية تجعل الكنيسة أماً و تجعل الكهنوت أباً . بولس الرسول دعا كثير من تلاميذه أبناء 1 تي 1 : 2 و تى 1: 4 و2 تى 2 : 1 .و يقول للأسقف تيموثاؤس لا تزجر شيخاً بل عظه كأب.1تى5: 1 و هو بهذا يقرر أبوة الأسقف .و هكذا حصل مع الآباء الرسل.كلهم كانوا يخاطبون تلاميذهم كأبناء و يتعاملون معهم كآباء.
بل تظل أبوة أبينا إبراهيم ممتدة في العهد الجديد إذ يقول (أبينا إبراهيم )رو 4 :1و 12 . و ذكر لنا ربنا يسوع أن الغني نادى في الجحيم قائلاً ( يا أبي إبراهيم) لو 16:24و27و30. فإذا كانت قد إمتدت الأبوة الروحية لآباء العهد القديم في عهدنا الجديد فكم بالأولى آباء العهد الجديد أنفسهم.
لهذا كما صار أبونا إبراهيم أب لجمهور فقد صار القديس أنطونيوس أب لجمهور من الرهبان و هو لا يحمل كهنوت فالأبوة روحية فيه و في القديسين الآباء الأعمدة باخوميوس و مكاريوس و شنودة رئيس المتوحدين أبوة روحية لا يمكن إنكارها وليست بالضرورة مرتبطة بالكهنوت .و كثيراً ما نقرأ في تاريخ الرهبنة عن (أب البرية) و هو الكاهن الذي يرشد و يمارس الأسرار في المجتمع الرهبانى و أشهرهم الآباء القديسين دانيال و إيسيذوروس و صموئيل المعترف و زوسيما القس . و الأرشيدياكون حبيب جرجس كان بتولاً لكن أب لجيله و مثله الأرشيدياكون رمسيس نجيب رئيس شمامسة الجيزة.
الأبوة الألهية
عمل أي أبوة أرضية أن تعكس الأبوة الإلهية و إلا تصبح أبوة بلا رصيد سماوى.فالله هو أبونا إش 8 : 64.و من أبوته تنبع كل أبوة.و العهد الجديد هو العهد الذى عرفنا فيه الآب و صار لنا أباً نناديه في كل صلاة يا أبانا الذى في السموات مت 9: 6.هو الآب الذى يعانق إبنه الضال.هو الآب الذى بذل إبنه الوحيد لأجلنا.هو الآب الذى نريده و يريدنا أن نكون معه في الأبدية و يدعونا المسيح إليه قائلاً : تعالوا إلى يا مباركى أبي . اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الْآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلَادَ اللّهِ« (1 يوحنا 3:1). المسيحية هى التعليم الوحيد الذى فيه العلاقة بين الخالق و المخلوق تكون بين أب و إبنه.
لمن قال الرب لا تدعوا أباً
1-الخطأ في الخلط ما بين أبوة الله و أبوة الناس .فأبوة الله خاصة بالله لا نمزج بينها و بين أي أبوة أخري كما أخطأ اليهود فنسبوا الفضل لأبوة موسى النبي دون الله فقال لهم يسوع «الحق الحق اقول لكم: ليس موسى اعطاكم الخبز من السماء، بل ابي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء يو 6: 32. لنتحاشى الخلط ما بين السماوى و الأرضي .من هنا لا يجب أن ننسب للأباء ما يخص أبوة الله و أهمها العصمة . فالرب لم يعط لأى أبوة بشرية عصمة و لا لأى إنسان عصمة.أبوة الكهنوت ليست بديلاً عن علاقة مباشرة مع الثالوث الأقدس لكنها وسيلة روحية في طريق خلاصنا. حياتنا و خلاصنا ليس في يد الكاهن مهما علت رتبته بل في يد الله وحده و ما الآباء الكهنة سوى خدام لله يخدمون الله في البشرية .لا يجب أن نأخذ من أبوة الله و ننسبها للكاهن بل نفعل العكس و ننسب كل شيء لمجد الله و حنانه.
2- الله عرفنا كأب و صنعنا كأبناء لنكون كالمسيح فالآب يركز في شخص المسيح. لان الذين سبق فعرفهم سبق فعيّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين اخوة كثيرين رو 8 : 29 و على الشعب أن يركز في شخص المسيح الرب الذي يخدمه الأب الكاهن و الأسقف و البابا.دون أن نركز في الآباء أنفسهم.لنتعامل مع الآباء الروحيين كسفراء عن المسيح و أي سفير دوره مؤقت ينتهي باللقاء المباشر مع رئيس الرؤساء المسيح ربنا. نأخذ من الصورة الأرضية لنتعايش مع الأصل السماوى.و ليس العكس.لهذا إن إعتمدت علاقتنا مع الأباء الكهنة و الأساقفة على علاقات إجتماعية و عاطفة بشرية فقدنا و فقدوا الأبوة الروحية التي تحكم علاقتنا بهم.فهم أبواق لأبوة الله. هذا المفهوم هو عمل مشترك بين الكاهن و الشعب.
3- إن الأبوة لها تكريم و لها حساب أيضاً .مع تكريم الأبوة و الأمومة هناك التحذير واضح و موجود ألا يغيظ الوالدين أبناءهم أف 6 : 4 ,كو3 : 21 . و مع التحذير توجد العقوبة أيضاً كما عوقب عالى الكاهن1 صم 2 :23 .و قال عن أخطاء الآباء :لا يُقتل الاباء عن الاولاد ولا يُقتل الاولاد عن الاباء.كل انسان بخطيته يُقتل تث 24: 16. تث 21 :13و2 مل 14:6 و إر31: 9
فالذي يستغل صفته الكهنوتية ليتعسف أو يتجبر على إنسان أو يهمله دون خوف من مساءلة مثل هذا الكاهن لن يفلت من حساب السماء.و أحياناً العقاب الأرضي قبلها.الله لم يعط لأى أبوة أرضية عصمة. ليس للكهنوت حصانة من عدل الله. سلطة الأبوة منحها الله لعمل محبة و من ينحرف عنها ستكون سبب دينونة عليه قدام الأب العادل وحده في كل المسكونة.
4-الأبوة ليست مكسباً يناله الكاهن يوم رسامته بل هى صناعة الروح القدس فيه من خلال أعمال محبة دائمة تعكس ابوة الله.الأبوة بذرة تنمو و ليست ثمرة تُمنح فجأة.على كل كاهن أن يجتهد فيقتنيها لأنه بدون الأبوة يتقلص دور الكهنوت و كأنه يعود كما في القديم كهنوت مشغول بالطقوس
أخيراً قبل أن نلوم المعترضين على أبوة الكهنوت نقدم لهم أبوة تداوى جروحهم من الذين جرحوهم فكما في كل مكان و زمان توجد العثرات و ويل لمن تأتي بسببه العثرات.
و على هذا فالمسيح حين قال لا تدعوا لكم أباً على الأرض كان يقصد هذه النماذج التي لا تمثل أبوته.كان يهاحم من يدعى كذباً أنه أب. و كان الرب يسوع الحنون ينبه تلاميذه و شعبه أن لا يكون فيهم أبوة صورية خالية من أبوة الله التى تحتضن الجميع.