الأقباط متحدون - ذِكْرَى نِيَاحَةِ أنبَا بِيمِن أُسْقُفِ مَلَوي
أخر تحديث ٢١:١٥ | الخميس ١٢ مايو ٢٠١٦ | ٤بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٢٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ذِكْرَى نِيَاحَةِ أنبَا بِيمِن أُسْقُفِ مَلَوي

 ذِكْرَى نِيَاحَةِ أنبَا بِيمِن أُسْقُفِ مَلَوي
ذِكْرَى نِيَاحَةِ أنبَا بِيمِن أُسْقُفِ مَلَوي
القمص أثناسيوس جورج
أنبا بيمن أول أسقف لإيبارشية ملوي وأنصنا والأشمونين في العصر الحديث؛ هذا الكرسي العريق – بعد غيبة عدة قرون – كان عميدًا لمعهد الرعاية؛ معروفًا بإسمه بالميلاد (كمال حبيب)... ارتبط وتتلمذ على المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم؛ واشتهر جدًا كأحد رواد وأعلام التربية الكنسية؛ فكان أحد أعمدتها؛ عضوًا باللجنة العليا لمدارس الأحد. وكان علامة من علامات التكريس البتولي في جيلنا المعاصر،
كان عضوًا مؤسسا لبيت التكريس بحلوان. عرف قيمة اللحظة واستفاد من خبرته في أصول التربية بحقول الخدمة في الكنيسة المقدسة. فأسس الفروع وقاد المؤتمرات التكوينية؛ بفكر عالٍ وروح تقية نشيطة؛ جعلته عتبة لإنطلاقة نوعية في خدمة الشباب الجامعي وإعداد الخدام والدراسات الصيفية والمعسكرات واجتماعات الصلاة على مستوى الكرازة كلها.
 
كان طاقة جبارة متجددة للعطاء والإبداع؛ وسلم حياته وكرسها بالكامل للمسيح؛ وكان شخصًا روحيًا وخادمًا صادقًا مختبرًا وصاحب رسالة انطلقت من نفس تقية اختارت النصيب الصالح؛ وكان الروح القدس هو الفاعل والمحرك لكل أنشطة تكريسه.. لذا كانت خدمته مُبهجة ومثمرة ومتجددة، وهو الذي وضع أول مؤلفات لمناهج المراحل التعليمية للدين المسيحي المدرسي والتي هي باقية وفاعلة حتى يومنا هذا.
 
حصل على منحة دراسية في اللاهوت والتربية من منظور آبائي؛ وذلك بمساعدة الطيب الذكر أنبا صموئيل أسقف الخدمات، وقدم أبحاثًا عن التربية القبطية لحياة الشركة (الكينونيا)؛ وعن المنهج الوعظي عند القديس يوحنا ذهبي الفم؛ بالاضافة إلى كتاباته الثمينة التي لا غنى عنها في مكتبتنا المعاصرة؛ والتي شملت لأول مرة موضوعات عن الأسرة المسيحية وأسس التربية والشعور الديني والعفاف المسيحي وقضايا الجنس والجسد والشبابيات؛ وكتب الخدمة والروحانية الأرثوذكسية والعبادة المقبولة والسير والأعياد.
 
كان أنبا بيمن تلقائيًا مجددًا ابتكاريًا منفتحًا ناسكًا ديناميكيًا جسورًا؛ فإنتهج نهجًا يتناسب مع مقتضيات العصر؛ وأسس بيوتًا للتكريس؛ واهتم بالدياكونية الريفية والتنمية؛ وقام بنهضة روحية ومعمارية جبارة؛ وتعزيته لم تكن في الأمور الظاهرة؛ إنما في مؤازرة الروح في الداخل؛ أي في الأنسان الباطن مثلما كان يردد، فشيد النفوس والكنائس وسام الكهنة؛ واهتم بالأركان الضعيفة لينهضها.
 
صار وكيلاً للبطريركية بالأسكندرية؛ ثم أسقفًا عامًا ليخدم التربية والتعليم ومعهد الرعاية؛ وتم تجليسه على إيبارشية ملوي؛ التي عُرفت بسبب كونه أسقفًا له؛ كما اشتهرت نيزينزا ونيصص بأساقفتها العظام.. فملوي التي كانت مجهولة؛ حقَ لها أن لا تكون الصغرى؛ بل تزهو وتتفاخر؛ وأن يكون أول أسقف لها هو الأنبا بيمن الذي عرفته الكرازة المرقسية من أقصاها إلى أقصاها.
 
اتسم بالتكامل والشمولية والمبادرة والحزم؛ إلى جانب غزارة ثقافته؛ وقد احتمل مكابدة البحث والدراسة والتفتيش ومعاناة السهر؛ ليقدم عصارة فكره وخبرته ودراساته البحثية.. وهو بحق يمثل مرحلة فكرية في تطور الفكر التربوي القبطي المعاصر.. وكانت له علاقات حميمة بالأب ألكسندر شميمان (عميد معهد فيلاديمير)؛ والأب توماس هوبكو؛ وجون مايندروف؛ والأب أندريه سكريما؛ والأب أليعازر مور؛ وغيرهم من أعلام الفكر الأرثذوكسي العالمي.
 
كان قائدا موهوبا بالنعمة ..قاد اجتماعات الشباب ومدارس الاحد بروح ملتهبة بالتقوي والانفتاح ، فاضاف زخما كبيرا لجيله ،مطورا مناهج الخدمة ودراساتها واساليب تلمذتها ، وتخصص عطاءه المتميز في كل المجلات التكريسية التي انخرط فيها كمركز جذب وشركة لخبرات عميقة ،في التنمية والتعليم والتربية والتكريس والدراسة الرعوية ووسائل الايضاح ، مبادرا بتدبيره الابتكاري في الانحياز للتطوير الانساني بمؤازرة الروح وتعزيتها التي احاطت به ليقوي الاركان الضعيفة وينهضها ...بفكر ونشاط وادارة متميزة تقدمية ، فلاول مرة تطرح قضايا التدين السليم والعبادة المقبولة والروحانيات ،وكذلك مؤلفاته عن الجنس والجسد والاسرة والحياة العائلية والشعور الديني وقضايا الشباب والمراهقة والعفاف المسيحي ،كذلك كتب الكثير عن اعداد الخدام وعن خدمة القرية ،والرؤية الارثوذكسية لله وللعالم والانسان ،كذلك كتب عن حلول عملية للعنف والتعصب وبناء الشخصية .،فاهما للنفوس باتساع واستنارة
وقد أجمل خلاصة الروحانية الأرثوذكسية في (علامات الطريق إلى الملكوت) – التوبة (ميطانيا) – الكلمة (كريجما) – العبادة (ليتورجيا) – الخدمة (دياكونيا) – الشهادة (مارتيريا) – المجيء (باروسيا).
 
لقد رأيتك سيدنا الحبيب رجلاً يصنع الرجال؛ وسمعتك عندما كنت تأتينا مكرسًا وخادمًا كالنحلة النشيطة؛ وأنت محلوق الشعر كالجندي الملتزم (العسكري) وبقامتك المشدودة وجسدك الفارع وخطواتك الواسعة الواثقة؛ وجبهتك العريضة اللامعة؛ وعينيك الدامعتين وصوتك الجهوري (امسك يدي وقدني كما تشاء)؛ وفمك المتسع بالابتسامة وضحكاتك المجلجلة وكلامك الحماسي وملامحك التي لا تعرف الحياد؛ فإما أن تكون مرحة مفرطة في الفرح؛ وإما أن تكون جادة ملتزمة؛ أو ثائرة تدين التراخي والانحلال.. لكن أنهكك المرض، وأتذكر ذات مرة عندما قابلتك حينما جئت إلى لندن في سنة ١٩٨٢ للعلاج بعد خروجك من السجن (التحفظ)؛ وكم كانت آلامك وظروف صحتك الحرجة التي زادها السجن اعتلالاً!! كذلك كم كنت متأثرًا ومنكسرًا بسبب منعك من الوجود في إيبارشيتك لحوالي ثلاث سنين بعد السجن؛ تراها من بعيد لكن لا تدخلها... مما أضاف إلى آلامك في شوكة المرض، لكنك ستبقى دائمًا كمال وحبيب وبيمن الراعي... وقد توجت أعمالك بكتابك الدُرة الذي تم نشره بعد نياحتك عن (الكاهن القبطي).. وأخيرًا في ١٩ مايو ١٩٨٦ خلعت خيمة الجسد وانهار ذلك الجسد المنهك بالأتعاب والأمراض؛ والذي حوى إلتهابًا ونارًا متأججة؛ فخرجت روحك معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر؛ لكنك حي عند إله الأحياء ولازلت تتكلم بعد

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter