الأقباط متحدون - القاعدة تنقل قياداتها الى سوريا لتأسيس امارة اسلامية تجابه الدولة الاسلامية
أخر تحديث ١٣:٥٥ | السبت ١٤ مايو ٢٠١٦ | ٦بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٢٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

القاعدة تنقل قياداتها الى سوريا لتأسيس امارة اسلامية تجابه الدولة الاسلامية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

ميشيل حنا الحاج
الحديث عن تأسيس امارة اسلامية في سوريا، تردد كثيرا مؤخرا، وكأن الكتاب والمحللين المتابعين لسير الأحداث، قد أكتشفوا للتو وجود هذا الاحتمال، مع أنه احتمال يدور في خلد أيمن الظواهري، أمير القاعدة،  وأبو محمد الجولاني، أمير جبهة النصرة  المنتمية للقاعدة، وكان وجوده السبب وراء رفض الجولاني المتكرر لكل المحاولات الساعية لاقناعه بالتخلي عن انتمائه لتنظيم القاعدة.

فقد بذلت الدولة القطرية ومعها تركيا خلال عام 2014، مساع جدية لاقناعه بفك ارتباطه بتنظيم القاعدة. ويسترجع الكاتب الأردني عريب الرنتاوي في مقال له في جريدة الدستور، فصولا عن محاولات قطر وتركيا لاقناع الجولاني بفك ارتباطه بتتنظيم القاعدة "ولو شكليا على الأقل"، كما يستذكر محاولات قناة الجزيرة واخواتها لتلميع صورة الجولاني عشية انعقاد مؤتمر جنيف، على أمل ان يصبح له دورا ما في ذاك المؤتمر. لكن الجولاني رفض كل تلك المحاولات، رغم كل الاغراءات المالية والمغريات الأخرى التي وعد بها مقابل تخليه عن القاعدة وفك ارتباطه بها.

وازاء فشل تلك الاغراءات المالية، أدلت الولايات المتحدة عندئذ بدلوها منذ أوائل عام 2015، محاولة اقناع الجولاني بشتى الوسائل، للتخلي عن انتمائه للقاعدة. وكان من بين الاغراءات التي وعد بها، مزيدا من الأسلحة، بل والسلاح الحديث منه، اضافة الى معلومات استخبارية تساعده على الانتصار في معاركه مع الدولة السورية، وتعزز موقفه في مواجهة الدولة الاسلامية...  

وقدمت الولايات المتحدة فعلا عدة تسهيلات استخبارية لجبهة النصرة عن نقاط الضعف في مواقع القوات السورية. وهذه المعلومات.. مكنت الجبهة التي شكلت جيش الفتح بمشاركة أحرار الشام وكتيبة أو أكثر تنتمي للجيش السوري الحر، اضافة  الى جند الأقصى وكتائب أخرى تدين بالولاء للاخوان المسلمين... مكنتهم من السيطرة على محافظة ادلب وجسر الشغور. وكانت تلك هي المحافظة السورية الأولى التي تسيطر عليها جبهة النصرة، اضافة الى سيطرتها على مواقع في حلب، وأخرى في محافظة درعا ومنطقة القنيطرة وبعض المواقع الأخرى في سوريا. ولكن رغم كل التسهيلات الاستخبارية والمساعدات السرية الأخرى التي قدمت لجبهة النصرة، فان الجبهة لم تتراجع عن موقفها الداعم لتنظيم القاعدة، رافضة فك ارتباطها بها.

وعندما تم الاتفاق على وقف الأعمال العدائية في سوريا في نهايات شباط الماضي، فان هذا الوقف لم يشمل جبهة النصرة  المتواجدة في مدينة حلب، لكونها مصنفة من مجلس الأمن الدولي بكونها منظمة ارهابية... فاتفاقية وقف اطلاق النار والأعمال العدائية، شملت المجموعات المسلحة المصنفة بالمعتدلة وشاركت في مؤتمر الرياض، (تجاوز عددها المائة مجموعة وحزب كان من بينها أحرار الشام وجند الأقصى ومجموعات أخرى منضوية تحت لواء جيش الفتح)، لكنها لم تشمل جبهة النصرة.  وهنا ظهرت المشكلة الفعلية في كيفية تطبيق عملية وقف الاعمال العدائية في حلب بالنسبة للتنظيمات الستة المتحالفة مع جبهة النصرة والمكونة لجيش الفتح معها.  فهذه كانت كتائب بحكم تحالفها مع جبهة النصرة، تتواجد في مواقع مشتركة مع الجبهة، مما كان يؤدي لاصابات في صفوفها لدى قيام القوات السورية والطيران الروسي بقصف مواقع جبهة النصرة في حلب.

وارتفعت أصوات المعارضة المسلحة منددة بعدم التزام الحكومة السورية باتفاقية وقف اطلاق النار التزاما شاملا، لكونها تصيب بقذائفها أحرار الشام وجند الأقصى وكتائب تابعة للجيش السوري الحر،  وأخرى تدين بالولاء لحركة الاخوان المسلمين، مما أدى في نهاية الأمر الى انسحاب الوفد المفاوض من المحادثات الجارية في مؤتمر جنيف، وهو انسحاب سبقه تصريحات من رياض حجاب، رئيس وفد المعارضة المفاوض في جنيف، تطالب بوقف الأعمال العدائية ضد المجموعات المسلحة المتواجدة في حلب، والتي شاركت في مؤتمر الرياض، قبل عودة الوفد المعارض للمشاركة في محادثات جنيف. ووصف الكاتب الأردني عريب الرنتاوي في مقال حديث له، موقف رياض حجاب بأنه "خروج عن المألوف عندما تحدث بدون مواربة عن (لا واقعية) مطلب الفرز الجغرافي بين وحدات مقاتلي المعارضة المسلحة المعتدلة ومقاتلي جبهة النصرة".  

وفي حوار أجرته قناة بي بي سي مع أنس العبدة" قبل أسبوعين أو ثلاثة ضمن برنامج عنوانه عن قرب أو بلا قيود (لا أذكر بالضبط)، تطرق النقاش مع أنس العبدة الى صعوبة التمييز بين القوات التابعة لجبهة النصرة وتلك التابعة للكتائب المتحالفة معها في جيش الفتح، بسبب اندماج كل الأطراف  في مواقع متشابكة أو متقاربة. وهنا اعترف أنس العبدة، رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، والذي يفترض به أن يكون على أرض الواقع رئيس حكومة المعارضة المسلحة أو رئيس سلطتها التنفيذية، بصعوبة الوضع، متمنيا على جبهة النصرة أن تفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، لأن فك ارتباطها بالقاعدة،  يؤدي الى شمولها بوقف العمليات العدائية، ويعمم بالتالي تطبيقه على كافة الأراضي السورية باستثناء تلك التي تتواجد فيها الدولة الاسلامية. وهنا وجه (العبدة) نداء عبر قناة البي بي سي لأبو محمد الجولاني أمير جبهة النصرة، يناشده فيه فك ارتباطه بالقاعدة ليساعد الثورة السورية على تعزيز مواقعها والمضي في طريقها. لكن جبهة النصرة وأميرها، لم يستجيبا مرة أخرى لذاك النداء أو لتلك المحاولة المطالبة بتخلي جبهة النصرة عن انتمائها للقاعدة.

وكانت الولايات المتحدة منذ فشلها في تصفية تنظيم القاعدة المتواجدة قيادتها في أفغانستان، رغم دخولها في قتال عنيف معها ومع حلفائها من مقاتلي طالبان لعدة سنوات،  قد بدأت تنتهج وسيلة أخرى لتصفية القاعدة، وذلك عن طريق تفكيكها وتشجيع التنظيمات المنتمية لها وتشكل فروعا وأذرعا لها، على فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، ومبايعة الدولة الاسلامية التي غضت الولايات المتحدة النظر عن تأسيسها (منذ عام 2006) باسم دولة العراق، ومن ثم دولة العراق الاسلامية التي قاتلت في سوريا الى جانب جبهة النصرة، الى أن دب الخلاف في منتصف عام 2013 بين أبو بكر البغدادي، أمير دولة العراق الاسلامية،  وأبو محمد الجولاني.. أمير جبهة النصرة، فانفصلت دولة العراق عن جبهة النصرة، مستبدلة اسمها ليصبح دولة العراق والشام الاسلامية (داعش)، ومن ثم لاحقا الدولة الاسلامية. 

ونجحت الدولة الاسلامية فعلا في استدراج العديد من التنظيمات الموالية للقاعدة، لفك ارتباطها بالقاعدة ومبايعة الدولة الاسلامية وأميرها البغدادي كخليفة للمسلمين. وقد اقترب عدد التنظيمات التي فكت ارتباطها فعلا بتنظيم القاعدة، الثلاثين تنظيما كان من أبرزهم بوكو حرام في نيجيريا، وتنظيم بيت المقدس في سيناء، وأنصار الشريعة في ليبيا وتونس، وأبو سياف في الفلبين.  بل وكان من بين من فك ارتباطه بالقاعدة، أحد ألوية طالبان الذي فك ارتباطه بها معلنا انشاء امارة خراسان الاسلامية. وهذا النجاح الذي حققته الدولة الاسلامية في تفكيك القاعدة ولو الى حد ما، هو الذي يقف وراء التعامل الأميركي الرحيم مع الدولة الاسلامية رغم اعلان الحرب عليها منذ 27 أيار (مايو)، وهو الاعلان والذي ورد للمرة الأولى على لسان الرئيس باراك أوباما في خطاب القاه في أكاديمية وست بوينت في نيويورك.  فلم تلجأ واشنطن لتشديد حملتها على الدولة الاسلامية، الا بعد التدخل الروسي في سوريا منذ النصف الثاني من عام 2015 ، مما وضع واشنطن في حالة تنافس جدي مع روسيا في عملية قتالهما للدولة الاسلامية. 

وهكذا باتت علامات الضعف تظهر تدريجيا على القاعدة،  فلم يبق لها مناصرون الا تنظيم القاعدة في اليمن، وشباب الصومال في الصومال (رغم انشقاق أحد أجنحتهم)، ومجموعات موالية للقاعدة متواجدة في مالي، اضافة الى تنظيم القاعدة في المغرب العربي.  لكن الحليف الأكبر للقاعدة  والأكثر تأثيرا ومحافظة على ولائه لها، كان جبهة النصرة، وهو ما يفسر المساعي السرية التي بذلتها قطر وتركيا وبعدهما أميركا، لمحاولة اقناع الجولاني بفك ارتباطه بالقاعدة، اذ كانت تلك المساعي تحاول توجيه ضربة شبه قاضية لتنظيم القاعدة. ولكن تلك المحاولات السرية ظلت بدون جدوى أو استجابة، فلم يستجب أبو محمد الجولاني لها حتى عندما بلغت مرحلة العلنية عبر ذاك النداء الذي وجهه أنس العبدة للجولاني،  على الهواء مباشرة، وعبر شاشة البي بي سي، والذي طغت عليه لهجة العتاب والتوسل. 

فالجولاني كانت لديه مخططات أخرى تعززها مباركة من أيمن الظواهري القابع في موقع ما قد يكون جبال تورا بورا في أفغانستان، والذي باتت لديه أيضا خطة مضادة للخطة الأميركية الساعية، بالتعاون مع الدولة الاسلامية، الى تقزيم تنظيمه. وبات الجولاني والظواهري يعملان الآن على تعزيزه. وقد شجع اندفاعهما، سيطرة الجبهة على محافظة ادلب وجسر الشغور، والتي حظي الجولاني بها نتيجة تخطيط قاعدي منفرد، أو بمؤازرة أميركية، كان هدفها الأساسي تشجيعه على فك ارتباطه بالقاعدة، واذا بها تنقلب الى تعزيز ارتباطه بها.

ويقول المثل العربي: "اللي ما بيجي معاك  تعالى معاه"...كما يقول مثل عربي آخر: "الايد اللي ما بتقدر عليها...بوسها وادعي عليها بالكسر". وهكذا، ومن باب "فخار يكسر بعضه"، بدأت الولايات المتحدة في التجاوب مع المخطط القاعدي الجاري العمل عليه سرا وفي ظلال من الكتمان، وهو تعزيز موقع جبهة النصرة في سوريا لتصبح محافظة ادلب، المتوازنة مع محافظة الرقة لدى الدولة الاسلامية رغم التفاوت في المساحة الجغرافية، موقع القيادة الجديدة لتنظيم القاعدة، وتكون نقطة انطلاق لمواجهة الدولة الاسلامية التي سعت الى ابتلاع تنظيم القاعدة، لكنها أخطأت عندما تمردت  على الحدود التي رسمت أميركيا لها، وذلك بممارسة الكثير من أعمال العنف الشديد وقطع الرؤوس (بما فيها بعض الرؤوس الأميركية)، اضافة الى التوسع في نشاطها ليشمل الدول الأوروبية وربما الولايات المتحدة ذاتها أحيانا.

ولكن تخطيط الظواهري المتوافق مع مخطط الجولاني الطامع لأن يخلف الظواهري (الذي بلغ من العمر عتيا) في قيادة تنظيم القاعدة اذا ما رحل الظواهري عن قيادتها لسبب ما، قد بدأ في التبلور قبل عدة سنوات، وقبل سيطرة جبهة النصرة على محافظة ادلب وجسر الشغور. ويقول الكاتب تشارلز ليستر Charles Lister في دراسة له نشرت في  مجلة فورين بوليسي Foreign Policy  في الرابع من أيار (مايو) 2016 ، أن "القاعدة قد نقلت بعد سيطرة النصرة على ادلب، عددا من كبار قياداتها الجهادية والمؤثرة الى سوريا". وكان بعضهم قد نقل قبل ذلك. ويعدد الكاتب استنادا الى حوارات أجراها مع بعض المطلعين، أسماء بعض من تم انتقالهم الى سوريا منذ منتصف عام 2013، اثر فك الارتباط بين دولة العراق الاسلامية والنصرة، ومن ثم بين داعش وتنظيم القاعدة، وما تبعها من من هروب عدد من المنتمين لجبهة النصرة والتحاقهم بالدولة الاسلامية، مما هدد مستقبل الجبهة وقدرتها على الصمود في وجه ذاك التطور.

ويذكر  الكاتب من بين تلك الأسماء التي وصلت الى سوريا بشكل مبكر، كلا من عبد المحسن عبد الله ابراهيم الشريخ  الملقب بصنافي النصر (وهو أحد أقرباء أسامة بن لادن)،  وكذلك احد قيادات تنظيم القاعدة البارزين في ايران وهو محسن الفضلي، وكذلك عددا من القيادات الجهادية الواردة أسماؤهم على قائمة أكثر المطلوبين سعوديا (كما قال الكاتب)، ومنهم عبد الله سليمان صالح الدباح الملقب بأبو علي القاسمي، اضافة الى عدد من الجهاديين السوريين المعروفين بقدراتهم على صناعة القنابل ومنهم رضوان نموس الملقب بأبو فراس السوري، وأبو همام السوري.

وواكب هذه الخطوة، وخصوصا بعد اعلان أبو بكر البغدادي نفسه خليفة للمسلمين في نهايات 2014، ولجوء الدولة الاسلامية بعدها الى تنفيذ العديد من الأعمال الوحشية التي شملت قطع الرؤوس واعدام الأسرى (أبرزها مجزرة سبايكر في صلاح الدين التي حصدت مئات الأرواح)، واغتصاب الأزيديات والمسيحيات وبيعهن رقيقا... توجيه من أيمن الظواهري الى جبهة النصرة بتوخي الاعتدال في سلوكها، وتجنب الاقتداء بالأعمال الوحشية التي ترتكبها الدولة الاسلامية يوما بعد آخر، وذلك سعيا منه لتوفير صورة أجمل لجبهة النصرة، تختلف عن الصورة السيئة التي تطرحها الدولة الاسلامية كجزء من سياستها الساعية لاشاعة الرعب بين الناس، علما أن جبهة النصرة كانت في ماضيها، قد ارتكبت أيضا أعمالا مشينة كهذه منذ ظهورها، وخصوصا في عام 2013، عندما نفذت أكثر من مرة  قرارات باعدام عدد من الجنود السوريين، كما قام بعض أعضائها، ويقال أن بينهم بعض قياداتها، بالتناوب على اغتصاب الفتاة القاصر (ماريا) في مدينة القصير.

وتعزيزا لتشديد قبضتها على محافظة ادلب بعد سيطرتها عليها، قامت جبهة النصرة بسحب بعض قواتها من حلب ومن درعا في صيف 2015، مضيفة اياهم الى قواتها المتواجدة في تلك المحافظة. وكذلك أرسل الظواهري الى ادلب مزيدا من قيادات القاعدة للتمهيد لمشروعه القادم باعلان امارة اسلامية في محافظة ادلب. ويقول كاتب الدراسة المنشورة في "فورين بوليسي"، أنه كان من بين هؤلاء القادمين الجدد لتعزيز قيادة التصرة في ادلب، الكولونيل سيف العدل المصري الذي كان قائدا للقوات الخاصة، وكانت المهمة التي حددها له الظواهري، هي الحيلولة دون قيام جبهة النصرة بفك ارتباطها بالقاعدة اسوة بالتنظيمات الأخرى، وضمان السير قدما بتحقيق مشروع الظواهري بانشاء امارة اسلامية في شمال سوريا. ورافق سيف العدل ثلاث من قيادات القاعدة البارزين، اثنان منهم كانا مصريا الجنسية وهما ابو الخيار المصري وعبد الله احمد عبد الله المعروف أيضا باسم أبو محمد المصري. وهذان القياديان كانت لهما صلة وثيقة في تفجير السفارتين الأميركيتين في كل من كينيا وتنزاانيا عام 1998، علما أن  أبو الخيار كان أحد مساعدي أيمن الظواهري، كما كان متزوجا من ابنة أسامة بن لادن. أما ثالث الوافدين برفقة سيف العدل، فقد كان فلسطينيا أردنيا  متزوجا من ابنة أبو مصعب الزرقاوي - قائد تنظيم القاعدة في العراق بين الفترة من 2003 الى 2006 واسمه خالد العروري.  واذا تأكد  وجود هؤلاء الثلاثة الذي رافقوا سيف العدل، فان هذا قد يفيد بأن أهم قيادات القاعدة، قد باتت الآن في ادلب وليس في أفغانستان أو باكستان.

وتكريسا لكون ادلب قد أصبحت هي الموقع الذي يحظى بالاهتمام الأكبر من القاعدة باعتبارها امارة اسلامية مستقبلية، فقد جرى نقل سامي القريضي واياد الطوباسي المسمى أيضا بأبو الجلابيب، من موقعهما في جنوب سوريا (من درعا) الى محافظة ادلب، علما أن سامي القريضي كان مسؤول الاشراف على تطبيق الشريعة،  مما يجعله الرجل الثاني في جبهة النصرة ويؤهله لخلافة الجولاني اذا ما قتل أو أسر. وقد تم انتقال هذين القائدين الى ادلب، بعد التدخل الروسي في سوريا. وقدر البعض أن المجيء بأبو الجلابيب المعروف بشدته وبطشه ... الى محافظة ادلب، كشف عن توجه  للتشديد على أهمية تنفيذ مشروع الظواهري - الجولاني، لتأسيس امارة اسلامية انطلاقا من محافظة ادلب، وقد يتم توسيعها لاحقا لتضم حلب أيضا، اذا ما نجحت جبهة النصرة بمؤازرة جيش الفتح، بالسيطرة على المناطق الجغرافية التي تفصل بين مدينة حلب ومحافظة ادلب.

وأراد الجولاني تعزيز موقف جبهة النصرة،  فعقد اجتماعا مع الكتائب المتحالفة معها تحت راية جيش الفتح الذي بدأ الآن في التفكك نسبيا، واقترح على قادة الكتائب المشاركة في الاجتماع، اندماج تلك التنظيمات في تشكيل موحد يسمى جيش الفتح، ليتحول الى كيان موحد، اي ليس مجرد كيان يضم متحالفين. ولكن كتائب أحرار الشام رفضت هذا التوجه مستندة الى كون جبهة النصرة تشكل جزءا من القاعدة، ولا ترغب أحرار الشام بالاندماج مع القاعدة. ولكن فصيلين آخرين من الفصائل الستة المشاركة في الاجتماع، رحبا بتعزيز التعاون مع النصرة.  وهذان الفصيلان هما جند الأقصى والكتائب  التابعة لحزب التركمان الاسلامي.

الا أنه عندما اشتعلت جبهة حلب في شهر أيار - مايو الحالي، وهي الجبهة التي لم تشملها (كما سبق وذكرت) عملية وقف الأعمال العدائية لتواجد جبهة النصرة فيها، بذلت جهود دولية متسارعة (ومنها جهود ستيفان دي مستورا الساعية لضمان عودة مؤتمر جنيف للانعقاد في 17 أيار - مايو)،  استطاعت اقناع موسكو بضرورة الموافقة على أن يشمل وقف الأعمال القتالية مدينة حلب أيضا، رغم وجود النصرة فيها المصنفة دوليا بالارهابية، ورغم امتعاض لافروف - وزير الخارجية الروسي، الذي أشار الى ذ    لك بوضوح في مقابلة له مع "سبوتنيك" في الرابع من أيار (مايو)، قائلا بأنه "هناك من يرغب باستخدام الأمريكيين لمساعدة جبهة النصرة على الهروب من تحت القصف". وأوضح الكاتب سعيد عريقات على موقع "القدس دوت كوم" بأن هيئة دولية سترافق عملية تنفيذ الاتفاق يوما بعد يوم، حبث "اتفقت روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على توفير موظفين إضافيين سيعملون في جنيف على مدى 24  ساعة يوميا طوال جميع أيام الأسبوع، من أجل التأكد من تحسين القدرة على24  ساعة يوميا طوال جميع أيام الأسبوع، من أجل التأكد من تحسين القدرة على فرض تنفيذ وقف الأعمال العدائية" .

ولكن رغم كل الجهود الدولية الساعية لاخراج النصرة من دائرة القصف أو الاغارات الجوية،  سارعت المجموعات السبعة المنتمية سابقا الى جيش الفتح، الى عقد اجتماع طارىء لها في موقع ما في محافظة ادلب، وأعلنت  بنتيجته اعادة بناء جيش الفتح وتوحيد قياداته  لمواجهة الهجمة السورية الروسية، رغم علمهم بشمول حلب بوقف اطلاق النار، ودخول وقف القتال حيز التنفيذ بين ساعة وأخرى.

فهذا التشدد من قبل جبهة النصرة الذي أدى لاستئناف القتال في حلب بعد توقفه لبضعة أيام، انما يرجح سعيها لافشال مؤتمر جنيف، باعتباره سوف يكون محبطا لمشروعها الساعي لانشاء امارة اسلامية في محافظة ادلب في مدة أقصاها نهاية 2016... ومن أجل ذلك، فان مصلحتها لا تقتضي انجاح مؤتمر جنيف، بل افشاله،  لكون نجاحه سيكون محبطا لمخططهم الذي يباركه الظواهري والجولاني في آن واحد، كما باتت تباركه أيضا - ولو سرا - الولايات المتحدة، لكون الامارة الاسلامية ستكون نظيرا للدولة الاسلامية، وخطوة نحو اضعافها وحلولها بقيادة جبهة النصرة  محلها في موقع قيادة الحركات الجهادية، وخصوصا أن جبهة النصرة،  تحاول الآن الظهور بمظهر الأكثر اعتدالا من الدولة الاسلامية، وبالتالي أكثر جدارة على قيادة الحركات الجهادية التكفيرية.

مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين، ومجموعات أخرى.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع