بقلم : محمد فتحى | الاثنين ١٦ مايو ٢٠١٦ -
٤٤:
٠٧ م +02:00 EET
محمد فتحى
■ من ينقذ الأقصر من مدير أمنها؟
فى الواقع لم أتشرف بمعرفة السيد الفاضل مدير أمن الأقصر، ولا قابلته، ولا أعرف اسمه حتى، لكن أعرف أنه فى عهده، وفى أقل من ستة أشهر، دخلت (الشرطة) فى صدام مع الأهالى فى الأقصر أربع مرات (معلنة)، وما خفى كان أعظم.
لا أعرف السيد الفاضل مدير أمن الأقصر، وقد يكون (أفضل) مدير أمن فى الداخلية من وجهة نظر (اللى عينوه) لكن النتائج التى تخرج من تحت يده تشير إلى (مدير أمن غير سياسى)، ربما فهم أن الأمن أهم من السياسة كما فهم وزيره، فغلب الأمن على السياسة، وغابت الحلول، فحدث الصدام فى بلد تشتهر بالطيبة، وتعانى من ضياع لقمة العيش، ويدفع أهلها من العاملين فى السياحة الثمن كل صباح.
والحكاية أنه فى اليوم الذى طيرت فيه وكالات أنباء العالم خبر اختيار الأقصر كعاصمة سياحية للعالم فى 2016، كان مدير مباحث جديد فى قرية (العشى) يحاول أن يعرف نفسه بالناس، فقام بنصب كمين بالقرب من بعض المقاهى، وانتفخت أوداجه وهو يوقف (موتوسيكلاً) يقوده طفل فى الرابعة عشرة من عمره، يعانى من (صعوبات) فى الكلام، لكنه فى الوقت نفسه ابن إمام مسجد، وجده كان من العاملين فى الأوقاف، وفى الظروف العادية كان المتبع هو مجازاة الولد بغرامة وسحب الموتوسيكل، لكن ما حدث أن (الباشا) أصر على القبض على الولد ومن معه، وتدخل الناس بـ(معلهش) يا باشا، (عشان خاطرنا يا باشا)، (حقك علينا يا باشا)، وعلى ما يبدو أن ذلك أصاب الباشا بغرور سلطة جعله يقول للجميع (على مرأى ومسمع من شهود عيان) متقمصاً دور محمد هنيدى فى «فول الصين العظيم»: «أنا هنيّمكم من المغرب يا بلد مافيكيش راجل»..
وكان ذلك إيذاناً ببدء الاشتباك. ضابط (شايف نفسه)، يستطيع حل الموضوع بسهولة، وتطبيق القانون دون (كلام مالهوش لازمة)، أهان (صعايدة) فى بلدهم، واتهمهم بأنهم (مافيهمش راجل)، وكان يجب أن يثبتوا أن (فيهم رجالة) فحدث الاشتباك.
أخطأ الناس بالطبع فى تطوير الأمر لمرحلة (حرق) سيارة شرطة، ويجب عقابهم بالقانون، لكن أخطأ الضابط كذلك، مما دفع بعض (الكبار) و(العقلاء) للتدخل وإيواء (الضابط) و(رجاله) هرباً من فتك أهالى غاضبين، ودفعت مديرية الأمن بتعزيزات، ثم قال أحد (الكبار) هناك للمأمور إنهم بصدد (تهدئة) الأمور، لكن المأمور رد: «مش مهم ظباط يموتوا ما احنا بنموت فى سينا.. المهم كرامتنا»، وكان ذلك إيذاناً بالبدء فى (حملة تأديب) للقرية. عربات شرطة عديدة، وقنابل غاز مسيل للدموع، وضباط وعساكر يمشون بأسلحتهم وهراواتهم بالفانلة الداخلية، وناس تجرى فى الشارع، وقبض عشوائى أسفر عن القبض على أكثر من 30، منهم (بقال) كان يحاول حماية (البضاعة)، ومنهم أسرة بالكامل، وكل ذلك بسبب مخالفة مرور بـ«30 ج» أو مصادرة الموتوسيكل وخلص الموضوع!!
حملة التأديب تركت غصة عند أهالى الأقصر (الطيبين) الذين لا ننكر، ولا يجب أن يمر، خطأ بعضهم فى إحراق عربات الشرطة والاعتداء على الضابط، بل يجب أن يعاقبوا بالقانون، لكن هل ستعاقب الداخلية (بالقانون) الضابط غير المؤهل، والمأمور الذى اعتبرها مسألة كرامة، ومدير الأمن الذى يتكرر الأمر للمرة الرابعة فى عهده، كان أشهرها مقتل المواطن طلعت شبيب؟
الأقصر تحتاج لضباط مؤهلين يا سيادة وزير الداخلية، ومدير أمن سياسى يا فندم، وتطبيق القانون على الجميع بدون استعراض قوة، لأن رصيدكم فى حاجة لكارت شحن قبل أن يوشك على النفاد.
■ مصر فى عربة ترحيلات!!
لم أستغرب ردود الفعل العالمية الإيجابية على العرض الأول للفيلم المصرى (اشتباك) للمخرج محمد دياب، الذى افتتح به قسم «نظرة ما» فى مهرجان كان السينمائى الدولى عروضه، بحضور فريق العمل، لاسيما وقد شرفنى الصديق العزيز معز مسعود، أحد منتجى الفيلم، بمشاهدة نسخ شبه نهائية قبل أكثر من شهر، كما لمست بنفسى دأب الأخوين محمد وخالد دياب فى كتابة السيناريو فى 12 نسخة شرفت بقراءتها، لكنها لم تكن كافية لمنع المخرج من تعديل أخير أثناء التصوير، فى إخلاص شديد وإدارة متميزة لممثلين أدوا أفضل أدوارهم فى فيلم صعب، إذ يدور بالكامل داخل عربة ترحيلات.
الفيلم يستعرض فترة صعبة ومرتبكة لا أعادها الله فى تاريخ مصر، وقت كان الكل (يضرب) فى الكل، و(يكره) الكل، بعد ثورتين كبيرتين عظيمتين هما الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو، ويدور بالكامل داخل عربة ترحيلات تجمع بين نماذج متباينة من المجتمع المصرى، فيهم من يغنى «تسلم الأيادى»، وفيهم من ينتمى للإخوان قلباً وقالباً، وفيهم من يريد أن يمحو (الآخر) من على وجه الدنيا.
نيللى كريم الممرضة التى يدفع بزوجها وابنها (عشوائياً) للعربة رغم أنهم (مؤيدين) تجد نفسها مضطرة لتقطيب جرح شخص تكره انتماءه الفكرى، وتتعاطف مع طفلة تريد أن تقضى حاجتها ولا تستطيع، بينما هانى عادل يلعب دور الصحفى المصرى الأجنبى الذى يحاول تصوير المشهد من الداخل بعد القبض عليه وهو مقيد فى سيارة الترحيلات، وصديقان يعيدان اكتشاف علاقتهما فى العربة، وضباط يموتون بفعل إرهابيين أمام الجميع، ونوبة اختناق تميت أحدهم فى استدعاء غير مباشر لواقعة سيارة الترحيلات الشهيرة، ولعبة (إكس أو) بين الولد والبنت لا تسفر عن فائز، وإن كانت (قفلت). قصص وحكايات وأحداث مشدودة وإيقاع متماسك وإخراج محكم أدى لتصفيق العالم للفيلم الذى يرفع شعار (ضد الهيستيريا)، ويريد أن تبقى مصر وطناً للجميع، وهو الفيلم الذى أتمنى ألا يواجه أى متاعب فى الرقابة، وأن يستقبل بشكل إنسانى وفنى، لأن استقباله بشكل سياسى سيجلب عليه لعنات الجميع، فى مناخ استقطاب مرعب، وهيستيريا يرفضها الفيلم. مبروك للأخوين دياب، وللمنتجين محمد حفظى ومعز مسعود فى تجربته الإنتاجية السينمائية الأولى، استكمالاً لمشروعه الدعوى، محطماً بذلك تابوهات العلاقة الملتبسة بين الدين والفن.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع