لطيف شاكر
التحجب والتعري يضعان المراة في وضع مهين وماتنطوي عليه من قمع والغاء لكينونتها فالقمع يصور المراة عوره واداه اغراء واغواء ينبغي تحجيبها والغاؤها ومحوها والتعري يظهرها سلعة للاستثنار والتجاره
فالمرأة صارت بالحجاب والتعري مجرد جسد قابل للتعرية حينا وللتغطية حينا
لا شكّ في أنّ للجسد أهميته الكبيرة في حياة الإنسان، فهو يشارك النفس البشريّة مصيرها، كما أنَّه وسيلة التعبير وأداة العمل، والصورة الخارجيّة الزاهية التي تعبّر عن جمال النفس وأصالتها وقيمتها.
ولعلّ قيمة الجسد وعظمته تظهران بأبهى صورة في تجسّد ابن الله يسوع المسيح, فبتجسُّده أعطى جسد الإنسان مكانةً وعظمةً ومجداً, لا يمكن لأحدٍ أن يسبر أبعاده كلّها.
إنَّ لجسد الإنسان حرمة لا يجوز انتهاكها، وتعرية الإنسان انتهاك لكرامته البشريّة، مهما كانت المسوّغات الزائفة التي تُساق لتبرير ذلك
لقد انتشرت حُمى “العُري” بين الناس بطريقة لم يسبق لها مثيل؛ ففي وقت مضى كان فقط بالشواطئ والبحر والنوادي الليلية؛ أما الآن فتراه في كل مكان.
بل الأغرب حينما ترى العُري والملابس الخليعة في الجامعات والشارع، بل وفي كل المناسبات، حتى داخل الكنائس! لكنها تُسمَّى بـ“موضة العصر”
وكم يحزن قلب الرب أن يرى من دُعِي عليهم اسم المسيح في ملابس خليعة أو مظهر عالمي صارخ أو سلوكيات لا تمجِّد الله، هؤلاء الذين خلقهم الله ليكونوا على صورته كشبهه وطلب منهم أن لا يشاكلوا هذا الدهر
لقد اكتشف الإنسان عريه حين سقط في الخطيئة
يعلّمنا الكتاب المقدس، أنّ الإنسان بعد مخالفته وصيّة الله، وتمرّده عليه اكتشف أنّه عارٍ، وعندئذ اختبأ من وجه الربّ. نقرأ في سفر التكوين: «فنادى الربّ الإله آدم وقال له: أين أنت..؟ فأجاب: سمعت صوتك في الجنّة فخفتُ،ولأنّي عريان اختبأت» (تكوين 3/9-10).
إنّ العريّ هو حالة من الخزي والعار والتردّي، تدفع إلى الاختباء والهروب من وجه الربّ، وليس مجالاً للفخر والظهور والاعتزاز. أمّا الاحتشام في اللباس والسلوك، فهو علامة لنبل الإنسان وانتمائه إلى خالقه، تبتغي الحفاظ على صورته البريئة الأولى وكرامته كابن لله مخلوق على صورته.
ويل لذلك الانسان الذي به تأـي العثرة " مت 7:18"
يحمل هذا الإنذار كلّ معاني التقدير للإنسان، والحرص على خلاصه، فهو التعبير الكامل عن المحبّة، ينطلق من قلب المسيح الدامي، الذي جاء ليخلّص الإنسان، ويدفع ثمن الخلاص بدمه الطاهر.
هذه الصرخة التي تتجاوز حدود الكون في الزمان والمكان، هل تجد آذاناً صاغية وسط عالم اليوم المليء بالشكوك والعثرات، التي يتسبّب بها أولئك الذين صمّوا آذانهم، وأغلقوا عيونهم عن رؤية الحقيقة.
هل يدرك الشبان والشابات عِظَم مسؤوليتهم، حين يتسبّبون عن علم أو عن جهل بسقوط الكثيرين في عالم الخطيئة..؟ وذلك بلباسهم الفاضح وسلوكهم المشين. وهل يفكّر هؤلاء في المراهقين وفي نيران الشهوة، التي يلهبون بها مشاعرهم، حين يرتدون الألبسة الفاضحة التي تفصِّل الجسد بكلّ تفاصيله..؟ وهل يأبه هؤلاء العراة المكتسون بغلالات شفافة، بالشرّ الذي ينتج من تصرفاتهم تلك..؟ فليس أفصح دلالة على العقاب الذي ينتظرهم، من قول الربّ له المجد: " ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر" مت6:18
بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغرة لصوص " مت 13:21"
لقد شددت الكنيسة باستمرار على ضرورة الاحتشام في اللباس في الكنائس، ولاقت دعوتهم تلك استجابة من غالبيّة المؤمنين. إلاّ أننّا نلاحظ أنّ البعض ما زال مستمراً في غيّه، ومستخفاً بالدعوات المستمرة إلى الالتزام بلباس لائق ببيت الله، وحجّتهم في ذلك أنّ تطوّر العصر والمفاهيم يحتّم على الجيل الجديد اتباع نمط معيّن، وطريقة حديثة في اللباس تواكب العصر. هكذا يسمّون العبوديّة المطلقة لتيارات غريبة وعجيبة تحرّراً وتقدّماً إنّهم يتبجّحون بالتعابير الجوفاء تغطية لتجاوزهم كلّ الأعراف والتقاليد والقواعد الإيمانيّة، التي تحتّم احترام بيت الربّ وحرمة دور العبادة. وإذا كان الربّ له المجد ينذر بالويل من يعرّض غيره للخطيئة في أيّ مكان، فكم يكون الإنذار بالويل شديداً لمن يسبب العثرات في دور العبادة، فيصدّ الناس عن الصلاة والمناجاة والسجود للربّ.
أمَ لستم تعلمون أنّ جسدكم هيكلّ للروح القدس...!؟ " 1 كو19:6 "
عندما نتأمّل بعمق في قول القدِّيس بولس هذا، لا يسعنا إلاّ أن نتعجّب من الكرامة التي يسبغها الله على الإنسان المؤمن، إذ يسكب روحه القدُّوس في جسده ليتحوَّل إلى مسكن للروح القدس أي هيكلّ لله. هذا الهيكل لم يُبنَ من حجارة ميتة، بل من حجارة حيّة كما يقول القدِّيس بطرس: «كونوا انتم ايضا مبنين كحجارة حية بيتا روحيا » (1بط 5:2
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل أسلك في حياتي كهيكل للروح القدس. إنّ الحديث ليس مجالاً للغرور والكبرياء، والشعور بالامتياز والتفوّق على الآخرين. بل هو مسؤوليّة عظيمة تحتّم عليّ أن أفهم ما معنى أن أكون هيكلاً للروح القدس.
فلا بدّ من التأمّل في مفهوم الهيكل هذا.
? الله حاضر في هيكله. فهل أشهد بأعمالي وتصرّفاتي وأقوالي لحضور الروح القدس في جسدي..؟
? الهيكل مقام للسجود والتسبيح والتمجيد لعظمة الربّ. فهل جسدي هو مذبح تقام فيه الصلوات والتسابيح، وهيكل قائم حقاً لتمجيد الربّ..؟
? الهيكل يجمع المؤمنين، ويجتذبهم ويوحّدهم ليكونوا شعباً مقدّساً للربّ.
فهل أجمع مع الربّ أم أبدّد..؟ أأنا وسيلة لاجتذاب المؤمنين إلى الربّ، أم لصدّهم وإبعادهم عنه..؟
إنّني أدعو كلّ إخوتي من أحبّاء الربّ يسوع إلى التأمّل في هذه الأسئلة الأساسيّة، التي تمسّ جوهر إيمانهم المسيحي.
أمّا الجسد فليس للزنى، بل هو للربّ والربّ للجسد " 1كو 13:6 "
يؤكّد القدِّيس بولس في هذه الآية حقيقة أساسيّة، وهي أنّ الجسد هو للربّ، والربّ للجسد، لذلك فهيكل الربّ يجب أن يكون طاهراً مقدساً وبلا عيب، لا مسرحاً أو ملعباً للأهواء والشهوات الدنسة، التي تسبّب العثرات للآخرين، فالربّ هو مخلّص الجسد، وقد دفع ثمن هذا الخلاص بدمه الطاهر على الصليب، لذلك يقول القدِّيس بولس: "فقد اشتُريتم بثمن" 1كو 20:6
فنحن لسنا لأنفسنا بل للربّ. فهل يحق لنا بعدما سمعنا هذا الكلام، أن نجعل من أجسادنا وسائل لزرع الشكوك، وبذر العثرات أمام إخوتنا، فنكون بذلك أدوات سقوطم وهلاكهم.
فمجدوا الله في أجسادكم وفي ارواحكم التي هي لله " 1كو20:6 ".
فهل أدركنا ما معنى أن تكون أجسادنا هيكل الروح القدس..؟
إنّ الله لا يحب السُكنى في هياكل حجريّة باردة، بل يتوق باستمرار إلى السكن في قلوبنا، ليقيم فيها عرشه، ويحوّل أجسادنا الخاطئة إلى ملكوت له
تظهر الحشمة في حياتنا في عدة جوانب:
المظهر العام للملابس: تكلَّم الكتاب المقدس عن حشمة الملابس فقال: «وكذلك أن النساء يزيِّنَّ ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل» (1تيموثاوس2: 9). وحينما تكلم الرب للكهنة في لاويين8: 2-9 وصف لهم نوعية ومظهر ملابسهم، وإذا قرأنا تفاصيلها سنجد فيها الحشمة والوقار حرفيًّا، وصورة لغطاء بر وقداسة المسيح روحيًّا.
لذلك دعونا ننتقي ثيابنا بدقة تعكس كرامة المسيح فينا!
الابتعاد عن العُـري: العُري هو مظهر من مظاهر الخطية، والاحتشام من ملامح السير مع الله. سقط آدم وحواء (تكوين3) وتعروا لكن الرب ألبسهما أقمصة من جلد، ومجنون كورة الجدريين عَرَّاه الشيطان لكن الرب يسوع خلصه وصار «لابسًا وعاقلاً» (مرقس5)، وأيضاً قيل عن الشعب وهو يعبد العجل إنه «تعَرَّى للهُزء بين مقاوميه» (خروج32: 25).
لنحذر تقليد الناس الأشرار في ملابسهم الخليعة
التعقل في تصفيف الشعر: خلق الله شعر الرأس للإنسان ليكون جمالاً له، فهو للمرأة مجد لها (1كو11: 15)، فلا يليق أن يُشَوَّه هذا المجد بتسريحات أو ألوان أو أشكال بعيدة عن الذوق المسيحي.
وكذلك بالنسبة للرجل أيضًا أشار الرب عدة مرات إلى مظهر شعره، فكان ممنوعًا لرجال الله أن يجعلوا قَرعة في رؤوسهم (لاويين21: 5)، ولا يغطي الرجل شعر رأسه وهو يصلي (1كو 11: 7)، ولا يُرخي شعره؛ أي يُطيله (1كو11: 14).
فلهذه الأسباب يجب أن ننتقي مظهر الشعر الذي يمجِّد الله، لا كما يفعل نجوم السينما أو نجوم الملاعب، بل كما يليق بمنظر ومظهر أبناء الله!
الرزانة في التصرفات: يقول الكتاب المقدس عن من يخدم الرب أنه يجب أن يكون «صاحيًا عاقلاً مُحتشمًا» (1تيمو3: 2).
أي ليس بمُستهتر أو طائش؛ إنه رزين وجاد، ومُميِّز وحكيم. ” أي يسلك حسنًا مُدقِّقًا.
هل أنا وأنت هكذا؟
هل جسدي ملكي ؟! ..الرد في المقال التالي