الأقباط متحدون - من يستهدف مصر؟
أخر تحديث ٠٩:٢٥ | الاثنين ٢٣ مايو ٢٠١٦ | ١٥بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٣٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

من يستهدف مصر؟

وفاء صندى
وفاء صندى

فى كل مرة نقع فيها فى مصيبة، فإننا مثلما نكتشف الأصدقاء، نكتشف أيضاً الأعداء. والحقيقة مع كل أزمة تمر بها مصر مؤخراً، أُصدم، شخصياً، بحجم أعدائها سواء فى الداخل أو فى الخارج. فكل من يتشفى فى مصيبة أخيه، وكل من يصطاد فى الماء العكر، أو ينظر فقط إلى النصف الفارغ من الكوب، وكل من ينتقى من الأخبار فقط ما يناسب توجهه، فلا يمكن فى أى حال أن تجد له أعذاراً، ولا يمكن أن تتوقع منه صفاء النية، ولا يمكن إلا أن تصنفه فى خانة الحاقدين أو الأعداء.

عندما شاع خبر اختفاء الطائرة المصرية وتأكد خبر تحطمها بعد ذلك، لم نجد مواقع إخبارية ولا تصريحات إعلامية تشير مباشرة إلى أن الحادث إرهابى، ولم نجد صوتاً واحداً يتهم فرنسا بالتقصير الأمنى، بل التزمت كل الأصوات، التى سارعت قبل 6 أشهر وعند سقوط الطائرة الروسية فى جنوب سيناء بوصف الحادث بالإرهابى حتى قبل بدء التحقيقات، الصمت، وبلعت لسانها، مشيرة فقط إلى أن الحادث يحتمل أكثر من فرضية بما فيها الإرهاب.

بين حادث جنوب سيناء وحادث مصر للطيران هناك وقائع لا بد من الوقوف عندها لإبراز كيف يكيل هذا العالم بمكيالين، وكيف نحن العرب بالتحديد ندفع فاتورة هواننا على أنفسنا، وكيف أننا نمثل الحلقة الأضعف فى عالم بات يركض نحو الأمام فى الوقت الذى نحطم فيه نحن بعضنا البعض ونتآكل ذاتياً بسبب خلافاتنا التافهة أو انقساماتنا السياسية والطائفية.

عندما تحطمت الطائرة الروسية، قبل أكثر من 6 أشهر، تم وصف الحادث بالإرهابى كأول رد فعل روسى-غربى، وعوقبت مصر بتعليق الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ، التى لا تزال تدفع غالياً فاتورة الإرهاب، بعدما تحولت إلى مدينة مهجورة إلا من أنين الكثير ممن تضرروا، إلى حد فقدان قوتهم اليومى، بهذا العدوان الغاشم على أرزاقهم. أما عندما تحطمت الطائرة المصرية العائدة من باريس، فإن احتمال الإرهاب ليس أولوية، ليس لأنه (الإرهاب) الأبعد عن فرنسا، التى لا تزال لم تجمع شتاتها بعد تفجيرات باريس، ولكن لأن أصابع الاتهام ترفض أن تورط الأجهزة الأمنية الفرنسية فى حادث سوف يكون له بالتأكيد تداعيات خطيرة إذا ما ثبت فعلاً أنه ناتج عن عملية إرهابية.

وعندما تحطمت الطائرة الروسية، الكل أجمع على أن المستهدف هو مصر فقط باعتبارها موبوءة بالإرهاب، فى الوقت الذى كان هناك أكثر من سبب يدفع القوى التى تحرك الإرهاب فى العالم إلى استهداف روسيا، خصوصاً بعد مواقفها الصارمة فى سوريا ودعمها لنظام الأسد ومحاربتها لـ«داعش» ومواجهتها للمعارضة المدعومة من أكثر من قوة إقليمية ودولية، لكن دائماً لا صوت يعلو فوق صوت الأقوياء، روسيا لم تتحمل وزر هذه العملية الإرهابية، بينما من دفع ثمنها هو مصر.

وعندما تحطمت الطائرة المصرية بعد إقلاعها من باريس، فمرة أخرى من سيدفع ثمنها هو مصر، ما دام هناك من سيفصّل سيناريوهات جاهزة، مرة بالادعاء بأن «ربان الطائرة انتحر!»، أو أن «الطائرة وقعت بسبب عطل تقنى» أو بسبب «حالة الطائرة المترهلة رغم تكرار شكاوى طاقمها»، أو غيرها من الأخبار التى سارعت بعض المنابر إلى ترديدها دون أى دليل، ولكن فقط من باب الهروب إلى الأمام وإلقاء مسئولية الحادث على مصر، أو إظهار تقصيرها ولا مبالاتها بأرواح أبنائها وسياحها. بينما مسئولية فرنسا الأمنية، لا أحد خاض فى الحديث عنها، ولا أحد وجه الاتهام إلى فرنسا بكونها مستهدفة من الإرهاب، ولم يفتح سجال بخصوص حالة الأمن داخل مطار باريس، ولم تفتح أسئلة مفتوحة على كل الاحتمالات ومن ضمنها كيف استطاع المنفذون (فى حال أن العملية إرهابية) تمرير مواد متفجرة عبر مطار شارل ديجول، فى الوقت الذى تعيش فيه فرنسا حالة طوارئ منذ تفجيرات باريس، كما لم تعلن أى دولة، بما فيها مصر، تعليق رحلاتها الجوية إلى باريس إلى حين إظهار نتيجة التحقيقات، بل استمرت الحياة بشكل طبيعى وخالية إلا من إطلاق بعض الفرضيات الفضفاضة، لتجد مصر، مرة أخرى، نفسها فى مأزق الدفاع عن نفسها سواء تعلق الأمر بعطل تقنى أو بعبوة ناسفة.

إن رد الفعل الغربى والتعاطى الإعلامى العربى والعالمى مع الحادثين، يبرز بما لا يدعو للشك الازدواجية التى يتعامل بها العالم فى حوادث وقضايا مماثلة. فهو يدافع بشراسة عندما يتعلق الأمر بالدول الغربية والدول القوية، بينما يكون متحيزاً وبارداً عندما يتعلق الأمر بنا نحن العرب، ما دمنا اخترنا أن نكون فى ذيل الأمم، وما دامت لدينا القدرة على التشفى فى مصائبنا، والرغبة فى تحطيم بعضنا البعض وتحطيم أوطاننا إذا ما لزم الأمر.

مصر فى محنة حقيقية ولا شك أنها مستهدفة من أكثر من جهة، سواء من إخوان الداخل أو من إخوانهم فى الخارج. ومستهدفة من قوى إقليمية تحلم بزعامة وهمية، ومستهدفة من كل من يريد للنظام الحالى الفشل. ومستهدفة، بدون وعى، ممن يريد أن يثبت لنفسه أو لغيره أن وجهة نظره على حق وأن سياسات الدولة على خطأ. ومستهدفة من كل من سمح لنفسه بالرقص على مآسى الآخرين شامتاً أو مزايداً. بينما عندما تحدث حوادث مماثلة فى الدول الغربية، الكل يصدح بصوت واحد، مهما وصل عمق الخلافات، والكل يضىء شمعة ويقيم صلاة على أرواح الضحايا، فى الوقت الذى نتفنن فيه نحن فى إلقاء التهم فيما بيننا ورفع الحرج عن غيرنا.

التحقيقات سوف تكشف فى النهاية أسباب الحادث، وأياً كانت فيجب الاقتناع بأنه إن كان عطلاً فلا بد من محاسبة المسئولين، وإن كان إرهاباً فيجب الإيمان بأن لا مكان بات آمناً على هذه الأرض، وأن الحرب باتت علنية ومفتوحة بين الإرهاب والإنسانية، فإما يتعامل العالم مع كل الحوادث بنفس المقاييس وتتكاتف جهوده للقضاء عليه أو سيقضى هو علينا، بعدما قرر الهروب من رقعته الجغرافية والتمدد فى العالم بأسره.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع