بقلم منير بشاى
اصبح الطيران من وسائل المواصلات الشائعة التى يعتمد عليه ملايين الناس فى كل مكان حول العالم. وهو من اكثر هذه الوسائل سلامة، وتقل نسبة حوادثها عن حوادث السيارات. ولكن حوادث الطيران غالبا تكون مريعة وتقضى على جميع من بالطائرة. ولذلك فاخبارها تتناقلها وكالات الانباء وتغطيها نشرات الاخبار المحلية والعالمية.
وقد منيت مصر بعدة حوادث طيران، ومؤخرا سقوط طائرة الرحلة 804 القادمة من باريس قبيل دخولها المجال الجوى المصرى. وحتى وقت كتابة هذا المقال لا نعرف سبب سقوط الطائرة وان كان هناك بعض الافتراضات. ولكن الخبر اليقين سيتحدد بعد انتشال الصندوق الاسود وتحليل مضمونه. وقد تم تحديد مكان حطام الطائرة وجارى البحث عن الصنوق الاسود.
لا شك ان سقوط الطائرة ومقتل كل ركابها امر خطير وله تداعياته المحلية والعالمية. ولا شك انه سيؤثر على قطاعات اخرى مثل السياحة. وهذا بدوره سيكون له تاثيره على الاقتصاد القومى المصرى. اعرف هذا جيدا وليس الهدف التقليل من فداحته او التهوين من تاثيره.
ولكن فى هذا المقال اريد مؤقتا ان نترك تفاصيل سقوط الطائرة جانبا ونركز على رد الفعل الاخلاقى.. فمع المأساة المرتبطة بسقوط الطائرة هناك جانبا اكثر مأسوية ظهر كرد فعل للحادثة. فقد قيل ان هناك من فرح وشمت فى الحادث الاليم. ذلك ان الحادث يحقق لهؤلاء بعض ما يتمنوه من سوء لمصر. وهذا هو الشر بعينه عندما يتجسد فى صورة انسان.
فى خبر كتبه نعيم يوسف ونشر على موقع الاقباط متحدون الالكترونى على لسان الكاتب الصحفى والناشط الاجتماعى شريف الشوباشى أنه قال "لا تستغربوا كثيرا لشماتة البعض وفرحهم المريض بل ابذلوا كل جهدكم من اجل تغيير عقلية الناس التى تسممت بفضل شيوخ الضلالة على مدى 40 عاما".
وكان الشوباشى فى تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك قد اشار الى استطلاع للرأى اجراه مركز بيو فى سنة 2010 يقول ان 20% من المصريين لديهم رأى ايجابى فى تنظيم القاعدة. وقال "لا تستغربوا موقف عديمى الضمير الشامتين فى فاجعة الطائرة المنكوبة". مضيفا "انه فى 2014 ابدى 24% من المصريين مساندتهم للعمليات الانتحارية ضد المدنيين باسم الاسلام. والمؤكد عندى ان النسب الحقيقية اعلى من نتائج الاستطلاعات لأن الناس فى مصر تخشى ان تقول رأيها بصراحة كما نعلم بدون نفاق ومكابرة."
ولذلك فنحن امام ظاهرة تقف الكلمات عاجزة عن وصفها. ان بعض من يسمّون انفسهم مصريين قد وصلوا الى الدرك الاسفل فى مستوى المشاعر الانسانية للدرجة التى لم يعد يؤلمهم او يحزنهم مأساة سقوط طائرة وموت جميع ركابها وعددهم 66 نصفهم تقريبا مصريين، وكان يحتمل ان يكونوا هم فى تلك الطائرة او اقاربهم او اصدقائهم. ومع ذلك فالكارثة لم تحزنهم ولكن – ما هو أكثر شناعة- ان الكارثة قد تسببت فى فرحهم وشماتتهم! ويا لهول ما اصاب اخلاق بعض الناس فى هذه الايام!
اى شيطان استحوز على عقولهم؟ اى بلادة فى المشاعر اصيبوا بها؟ اى كمية من الشر لبستهم وجعلتهم يسعدون ويطربون لسماعهم تلك الاخبار؟
ولكن عندما نعرف ان العامل الاساسى لهذه المشاعر كان بسبب الدين وارضاء لله كما يتصورونه ويؤمنون به، فى هذه الحالة ندرك اننا امام خلل خطير أفسد العقيدة واصاب العقل وسيطر على السلوك وضرب بأطنابه فى المجتمع فأصابه فى مقتل.
بعد ثورتين نحاول ان نبنى هذا الوطن ولكننا نجد هناك من يهدم ما نبنيه بل يهدم كل ما هو قائم أصلا. وهذا اعتقادا منهم انه فى سبيل الله. فكيف يستقيم حال هذا الوطن فى ظل وجود معاول الهدم التى تحطم كل ما تنجزه عوامل البناء؟
والآن نحن نضرب اخماسا فى اسداس فى محاولة لوضع ايدينا على اصل الداء. ونقوم باجراءات نظنها تساعد على تحسين الاوضاع ولكنها تصبح مثل المسكنات الوقتية بينما مشكلة مصر الحقيقية هى جموح الدين بغير ضوابط وخروجه عن جادة الصواب تحت سيطرة شيوخ الضلالة كما وصفهم الكاتب شريف الشوباشى.
ولكن المشكلة الاكبر هى التردد الذى يسيطر على المسئولين من مغبة التصدى لهذا "الغول" الذى يتقمص ثياب الدين لأنهم يعتقدون انهم اضعف من ان يواجهوه. ولذلك فبدلا من المواجهة الحازمة لجأوا الى نفس سلاح الدين والتظاهر بأنهم اكثر تدينا من المتطرفين. وتمادوا فى تبنى ما يسمونه الدين "المعتدل". ولكن لأن المسيطرين على شرح الدين هم أنفسهم من تسممت افكارهم فهذه المجهودات تتسبب حاليا فى ازدياد المشكلة وليس فى التخفيف من حدتها.
لا نشك فى ان الرئيس السيسى رجل وطنى وبطل قومى ونحن مديونون له بانقاذ مصر من حكم الاخوان. وهو يقوم بكل ما يستطيع لبناء مصر. ولكن لن يتم اصلاح هذا الوطن ان لم يتم فصل الدين عن الدولة وتاكيد مدنية الدولة. هذا الفصل من شأنه ان يحمى الدين ويحمى الدولة من امكانية سيطرة الواحد على الآخر.
قيل ان الدين هو افيون الشعوب وهو قول صادق، واضيف الى ذلك ان الدين المتطرف يمكن ان يصبح سرطان العقول. وقد وصل ذلك السرطان فى مصر الى حالة الانتشار الخطير. والامر لا ينفع معه الآن سياسة التمنيات الطيبة. ما نحتاج اليه هو ثورة دينية وقرارات جريئة عاجلة تضع الدين فى نصابه الصحيح قبل فوات الوقت.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع