ولو قابلتك يوماً لقبّلت رأسك ويديك وقدميك حتى تصفحى، وإن صفحتِ لك العتبى، وإن غفرتِ فأنت أم طيبة مثل أمى التى عاشت طول عمرها بين الأحبة معززة مكرمة وحمل نعشها الرجال تكريماً لجميل صنيعها.
«ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا».. هذا الذى جرى للست «سعاد» من فعل السفهاء، حقك علىَّ يا أمى، الست سعاد حزينة، مصر حزينة، الست سعاد أصدق منا جميعاً، أشرف منا جميعاً.
بعد كلامها لا كلام، سكت الكلام، خلص الكلام، تعرت فلبستنا العار، جللتنا بالعار والشنار، عرتنا جميعا ولبست هى ثوب الكرامة!
كل كلمة خرجت من فمها والدموع المالحة تتدحرج فى خطوط زمن القهر عميقة فى وجهها الذى اكتسب سمرته من سمرة الأرض الطيبة، مثل طلقة رصاص على رجولتنا، كل حرف مثل حد الموسى يذبح نخوتنا، قهرة الست، وجرحها عميق، أعمق كثيراً من كل الجروح، وعد الجروح يا ألم.
«ناس معندهاش ضمير يعرونى فى الشارع وأنا ست كبيرة وكل البلد بتتفرج، بهدلونى يا بيه حرقوا البيت ودخلوا جابونى من جوه، ورمونى قدام البيت وخلعونى هدومى، يا بيه زى ما ولدتنى أمى، مخلوش حاجة حتى ملابسى الداخلية وأنا بصرخ وأبكى، وبعدين ربنا خلصنى من إيدهم، وناس خدونى جوه بيتهم اخدت جلابية قديمة ولبستها..».
جلابية قديمة تستر عورتها، ولكن ثياب الأرض جميعا لن تستر أبدا عورتنا، عورتنا بانت، صورة ترتد بنا إلى عصور غابرة غارقة فى الظلام، عصور ما قبل اللباس الأخلاقى، عصور عارية من الإنسانية، شريرة، موحشة، لا حرمة، ولا حرام، ولا قانون، ولا عُرف ولا شىء سوى التشبيب والتعرية والانتقام.
ما جرى فى قرية «الكرم» بالمنيا ليس فيه ريحة الكرم، صورة شاذة عن طبيعة المصريين عامة، والصعايدة خاصة، ناس المنيا طيبون، تعرفهم من سيماهم، هذه الكلاب المسعورة ليست منهم ولا تحسب عليهم، ست كبيرة يا حَوش، مخلتوش حاجة، حتى الملابس الداخلية، هتكتم الستر، وأهل البلد بتتفرج، شر البلية!
الخسة والندالة وقلة المروة تنضح من الصورة، إنهم يعرون الأمهات، «ناس معندهاش ضمير يعرونى فى الشارع وأنا ست كبيرة».. السفلة يتباهون بالعار، منحطين يجللهم العار، صورة من صور البربرية، ارتداد القهقرى لعصور ما قبل اللباس، صورة مصغرة، مكبرة، صورة للكلاب المسعورة!
الطبطبة على ظهر السيدة، وتقبيل رأسها لن يبلسم جرحها، أمرها لله، ولكن أمر هؤلاء المطلوقين فى البرارى، يسحلون هذا، ويهجّرون ذاك، ويعرّون القواعد من النساء باسم الدين والدين منهم براء، باسم الشرف وهم لا يعرفون الشرف، باسم الرجولة والرجل الحق لا يضرب زوجته ولا يعرى أمه.
هذا تغول على السلطة والقانون، هل لايزال هناك قانون فى هذا البلد؟.. هل لاتزال هناك إنسانية فى هذا البلد؟.. هل بلغنا من القسوة حدود تعرية الأمهات وزفها فى الشوارع كاللحم المكشوف؟.. الصورة برهان، فى مصر ضاع الحق والعدل والقانون، صورة لو تعلمون كافية ليشيح العالم المتحضر بوجهه عنا، يأنف فعلنا، ويدين صنيعنا، وأمام أنفسنا ألا نخجل، ألا نغضب، ألا نستحى من الله سبحانه وتعالى؟..
يااااه على الظلمة فى النفوس، لا تبددها أعمدة النور.. نفوس خربة، صورة هى الهوان بعينه، هى الإرهاب بعينه، هى الاغتيال بعينه.. تباً لكم، وسحقًا لأفعالكم، استحوا من الله، استحوا من رسول الله، تباً لكم ولفعلكم الكريه، أتحبون أن تتعرى أمهاتكم على أعينكم وأنتم إليها شاخصون، انبذوا هذه الصورة، العنوها والعنوا فاعليها، وإلا فأنتم ملعونون!
نقلا عن المصري اليوم