تتعجبون مما حدث للست سعاد ثابت فى أحداث أبوقرقاص بالمنيا، وتبكون الأخلاق والنخوة، وتبحثون فى تفاصيل مملة وسخيفة تنبش فى كيفية نشوب الأزمة لتجدوا زوجاً شهّر بزوجته من أجل الانتقام أو التهرب من التزاماته فيزداد تعجبكم. أو ربما تركنون إلى أنها فتنة دينية بين مسيحيى الوطن ومسلميه وتصرون على التعامل معها بمنطق التطرف الدينى والتمييز بين أهالى المحروسة وفقاً للعقيدة. تتساءلون وتثرثرون وتتناقلون الأخبار عن الأزمة بينما تتناسون أصل القضية، يا سادة، الملخص فى عنوان مفاده «غياب القيمة» و«انتهاك الحُرمة».
نعم اعتدنا غياب القيمة فى كل شىء فبات القُبح لصيق الفعل والمسلك بشىء من الاعتياد اليومى مصحوباً بكلمة لا تعبر عن فقدان الإدراك بما يتسرب من بين أيدينا مفادها «الموضوع بسيط، لا داعى لتضخيمه». وهكذا تركنا دهشة تضخيم الأمور فأصبحت جميعها معتادة وبسيطة. فقبل أيام من واقعة أبوقرقاص كانت أخبار زيادة تعريفة إيجار المناطق الأثرية لإقامة الأفراح والليالى الملاح لزيادة دخل وزارة الآثار؟! لم أصدق الخبر المنشور على المواقع الإخبارية فحادثت الكثير من مسئولى الدولة رغبة منى فى عدم التسرع فربما يكون الخبر شائعة أو معلومة غير دقيقة. فالمنطق يرفض الخبر ويرفض إقرار الحكومة له من كافة الوزراء المعنيين. فوزير الخارجية لا بد أن يرفض لأن فى هذا تقزيم لصورة مصر وإساءة لها ولأسلوب تعاملها مع آثارها وتقدير العالم لها. ووزير الداخلية لا بد أن يرفض الفكرة شكلاً ومضموناً، إذ كيف سيكون له تأمين مكان أثرى بما فيه وتأمين المدعوين وضمان عدم وجود مخربين بينهم يأملون إلحاق الأذى بالمكان للإساءة لما تبقى من سياحة فى بلادى؟ ووزير الثقافة لا بد أن يقف بحسم وحزم ضد هذا القرار المسخ الذى يسفّه من ثقافتنا ويبتذل من قيمة الرقىّ بما يعلمه عن معنى الثقافة. ووزير التعليم لا بد أن يعترض ويتحدث عن افتقاد الصغار للقدوة فى احترام الكبير والانتماء لما نملك فيوقف تلك المهزلة ويؤكد لوزير الآثار أنه سيعوض خزانته بزيارة المدارس من العام المقبل لكل معالم الآثار ليدرسوا تاريخ بلادهم ويدركوا هويتهم. ووزير الآثار ذاته كان عليه مراجعة قرار ربما لم يأخذه إلا موظف أصابه الجهل وعمى البصيرة، إذ كيف نسمح باغتصاب آثارنا ومقتنياتنا بدعوى زيادة التعريفة؟!!! أى قبح هذا يا سادة فى حكومة أعلت من معنى الجنيه فغاب عن وزرائها مفهوم «القيمة». هى قضية تؤكد مسخنا وانتهاكنا لحُرمة وطن فى ظل ما يصلك من ردود فعل على كافة المستويات التى لم تُعر الأمر التفاتاً بمنطق أنه قرار معمول به من سنوات فماذا فى ذلك؟
ولذا لم تصبنى الدهشة من حادثة الست سعاد يا سادة، وتواصل حزنى فى ظل تصريحات قميئة لمسئولين فى موقع الحادث حاولوا التهوين من الواقعة لمواصلة تبريرها والتخفيف من حدتها بنفس منطق اغتصاب الآثار واستباحة حرمتها. المحافظ ينكر الواقعة عند اكتشاف أمرها، والأمن يرفض استقبال بلاغات الخائفين من حدوثها، والعمدة يؤكد أنها لم تتعرَّ بكامل جسدها بل فقط جزء منه وهناك فرق؟!! والإعلام يغوص فى التنقيب عن تفاصيل أكثر إثارة وتشويقاً لجذب الإعلانات، والأزهر يرسل 40 واعظاً لعقد جلسة صلح تنتهى بكام «بوسة» وما فى القلب فى القلب، دون توقف مجتمعى جاد لمناقشة الوضع ووضع أيدينا على مواطن الخزى التى وصلنا لها، ووضع قواعد للتعامل مع قضايانا التى لا علاقة لها بالفتنة النائمة ولعن الله من أيقظها، ولكن منشأها غياب القيمة واستسهال انتهاك الحرمة فى حاضرنا وماضينا. علّمونا فى المنطق أن المقدمات تقود للنتائج فماذا توقعتم من مواطن أدمن إعلام الردح الليلى وانتهاك الحرمة وتخطى الحدود؟ وحكومة قننت اغتصاب آثارنا على مرأى ومسمع من الجميع بالأجرة فى وقت يختار فيه العالم الأقصر عاصمة للسياحة العالمية؟ ونخبة غابت عن النهوض بمجتمعها؟ جاهدوا فى سبيل استعادة القيمة ودافعوا عن حرماتكم قبل أن تُنتهك على يد آخرين.
نقلا عن الوطن