الأقباط متحدون - مَجِيءُ السَّيِّدِ المَسِيحِ إِلىَ أَرْضِ مِصْرَ
أخر تحديث ٠٨:٥٣ | الاثنين ٣٠ مايو ٢٠١٦ | ٢٢بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٤٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

مَجِيءُ السَّيِّدِ المَسِيحِ إِلىَ أَرْضِ مِصْرَ

مَجِيءُ السَّيِّدِ المَسِيحِ إِلىَ أَرْضِ مِصْرَ
مَجِيءُ السَّيِّدِ المَسِيحِ إِلىَ أَرْضِ مِصْرَ

القمص أثناسيوس جورج
في عيد مجيء السيد المسيح إلى أرض مصر يفرح أقباطها وكل بنيها بالبركة الإلهية؛ لحضور محب البشر الكائن قبل الدهور الي تخومها . إن اختياره لمصر البلد الوحيد لقدومه إليها أمر إلهي مملوء بالأسرار؛ سبق الله وأعده منذ الأزل وتنبأ عنه الأنبياء. فلم يكن قدوم المسيح إلى مصر مصادفة؛ لكنه وفق تدبير الخلاص.

إستضافته مصر وهو مُطارَد من رؤساء هذا العالم.. قَبِلتْه ضيفًا؛ فباركها وافتقدها بالمراحم الإلهية؛ حتى ذاب قلبها فيها. وأعد له فيها شعبًا مباركًا. محققًا نبوءة إشعياء التي تنبأ بها قبل ميلاده بما يزيد عن ٧٠٠ سنة.

"لقد كان هيرودس مزمعًا أن يطلب الصبي ليهلكه"( مت ١٣:٢) و الي اليوم مازال كثيرون يَسْعَوْن سعي هيرودس الرديء ولكن هيهات... فالذين كانوا يطلبون نفس الصبي ماتوا وفَنُوا !!! أما الذين يطلبونه ويسجدون له يستريح ويحل فيهم؛ ويدخلهم الي شبع السرور ولن يذوقوا الموت.

لقد كان هروب المسيح إلى ارض مصر حلقة من حلقات آلامه... أتى إليها كي يخلصها. أتى إليها لا ليملك مُلكًا أرضيًا؛ لأن مملكته ليست من هذا العالم. ولم يكن أيضًا يطلب مجدًا من هذا العالم. جاء ليؤسس ملكوتًا لا ينقرض ولا يتزعزع. ملكوت محبته وخلاصه وفدائه. ولازال الشيطان يقاوم كنيسته بكل عُنف وضراوة؛ لكنه يرتد خائبًا مهزومًا أمام الذين غلبوه بكلمة شهادتهم؛ وأمام الذين أذاقوه الهزائم مُحتمين بحماية الحمل؛ ولم يحبوا حياتهم حتى الموت...هروبه كان من وجه الشر ،وليحقق مقاصده الخلاصية كالتدبير ،وهو حمل صليبه منذ البشارة به و منذ ميلاده غرببا فقيرا في مزود ،وفي كونه لم يجد اين يسند راسه ،هاربا من شر هيرودس وكل هيرودس .

إن طاعة العائلة المقدسة بالهروب إلى مصر كانت طاعة فورية. وهي دائمًا حاضرة؛ فلم يضعف يوسف النجار ولم يتشكك أو يتباطأ في حمل المسئولية؛ بل خضع لساعته ، يري رؤي في الليل ثم يستيقظ ليتممها فوريا ، متحملاً مشقة السفر ومخاطره مع الصبي وأمه.. احتمل بفرح كل المِحَن؛ و"قام ليلاً وأخذ الصبي وأمه" ( مت ١٤:٢)؛ فالصبي وُلد ليكون أولاً وأول الكل. لذا ذُكر الصبي أولاً قبل أمه. إن الصبي يتقدم الجميع ويأتي ذكره قبل أمه التي ولدته وانتسب إليها لأن أباه هو الآب السماوي...

هرب المسيح إلى مصر بينما هو مُخلِص الجميع ومخلص كل أحد؛ وهو الذي يحمل الرئاسة على كتفيه (صليبه)؛ فهروبه إلى مصر أكد حقيقة تجسده. وقد تم به ما قيل في النبوات (من مصر دعوتُ ابني) (مبارك شعبي مصر).. هروبه كان في تدبيره قبل الأزمنة... لم يقاوم الشر بالشر؛ بل أتى إلى مصر ليعلن خلاصه لنا ولجميع الأمم؛ وليكشف لنا عظمة محبته ومسرته... قدس أرض مصر في طول البلاد وعرضها؛ وأقام في مصر؛ وبقدومه إليها ارتجفت الأوثان؛ وأسس مذبحَهُ في وسط أرضها وعامود عند تخومها؛ لن يتزعزع ولن تقْوَى عليه كل بوابات الجحيم مجتمعة... وقد عُرف الرب في مصر وعَرَف المصريون الربَ؛ يقدمون له ذبائحهم ونذورهم وحياتهم بالكلية إلى نهاية الأزمنة (إش ١٩:١)؛ فمهما طال الزمان واشتدت ساعات الظلمة؛ نثق أن أحْلَكَ الساعات تأتي بعدها إشراقةُ الفجر؛ حيث أن بداية الرحلة الإلهية إلينا كانت -- هيرودس يطلب الصبي ليهلكه -- أما نهايتها -- مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي --.. هكذا الله محب البشر دائمًا يمزج الأتعاب الشاقة في حياتنا بحلاوة التعزية والرجاء. لا يشاء أن نَشْقَى؛ ولا أن نكون في استرخاء دائم؛ حتى نتزكَّىَ ونَعبُر بسلام. اضطربت المدينة وغضب الملك وذَبَحَ أطفال بيت لحم؛ ونُفي يسوع وأمه والنجار البار... هذا هو المشهد -- مخاض وولادة؛ هروب وصليب يقترن بالفرح والتسبيح والسجود وأصوات الملائكة والقيامة... اختبارات وتزكية للبُنيان.

هرب مسيحُنا من وجه الشر. ...لكنه لم يُشهِّر بأحد؛ ولم يخاصم أحدًا؛ ولم يظلم أحدًا؛ ولم يَنْفِ أحدًا؛ ولم يذبح أحدًا البتة.... هروبه ورجوعه كانا بأمر إلهي. وها الشيطان يحاول أن يعطل ويعرقل تكميل أمر خلاصنا. لكن يعظُم انتصارنا بالله مخلصنا الذي قدم لنا نفسه مثالاً؛ وكرَّس لنا طريق الغلبة على الشرير؛ فصار دخوله إلى مصر هو دخول ملاك العهد الحقيقي؛ منقذنا من العبادات الشريرة ومن السِّحْر والصنمية... أتى إلينا محمولاً على السحابة الخفيفة؛ أمه الطاهرة العذراء كل حين ،وسمعت اصوات حضور الملائكة بحضورشمس البر الي كورة مصر ،فحيث يكون تذعن له الطبيعة لانه شاء ان يتمم رحلة خلاصه ليسترد كل الاشياء الي طاعته ...اما علي الجانب الاخر هرع الاطفال الي من صار طفلا معهم ولاجلهم ليتم ماقيل ( من افواه الاطفال والرضع هياءت تسبيحا) ، لذلك صبيان الصبي ارتفعوا اليه شهداء قدامه ولاجله،ساروا في موكبه رجالا لمن صار لاجلهم انسانا لبيرئ بؤس الناس من جميع الاعمار ،كهنة لمن صار رئيس كهنة علي رتبة ملكي صادق ،وعبيدا لمن اخذ صورة عبد ليبارك عبوديتنا ويكللها بالحرية ،صيادين لمن اصطادهم وجنود لملك المجد،قرابين وصعائد عند مهد ميلاده الكريم ،عندما سمع صراخ وعويل وبكاء الرامة ،لان راحيل تنعي اولادها ولاتتعزي لانهم ليسوا بموجودين .اما نحن فلنشترك في موكبه بذبيحه العبادة الطاهرة ونحمله في قلوبنا ضيفا وملكا متوجا في مهده وفي قدومه الي مصرنا ،بلحن اللاهوت :مجدا في الاعالي وسلاما علي الارض ومسرة بالناس ،وناخذ منه موهبة النطق والحكمة والفم لنميز الامور الموهوبة لنا منه ، ونستقبله كل يوم حتي ياتي وياخذنا معه في رقادنا عندما نخرج من هذا العالم .

ليتنا نُدرِك إشراقة قدومه الخلاصية إلينا لننال نجاتنا؛ وتنهدم أصنامنا وتذوب قلوبنا. فنبني أسوار أورشليم (مذبحَهُ هذا الذي صار)؛ ونعرفه معرفة الخبرة والمعايشة والتذوق والإتحاد؛ مُدرِكين ما أدرَكَنا هو لأجله. محققين مقاصد قدومه إلى أرضنا الطيبة في كنيستنا صاحبة الكنوز والثروات الروحية التي لا تُقاس. وندعوه لأنه قريب؛ وقد أتى إلينا كي نأتي إليه بلا مانع ولا عائق..بارك ارضنا وزرعنا ومياهنا ومجالنا بنعمة حضوره المجيد ،في زيارة ملوكية صنعت التاريخ وقدست الجغرافيا ،وكتبت مصر في سجل الحياة وملء بركة الانجيل الطاهر وترك بصمه خط سير رحلته في اثارنا التي تنطق بعظمتها وبراعتها القدسية ، والتي جعلت مصر قدسا ثانيا .

بارك مصر بنزوله إليها كما نزل يوسف ابن يعقوب واختزن القمح لإحياء العالم الجائع. هكذا نزل مخلصنا؛ الخبز الحي النازل من السماء ليحفظ حياته من يد الناقمين؛ حتى يضمن الحياة للعالم كله ، فصيَّر كنيسة مصر وبراريها كالجنات وكالمنارة التي تضم قطيع ملوكي من الأمناء الأتقياء الحافظين العهد والأمانة. خوارس الشهداء والمعترفين والنساك والأبرار واللاهوتيين والبسطاء والعذارى والشهود لآلامه؛ جنوده من طغمات الكنيسة المقدسة الحية؛ عبر هذا الزمان من جيل الي جيل والي دهر الدهور ،وهي تناديه متلمسه حضورة فيها امسا واليوم والي الابد .

ليتَ المسيح إلهنا صاحب العيد يمنحنا عيدية العيد؛ ويُنعم علينا بسلامه ويقبل قلوبنا وبيوتنا في مصر ليستريح فيها لا كضيف او زائر بل كمالك للكل وكمقيم كل حين ، و ان يجعل كنيسة مصر حنطة وبركة للعالم الجائع بشهدائها كل يوم وبكرازتها ولاهوتها السكندري ، وأن يُديم عمار مذابح مصر؛ علامةً وشهادةً له؛ و يَجِدَ له مسرةً في أهلها؛ كما وجد فيها ملجأً عند مجئيه يوما هاربا له المجد والسلطان الاله الوحيد الحكيم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter