الأقباط متحدون - يا نايمين في العسل لايم وصل
أخر تحديث ٠٨:٣٤ | الثلاثاء ٧ يونيو ٢٠١٦ | ٣٠بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٥٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

يا نايمين في العسل لايم وصل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

فاروق عطية
   كنت أجلس في الباك يارد أستمتع بدفئ الشمس وعبير الزهور التي بدأت في الانبثاق والتفتح والتلون، وخضرة أوراق الشجر التي بدأت في تغليف فروعها التي كانت يابسة لتدب فيها رغبة الحياة وانبزاغ الأوراق والزهور معلنة عن بدء ربيع تأخر ظهوره شهور عديدة، وهذا هو حال كندا منذ وطأت أقدامنا ثراها، شتاء بارد طويل يأكل معظم شهور السنة، يتبعه أيام من لطيف الطقس، يليها أسابيع أو بضع أيام من صيف قد يكون شديد الحرارة، ينتهي بموسم الخريف تتدرج فيه ألوان أوراق الشجر بين أصفر وأحمر وبنفسجي وقرمزي في فسيفساء لوني رائع، رسمته ريشة الفنان المبدع خالق الكون، وتتساقط الأوراق المتعددة الألوان لترسم لوحات من الجمال المبهر، ثم يعود الشتاء بثلوجه وجليده وزمهريره من جديد.

   كعادتي حين أجلس بعيدا عن صخب الشارع وضجيجه، يحلو لي أن أمارس هوايتي في القراءة، خاصة في الدوريات العلمية التي تنشر الجديد من البحوث والاكتشافات والابتكارات. وفجأة شعرت بوخزة في ساقي جعلتني أصرخ من الألم لأستيقظ من غفوني وأجد الدورية التي كانت بيدي قد سقطت علي الأرض. تحسست ساقي خوفا أن تكون إحدي الحشرات الضارة قد لدغتني، خاصة القرادة ذات الأرجل السوداء "ريكسودس رديانس" التي كنت أقرأ عن خطرها وتسببها في داء اللايم القادم إلي كندا، في هذه المجلة.

   والقراد ذو الأرجل السوداء، ويسمي أيصا بقراد الغزال نسبة لعائله من الغزلان والأيائل الأمريكية، وهي غالبا ما تتواجد في النصف الشرقي للولايات المتحدة. والقراد هو  نوع من العناكب الصغيرة (في حجم بذرة البطيخ) التي تحتاج إلى وجبات الدم لإتمام دورة حياتها المعقدة. يشير السجل الحفري(الجيولوجي) إلى ان هذه العناكب ترجع إلى مالا يقل عن 90 مليون سنة. القراد له دورة حياة تشمل البيض واليرقات والحوريات، عادة ما تكون كبار الإناث من يقمن باللدغات، كما ان الذكور يموتون عادة بعد التزاوج. يحصل القراد على وجبة الدم من عدة أنواع مختلفة من الحيوانات البرية والأليفة، بما في ذلك البشر.

   يتواجد قراد الغزلان في 1420 من بين 3110 مقاطعات في الولايات المتحدة، أي 46% منها، أي أن قرابة نصف عدد المقاطعات الأمريكية مصاب بداء لايم الذي تنقله قراد الغزلان، خاصة غي الشرق، لكن العدوى انتقلت غربا وجنوبا، وشمالا حتي وصل خطره إلي جنوب كندا. وهذا القراد الأميركي ينشر المرض في آسيا وشمال وشرق وغرب ووسط أوروبا أيضا، ونتمني عدم وصوله إلي مصرنا الحبيبة، وتنقله بكتيريا "بوريليا بورجودورفيري". خلال المراحل الأولى من هذا المرض، ينظر الطبيب في الأعراض وفي التاريخ الطبي للمريض، من أجل تحديد ما إذا كان المريض مصاباً بداء لايم بالفعل. أمَّا المراحلُ الأخيرة من المرض، فإن الفحوص المخبرية يمكن أن تؤكِّد ما إذا كان المريض مصاباً بهذا الداء. وتكون المضادَّات الحيوية مفيدة عادة في شفاء داء لايم في مراحله المبكرة. أمَّا في حال عدم معالجته، فإن هذا المرض يمكن أن يسبب مشكلات في المفاصل والقلب والجهاز العصبي.

   بعد التعرض للدغ قراد الغزلان، تبدأ الأعراض في الظهور علي هيئة طفح جلدي في موقع اللدغة بشكل دائري يشبه عين الثور، كثيرا ما يكون مصحوبا بالألم والالتهاب، وأعراض تشبه الانفلونزا، آلام في العضلات والمفاصل، والتعب العام، ويتلق المصاب العلاج اللازم بالمضادات الحيوية، أمَّا في حال عدم المعالجه، فإن هذا يسبب مشكلات في المفاصل والقلب والجهاز العصبي، وأعراض نادرة كالاتهاب للسحايا ، والتهاب الكبد، مع فيروسات الهربس، نظرا لحالة الضعف في الجهاز المناعي. وينتشر هذا النوع من القراد (قراد الغزلان) في المناطق العشبية والمنازل الخشبية. وقد تضاعفت أعداد المصابين منذ تسعينات القرن الماضي إلى ثلاثة أمثالها.

   في أوائل سبعينات القرن الماضي كانت مجموعة من المرضي "أطفال وكبار" في  مديبة لايم، كونيتيكت، والمناطق المحيطة بها تعاني من بعض المشاكل الصحية المحيرة والمنهكة. وكانت ألأعراض تشمل تورم الركبتين، شلل ، طفح جلدي، صداع، وإرهاق شديد مزمن. وزيارتهم المتعددة للأطباء ولجوئهم وإقامتهم بالمستشفيات أصبحت عادية. وكان الأطياء غير قادرين علي معرفة الأسباب،ولذا  ترك المرضي بلا تشخيص أوعلاج.

   كان المرض مجهولا لدي الكثيرين - وربما حتي اليوم، لكن المدافعين عن حقوق المرضي شرعوا بتدوين الملاحظات، وإجراء البحوث الخاصة بها، ومخاطبة العلماء، فبدأت المؤسسة الطبية بدراسة هذه الأعراض والبحثت عن مختلف الأسباب المحتملة للحالات. باحثين عن مصدر هذه الجراثيم في الهواء والماء، ولما كان المرضي قد دونوا معاناتهم من الطفح الجلدي الذي سرعان ما يتحول إلي التهاب المفاصل، وكان كل منهم قد ذكر تعرضه للدغات القراد ذو الأرجل السوداء في منطقة لايم، كونيتيكت، في منتصف السبعينات، بدأ الباحثون بوصف علامات و أعراض هذا المرض الجديد وأطلقوا عليه اسم داء لايم نسبة لمنشأ المرض بمدينة لايم، لكنهم ظلوا يجهلون أسبابه.

   في عام 1981 ، وكان العالم ولّي بورجدورفر Willy Burgdorfer الذي كان يدرس منطقة الجبال الصخرية قد رصد حالات حُميّة (ناجمة أيضا عن لدغ القراد) جعلته يشرع في دراسة مرض لايم. هذا العالم وجد الصلة بين قراد الغزلان والمرض. اكتشف أن بكتيريا تسمى البكتيريا الملتوية بوريليا، التي يحملها القراد، هي المسبب لداء لايم. وفي عام 1982 كرّم المجتمع الطبي اكتشاف الدكتور Burgdorfer بتسمية هذه البكتيريا بإسمه "بوريليا burgdorferi". منذ 1980، زادت التقارير عن داء لايم بشكل كبير لدرجة أنه أصبح مشكلة صحية عامة معقدة في مناطق عديدة من الولايات المتحدة. في عام 2012، أدرج مرض لايم كواحد من أكبر عشر أمراض تم الإبىغ عنها لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).

   والآن مرض لايم هو واحد من أسرع الأمراض المعدية والمنقولة عن طريق الحشرات نموا في الولايات المتحدة. وتشير تقديرات مركز السيطرة على الأمراض بالولايات المتحدة أن هناك أكثر من 329000 حالة جديدة من هذا المرض كل عام. بدأت ظاهرة انتشار داء لايم أولا بالساحل الشرقي، ومن ثم انتشرت بجميع الولايات باستثناء هاواي. ولا تزال أدوات التشخيص غير موثوق بها - اعتبارا من كونه لا يوجد علاج نهائي لذوي المراحل المتأخرة من المرض. ويعمل الباحثون بدفع أبحاث جديدة للإسراع باليوم الذي يكون فيه تشخيص وعلاج داء لايم سهلا وبسيطا.

  حذر باحثون من جامعة يورك الكندية، من القراد أسود الأرجل المنتشر بالولايات المتحدة الذي يزحف شمالا إلي كندا، وهو ما من شأنه رفع خطر الاصابة بمرض لايم، خاصة أن كثرة الجليد مع امتداد أشهر الشاء، وهطول الأمطار خلال فصل الربيع قد يوجد الظروف المثالية لظهور القراد وتعلقه بالعوائل، مع قرب حلول الطقس الدافئ وهي ذروة موسم الخطر.

  في عام 2015، سجلت وكالة الصحة العامة في كندا ( PHAC ) 700 حالة جديدة لمرض لايم، بزيادة 140 حالة عن عام 2009. ويجري حاليا تشخيص داء لايم في  جنوبي كولومبيا البريطانية، مانيتوبا، أونتاريو وكيبيك و نوفا سكوتيا ونيو برونزويك. ومما بيعث علي القلق أن هناك تقديرات تشير إلي أن الآلاف وليس عدة مئات فقط من الكنديين قد تعرضوا للعدوى. ويعتقد أن عدد الحالات المصابة أعلى بكثير، حيث أن الحالات الخفيفة قد تشفي من تلقاء نفسها، أو ربما لم تبلغ  لسلطات الصحة العامة من الأصل. ومن المقلق أن الأعداد تتزايد بشكل مستمر.

   وتدعو وكالة الصحة الكندية بسرعة الإبلاغ عن حالات لدغ القراد لأن في الكشف المبكر، يكون العلاج بدورة قصيرة من المضادات الحيوية كافيا لشفاء معظم الحالات. أما الحالات المتروكة بلا علاج، يمكن أن تؤدي إلى شلل في الوجه، والتهاب السحايا وأمراض القلب و تلف الأعصاب والتهاب الدماغ والنخاع الشوكي. وأسهل طريقة للوقاية من مرض لايم هو حماية الجسد عند الذهاب إلى المناطق التي يعيش فيها القراد، مثل الغابات أو المناطق العشبية  حيث توجد ألنبتات والحشائش الطويلة على الأرض.

  يقول البعض أن البكتيريا الملتوية بوريليا، هي بكنيريا تخليقية أُنتجِت ثمرة بحوث الحرب البيولوجية وأنها قد تسربت نتيجة خطأ ما مما أدي لانتشارها كوباء بهدد العالم. قد يكوم ذلك صحيحا، ولكن للحقيقة المرض الذي أطلق عليه داء لايم والبكتيريا المسيية له كانت موجودة منذ آلاف السنين، فقد بين تشريح الجثة مؤخرا على مومياء عمرها 5300 سنة، وجود البكتيريا التي تسبب مرض لايم. كما أن الطبيب الألماني ألفريد بوخفالد، وصفت لأول مرة الطفح الجلدي المزمن والمعروف حاليا بداء لايم منذ أكثر من 130 عاما مضت. ومع ذلك مرص لايم فقط تم التعرف عليه بالولايات المتحدة في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وأن البكتيريا المسببة له ـ بوريليا برجدورفيري - لم تصنف رسميا حتى عام 1981.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع