استقبلت أمريكا قصة اعتناق الملاكم الراحل محمد على كلاى الإسلام كما استقبلت قصة اعتناق براد بيت وأنجلينا جولى للهندوسية، واعتناق ستيف جوبز وريتشارد جير للبوذية، واعتناق توم كروز وجون ترافولتا لما يسمى ديانة السينتولوجيا!! استقبلت أمريكا، وكذلك أوروبا، هذه الاعتقادات والانتقالات بكل بساطة لأنها دول علمانية واثقة من نفسها وليست دولاً دينية مرتعشة عاجزة لديها إحساس مزمن بالدونية، دوماً تتعلق بمثل هذه الأخبار لتغطى عورة عجزها وتلهى شعوبها عن معنى الإنجاز الحقيقى الذى يغيّر الواقع ويطير بك إلى سماء الحضارة ويحلق ولا يتركك مخدراً فى كهف الأوهام، هذه الدول تستقبل مثل هذه الأخبار أو الانتقالات الدينية مثلما تستقبل أخبار انتقالات نجوم كرة القدم بين الأندية، أما الدول الدينية، التى صرنا منها وأصبحنا فى رحابها وتحت ظلالها فتستقبل مثل هذه الأخبار بإقامة الأفراح والليالى الملاح وتسخين وإشعال نار الفتنة الطائفية القبَلية، وإذكاء روح الغيظ والغل والكيد، تتعامل معها بروح الألتراس وتصرخ: «هيه، وضحكنا عليكم وخطفنا منكم واحد!!». تقفز من النشوة وتُخرج لسانها معلنة الانتصار المظفر!!
هذه الدول لا تقدم منجزاً علمياً واحداً لهذه الدنيا وتلك الحضارة ولا يهمها، ما يستحوذ على اهتمامها فقط هو دخول فلان إلى ديننا وكأننا فى مباراة كاراتيه!! لكن وإحقاقاً للحق عندما كان مجتمعنا يفكر بذهنية مدنية وعقلية وطنية قبل دخول الفكر الأممى الوهابى السلفى واحتلاله خلايا العقل والوجدان المصرى لم يغمرنا هذا الإحساس، استقبلنا وقتها وقت الستينات خبر إسلام محمد على كلاى بروح أخرى واستقبال مختلف، أو على الأقل استقبله معظمنا بهذا المفهوم وتلك الطريقة، مفهوم التمرد من ملاكم زنجى ضد هيمنة دولة استعمارية، لم نستقبل إسلام كلاى كما يستقبله ويفسره العقل المصرى المغيَّب الآن على أنه ثأر من المسيحية وانتقام وغيظ وكيد لها، لم نفسره كذلك لأن محمد على كلاى كان بالنسبة لنا منظومة تمرد تضم اعتناقه لدين مختلف وتبنيه لرأى مختلف فى قضية تجنيده للحرب ضد فيتنام وصعوده الاجتماعى والاقتصادى ضد قوانين دولة كانت شديدة العنصرية وقتها ومواجهته لرئيس شرس دموى كنا نكرهه فى مصر كراهية شديدة. نظرنا لمحمد على كلاى من خلال تلك الزاوية لأن فيروس الفكر الفاشى التكفيرى لم يكن قد تمكّن من جسد وعقل الوطن بعد. العلمانية منهج تفكير وطريقة حكم وأسلوب تعامل يمتلك آلية تصحيح مساره لأنه مؤمن بالنسبية ولديه مرونة فكرية،
لذلك صححت أمريكا، ومازالت تصحح، أفكارها العنصرية القديمة التى كانت تعتبر الزنوج والكلاب من نفس الدرجة، صححت بدليل تولى أوباما الرئاسة كمثال واضح على تلك الآلية التصحيحية العلمانية، على عكس الدولة الدينية التى تحكم من مقابر الفقهاء والملالى والكهنة والحاخامات ولا تغير معتقداتها الساكنة فى الأدمغة المتكلسة والكتب الصفراء. العلمانية هى التى قامت بحماية رأس محمد على كلاى من القطع بتهمة الردة أو الازدراء، ولذلك يجب تقديم الشكر لها والاستفادة من رحابة صدرها واتساع أفقها وعدم تصلبها وتحجرها كالفاشية الدينية. الأهم أن محمد على كلاى أسلم وافتخر بإسلامه بل ودعا له فى بلده وأصبح رمزه وأيقونته هناك، فعل ذلك كله ولم ينتقص ذلك ذرة من حب وعشق الأمريكان له على اختلاف أديانهم وعقائدهم لدرجة منحه شرف حمل شعلة أهم حدث رياضى فى العالم وهى الدورة الأولمبية التى دارت منافساتها هناك!! وكل متاحف مدام توسو تضعه كأيقونة فى قاعتها الرئيسية، قارن ماذا سيحدث هنا فى مصر أو السعودية إذا فعل نجم كروى شهير العكس؟! هل سيحتفظ برأسه الذى كانت الجماهير تطالبه بالتأمين عليه من روعة الأهداف التى كان يحرزها به؟ من المؤكد أن تلك الجماهير ستلعب بذلك الرأس بعد قطعه تقسيمة كروية كما فعلت داعش فى سوريا!!.
إنها وجهة نظر مختلفة أعرف أنها أحبطت أحلامكم وأدرك جيداً أنكم ستغضبون منها لأنها لم تتعامل مع غدة التفكير بالتمنّى التى تحكم كل تصرفاتنا وتسيطر على كل أفكارنا، لكن للأسف الأفكار التى أغضبت الكهنة هى التى غيّرت العالم.
نقلا عن الوطن