الخميس ٩ يونيو ٢٠١٦ -
٤١:
١٠ ص +02:00 EET
عِيدُ الصُعُودِ
كتب : القمص أثناسيوس جورج
بعد أربعين يومًا من القيامة، أمضاها السيد المسيح له المجد بين التلاميذ (الذين أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله) (أع ٣:١)صعد بمجد عظيم إلى السماء أمام تلاميذه أيضًا، صعد بالتهليل وخضعت له الملائكة والطغمات والقوات، ورافقته مواكب التسبيح وحولها ضياء مجد نور لا يوصف.
القائم من الاموات يدخل أورشليم السمائية العليا ،
لا راكبًا على جحش بل راكبًا على السحاب في مجال جلال حضرة مجده الأقدس ، وسط الشاروبيم والسيرافيم.. مشى على أجنحة الريح ودخل ملكوته الأبدي الدائم الذي لاينقرض ولا نهاية له .. أخذته سحابة عن أعين تلاميذه و هم نظروه مرتفعا كي يرفعنا ويرقينا ويجذب إليه الجميع.
صعد بجسده القائم المتسربل بالمجد والملتحف بالنور والغمام، وهو ذات الجسد الذي صُلب وظهر به بعد قيامته المقدسة.. صعد ليس وسط تسبيح الشعب بل تسابيح الخوارس ومحفل الملائكة.، داخلاً لا إلى هيكل الذبائح بل بذبيحة نفسه في الاقداس ، وهو السُلَّم المرتفع من الأرض إلى السماء... ارتفع بقوته الإلهية من غير مانع، محمولاً على أجنحة الريح الخادمة لخالقها، لاغيًا سلطان المادة وقوانين الجاذبية.
صعد إلى السماء جسديًا وهو الذي يملأ الكل بلاهوته، بارك طبيعتنا الترابية وصعد ليجلسنا معه، وقد أعطانا غفرانه وخلاصه الثمين، ومنحنا حرية مجد التبني (أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) (يو ١٧:٢٠)..دفع اليه كل سلطان واعطي اسما فوق كل اسم وتجثو باسمه كل ركبة ويعترف به كل لسان ،وهوفوق الجميع ،وكل شئ تحت قدميه لتكتمل ازمنة الكرازة وتدبير رسالة الكنيسة ،لانه الفادي مركز التاريخ وسيده ،ظاهرا بدم نفسه الان امام وجه الله ،كي ندخل بثقة الي الاقداس بشفاعة دمه الكفارية ،التي يحامي بها عنا ازاء المشتكي علينا ليلا ونهارا ،،فهو صعد كي يفطمنا عن كل علاقة منظورة به فيملاء دواخلنا بنعمه روحه ،رافعنا من المزبلة الي رتبة الامجاد ،التي وهبها لكنيسته عروسته محبوبته حمامته شريكته في المجد الاسني .
لم يصعد من أجل نفسه بل من أجلنا نحن، وافتتح لنا الطريق الصاعد إلى السموات والأبواب الدهرية.. هو شفيعنا لدى الآب، وفيه نصير أبناء وورثة.. دخل إلى سماء السموات عينها وهو منذ الأزل وفي كل حين رب الكل وإله الكل، فتح لنا أبواب الفردوس ودخلها (كسابق لأجلنا) تلك الأبواب التي كانت مغلقة وموصدة أمامنا وفي وجهنا، لكنه دخلها ليعد لنا مكان وليأتي أيضًا ويأخذنا إلى منازل أبيه، ضامنا لنا عبورًا أمنيًا ممهدا لنا سكة الطريق ، عندما قدم نفسه قربانا لله أبيه طريقًا حديثًا حيًا٬ ودخل إلى الأقداس الغير مصنوعة بيد ليظهر أمام وجه الله لأجلنا، وهو مسرة الآب على الدوام و الكائن كل حين وليس لملكه انقضاء ...
لقد ارتفع كي يُصعد باكورتنا إلى السماء، فانفتحت الأبواب الدهرية ليدخل موكبه الملوكي (ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء)... لم يختبئ وراء الأشجار في بستان عدن كآدم الأول، بل ظهر علانية صاعدًا أمام تلاميذه بعد أن أصلح ما أفسده أدم وبعد أن أعطانا ثوب النعمة بدل أوراق التين... فصعوده هو الصورة المضادة لهبوط أدم.. لذلك نحن لسنا مطرودين فيما بعد، وإن كنا في أرض نفي - نُفينا من فردوس النعيم - لكننا مغسولون بالدم الذكي الكريم، ونعيش تحت ربوبية مليكنا محب البشر الصالح. الذي تاكد موته بالدفن ثلاثة أيام، وقيامته تمجدت بظهورات وبراهين لا تقاوم٬ وصعوده شاهدوه بالارتفاع والجلوس عن يمين الآب.. إنه حي ويشفع فينا كل حين، صائرًا على رتبة "ملكي صادق" رئيس كهنة إلى الأبد، يرثي لضعفنا.
وبه ننال الرحمة والحماية، ونجد عونًا ونعمة في حينها. لاق به من أجل الكل وبالكل أن يأتي بأبناء كثيرين إلى المجد وأن يكمل تقديسنا بالآمه، لانه هو الكاهن و الذبيحة الكاملة٬ وهو رسول اعترافنا الضامن والمحامي عنّا حاملاً الجراحات التي جُرح بها في بيت أحبائه (زك٦:١٣) جراحاته التي تسجلت بروح أزلي وصارت أبدية كل حين ظاهرة أمام وجه الله لأجلنا.
وسيأتي ليدين الأحياء والأموات... وكما صعد في سحاب سيأتي أيضًا على السحاب وتنظره كل عين..
نطلب منه كما رفع يديه الطوباويتين المحييتين وبارك تلاميذه عند صعوده أن يباركنا الآن وكل أوان كي ننال رضاه٬ شاخصين إليه كل حين ساجدين لعظمته، فبأعمالنا ليس لنا خلاص، متفطنين لضعفنا ونقصنا، نطلب منه أن يسهل لنا طريق التقوى٬ وأن يشفق علينا عندما يأتي هكذا كما انطلق٬ وأن يجعلنا نسلك فيما للأحياء ونفهم ما هو له٬ وأن يرحمنا ويعتقنا من طريق الضلالة، مانحنا عمرًا مستقيمًا ووقتًا بهيًا، فنلقاه بدهن دسم وننعم بعرس مجده الإلهي