مع بداية الموسم الدرامى الأبرز يتسابق صناع الدراما فى الإعلان عن أعمالهم، التى وصل عددها إلى 30 مسلسلاً، وفى الوقت الذى يعد الفن، وتحديداً الدراما التليفزيونية قراءة للواقع الاجتماعى، نجد هذا العام تقارباً واضحاً فى «التيمات»، والموضوعات المطروحة فى الدراما الرمضانية، بعدما تعرضت إلى تحول واضح مقارنة بالعام الماضى، الذى سادت فيه موضوعات فساد رجال الأعمال، والقضايا السياسية، والتطرف الدينى، لتخسر السياسة الرهان هذا العام، وتتراجع أمام دراما الجريمة والتشويق، التى طغت على الموضوعات المتناولة، وأزاحت دراما البلطجة والمخدرات، ليأتى تناول السياسة هذا العام على استحياء شديد، من خلال الجزء السادس من مسلسل «ليالى الحلمية»، فتنشغل إلهام شاهين، فى تجسيدها لشخصية «زهرة» فى المسلسل، بالحياة السياسية، وتنضم للحزب الوطنى، لتصل إلى منصب وزارى، بينما يرصد العمل فترة التوترات السياسية التى عاشتها مصر حتى تنحى مبارك.
باهر دويدار: دراما التشويق موضة نجحت فى جذب الجمهور.. ومحمود دسوقى: فساد رجال الأعمال ما زال يحتاج للمعالجة درامياً
يعد مسلسل «سقوط حر»، للمخرج شوقى الماجرى، بطولة الفنانة نيللى كريم، من أول الأعمال التى تدور أحداثها حول جريمة قتل، بالرغم من أن العمل يأخذ منحى نفسياً يضعه فى منطقة «السايكو دراما»، فتقدم نيللى كريم من خلال العمل شخصية «ملك»، التى تعانى اضطرابات نفسية، ومتهمة بقتل زوجها، وتقرر المحكمة إيداعها فى مصحة للعلاج النفسى، بينما هى تحاول الوصول لحقيقة مقتل زوجها، وهو ما يتشابه فى الحبكة الرئيسية مع مسلسل «جراند أوتيل»، إخراج محمد شاكر خضير، فالعمل يدور فى إطار من الإثارة والغموض، فى فترة الخمسينات من القرن الماضى، حول موظفة فى أحد الفنادق تتعرض للقتل، بينما يحاول شقيقها البحث عن لغز مقتلها، والوصول للقاتل الحقيقى، وخلال هذه الرحلة يتورط فى كثير من المشكلات، وفى مسلسل «سبع أرواح»، للمخرج طارق رفعت، يؤدى خالد النبوى دور ضابط شرطة مثالى، مكلف بالقبض على متهم فى قضية قتل، وبعد تنفيذ حكم الإعدام يكتشف أن القاتل ما زال حراً، مما يدفعه للوصول إليه، ولكنه يواجه محاولات عديدة لمنعه من الوصول للقاتل، تصل إلى التخلص من الأشخاص المقربين منه لإجباره على السكوت.
استمرار موجة الإثارة والتشويق والإرهاب ضيف شرف
ويقدم السيناريست محمد الصفتى شكلاً جديداً من الدراما البوليسية، من خلال مسلسل «الخروج»، الذى يطرح 4 جرائم تتعلق بأبطال المسلسل، الذى يشارك فى بطولته درة، وظافر العابدين، وشريف سلامة، ليبدأ بحالة من التشويق، قبل أن يبدأ الغموض فى التلاشى شيئاً فشيئاً، بينما تلعب جريمة القتل دور البطولة فى مسلسل «يونس ولد فضة»، للمخرج أحمد شفيق، عندما يتورط «إبراهيم» الطفل ذو الـ10 سنوات، فى جريمة قتل دفاعاً عن شرف شقيقته، ويسوقه القدر إلى «فضة»، التى فقدت زوجها وابنها، ويحل محل ابنها ليصبح «يونس ولد فضة».
ويلقى مسلسل «الميزان»، للمخرج أحمد خالد موسى، الضوء على العلاقة الثلاثية التى تجمع بين المحاماة، والشرطة، والإعلام، من خلال المسلسل الذى تدور أحداثه بين كواليس جرائم القتل وعالم المحاكمات، من خلال شخصية المحامية «نهى»، كما يتطرق العمل لمشكلات الإعلام، من خلال أحمد فهمى، الذى يقوم بدور مقدم برامج شهير، بينما يقدم طارق لطفى، فى مسلسل «شهادة ميلاد»، للمخرج أحمد مدحت، دور ضابط فى العمليات الخاصة، يكتشف أنه متبنى، وأن والده الحقيقى رجل أعمال، يعمل فى تجارة السلاح قبل أن يتعرض للقتل، مما يضعه فى مأزق صعب بسبب حساسية منصبه.
ولا تقتصر الدراما البوليسية فى رمضان على جرائم القتل فقط، بل تتطرق فى أكثر من عمل إلى تناول أوسع للجرائم، كما فى مسلسل «راس الغول»، للمخرج أحمد سمير فرج، وبطولة الفنان محمود عبدالعزيز، الذى يؤدى شخصية «درويش عبدربه»، المحتال والمتورط فى مجموعة كبيرة من جرائم النصب والاحتيال، وتحاول الجهات الأمنية الوصول إليه فى الوقت الذى يسعى فيه للهروب بشكل مستمر، وفى مسلسل «الأسطورة»، يلقى المؤلف محمد عبدالمعطى الضوء على تجارة السلاح، من خلال شخصية «رفاعى الدسوقى»، التى يقدمها الفنان محمد رمضان، ويتورط من خلالها فى مشكلات مع الأجهزة الأمنية على خلفية تجارته غير المشروعة، وفى مسلسل «الخانكة»، للمخرج محمد جمعة، تؤدى غادة عبدالرازق دور معلمة فى مدرسة دولية تتعرض للتحرش من قبل أحد الطلاب، الذى يعمل والده رجل أعمال، ويحاول الانتقام منها باستغلال نفوذه، وتلفيق تهمة لها قبل إيداعها مستشفى الأمراض العقلية.
وفى الوقت الذى نواجه فيه قضايا الإرهاب سلط المؤلف محمد ناير، والمخرج أحمد نادر جلال، الضوء على تلك القضية، خاصة فيما يتعلق بتنظيمات الإرهاب الدولى، فى مسلسل «القيصر»، الذى تطرق أيضاً إلى الجانب الذى يطال مصر من حرب خفية وغير معلنة، من قبل تلك المنظمات، وهو الدور الذى يؤديه يوسف الشريف، فى دور «القيصر والى»، ولكنه لم يخرج بشكل كبير خارج نطاق دراما التشويق والإثارة المتعلقة بالجريمة، وعلى نطاق أضيق تناول مسلسل «مأمون وشركاه» تلك القضية، فى دور «المعتز بالله»، الذى يؤديه حمزة العيلى، ويجسد دور المتطرف دينياً صاحب الأفكار الظلامية، كما تناول المسلسل مجموعة من الأفكار السياسية، على عكس مسلسل «الطبال»، للمخرج أحمد خالد، الذى قد يعتبر للوهلة الأولى عملاً يدور حول مهنة «الطبال» الذى يمتلك فرقة شعبية، ويعمل فى ملهى ليلى، وأفراح شعبية، بينما حاول السيناريست هشام هلال التعامل مع «الطبلة» بشكل رمزى، معبراً عما يحدث فى الحياة، خاصة عندما يبدأ فى التعامل معها كأسلوب حياة، وليست مجرد مهنة.
كما نجحت الدراما البوليسية فى التغلب على الأعمال الكوميدية التى تراجعت عن العام الماضى من ناحية الكم، فتقتصر الأعمال هذا العام على مسلسل «نيللى وشريهان»، للمخرج أحمد الجندى، بينما يتعاون أبطال «مسرح مصر» فى رمضان لتقديم مسلسل «صد رد» مع المخرج هشام فتحى، الذى يتناول بطريقة كوميدية عدداً من القضايا والمشكلات التى تواجه الشباب، وفى فانتازيا كوميدية يتعرض مسلسل «بنات سوبر مان»، للمخرج حسام على، للقوة الخارقة لبنات البطل الأسطورى «سوبر مان»، ويستمر من العام الماضى مسلسل «يوميات زوجة مفروسة أوى» للمخرج أحمد نور، فى جزئه الثانى، بينما تحل ناهد السباعى على الدراما الرمضانية، من خلال بطولتها للجزء الثالث من مسلسل «هبة رجل الغراب»، بعد اعتذار بطلته السابقة إيمى سمير غانم عن عدم استكماله.
ويرى السيناريست باهر دويدار أن دراما التشويق حققت النجاح، وأصبحت مطلوبة من قبل الجمهور فى الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن هذا جعلها أكثر انتشاراً بين الأعمال الرمضانية هذا العام، بعد سيطرة الأعمال الكوميدية، أو التى تناولت المخدرات والسياسة على مدار السنوات السابقة.
وقال «دويدار»: «إيقاع الأعمال البوليسية، أو دراما التشويق، أسرع من غيرها من الأعمال الدرامية، ويحل مشكلة الملل التى تواجه الجمهور فى بعض المسلسلات، لذلك أصبحت مطلوبة فى الوقت الحالى، ويتماشى مسلسل «الميزان» مع موجة الإثارة والتشويق التى قُدمت من قبل، وأثبتت نجاحها فى جذب المشاهدين».
وتابع «دويدار» لـ«الوطن»: «إيقاع المسلسلات الاجتماعية، خاصة فى البطولات الفردية، بما تحمله من خطوط درامية محدودة، سبب حالة ملل لدى المشاهد بسبب التطويل، وظهور البطولات الجماعية أدى إلى حل تلك الإشكالية، وفى الوقت الحالى إذا لم يتناسب إيقاع المسلسل مع إيقاع الحياة السريع سيؤدى هذا إلى عزوف الجمهور عن العمل، ومن ناحية أخرى، فدراما التشويق أيضاً لها وقت معين، قبل أن تبدأ ظاهرة درامية جديدة فى فرض نفسها على الساحة، خاصة عندما تبدأ الأنواع الأخرى فى الإصلاح من نفسها».
وقال المؤلف محمود الدسوقى: «هناك فرق بين الأحداث التى تدور حول الجريمة والحادثة، وهناك مجموعة من الأعمال التى تقوم على التشويق والإثارة، من خلال طرح سؤال فى البداية، ومحاولة الوصول لإجابه عنه على مدار حلقات العمل، على خلفية «من الجانى»، ولكن مسلسل «الخانكة» يعتبر من أنواع دراما الحادث الذى يبدأ فى تحريك الأحداث ويقودها فى اتجاه معين، فالشخصية الرئيسية فى المسلسل هى التى تقودنا للأحداث من خلال قصة أو حبكة درامية معينة، وليس العكس، بالرغم من أن هناك مجموعة من المؤلفين يقررون الموضوعات التى يريدون طرحها فى العمل منذ البداية، ثم يبدأ فى خلق الشخصيات والحبكة».
وأضاف «دسوقى» لـ«الوطن»: «من خلال المسلسل كان هناك إلقاء ضوء قوى على فكرة فساد رجال الأعمال، خاصة من النوع الذى يستغل النفوذ والسلطة لتحقيق أهدافه، فتلك الشخصية موجودة فى المجتمع بشكل كبير، وستظل الدراما تتناولها بشكل مستمر، ما دامت موجودة فى الواقع».
وأكد المؤلف محمد ناير أن دراما التشويق والإثارة فرضت نفسها على الجمهور فى الفترة الأخيرة، سواء من خلال الحبكة المتميزة، أو من خلال الأحداث المتطورة فى كل حلقة بشكل دائم، بالإضافة إلى طبيعة الحياة التى جعلت المشاهد يميل لهذا النوع من الأعمال.
وقال «ناير»: «بالرغم من أن يوسف الشريف تميز فى هذا النوع من الدراما، وكان من أوائل الفنانين الذين قدموا دراما التشويق، فإنه يقدم شكلاً جديداً هذا العام، لذلك نعد الجمهور بتقديم عمل مختلف».
وأضاف «ناير» لـ«الوطن»: «تلك النوعية من الدراما تحتاج إلى مجهود خاص من جانب المؤلف، فى العمل على الحبكة التى يجب أن تفاجئ المشاهد بشكل مستمر، فكان لدينا أكثر من اتجاه للعمل، بدأنا فى فرزها جميعاً للوصول للخط الأقوى والأنسب، من خلال الاطلاع الدائم على آخر الأحداث على الساحة العالمية، فيما يخص الإرهاب الدولى، باعتباره من أبرز القضايا الساخنة التى تواجه العالم كتحدٍ كبير، وهو ما جعلنى أعيش تلك الفترة فى متابعة الأخبار بشكل متواصل ودورى، فى كل ما يستجد على الساحة سواء العربية أو العالمية، فيما يخص هذا الموضوع، وفى النهاية يجب أن يكون للمسلسل صيغة وهدف بجانب الترفيه».
يرى الناقد محمد صلاح الدين أن الدراما الرمضانية هذا العام تجاهلت السياسة بشكل واضح فى معالجتها الدرامية بسبب حالة النفور الجماهيرى من تلك القضايا فى الوقت الحالى، ما أدى إلى ابتعاده عن برامج الـ«توك شو»، قائلاً: «التحدى أمام صناع الدراما هذا العام هو مدى قدرتهم على تقديم موضوعات وأحداث مشوقة تجذبهم وتحقق لهم امتاعاً وجذباً، وبالتالى لجأ عدد كبير منهم للدراما البوليسية أو دراما الجريمة».
تابع «صلاح الدين» لـ«الوطن»: «اعتمدت مجموعة كبيرة من المسلسلات على مبدأ الصدمة وهو نوع كلاسيكى والذى تبدأ أحداثه بجريمة قتل، ولكن كانت هناك مبالغة واضحة فى هذا الأسلوب مع وجود كم كبير من الجثث ومشاهد الدماء حقق صدمة بالنسبة لبعض المشاهدين، ولكن فى ظل الظروف السياسية وانتشار الجماعات الإرهابية وسياستها الدموية، لن يكون مفيداً ومناسباً بالنسبة للجمهور وجود تلك النوعية الصادمة والعنيفة».