احتفلت مصر بانقضاء عامين علي رئاسة السيسي, وكانت مناسبة طيبة لرصد الإنجازات التي تحققت خلال نصف الفترة الأولي لشغله مقعد رئيس الجمهورية -فترة الأربع سنوات التي ينص عليها الدستور- وشعر المصريون بالارتياح والفخر لضخامة هذه الإنجازات وتشعبها علي الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تعكسه من آمال كبار تنبئ بعودة مصر لتحتل موقعها كدولة قوية محورية رائدة في المنطقة, تسير علي الطريق الصحيح لتأسيس الدولة المدنية الحديثة ولتستعيد عافية اقتصادها ولتنقل شعبها نقلة نوعية إلي الأمام في اتجاه الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
ولا يفوتني أن أسجل بكل ارتياح أيضا ما حفلت به فترة السنتين الماضيتين من إسهام ضخم لقواتنا المسلحة في خطط الإصلاح والتنمية بجانب دورها الأصلي العظيم في حماية الوطن والدفاع عنه أمام قوي الشر والإرهاب التي يتعرض لها.
قدم السيسي في حديثه المذاع إلي الأمة الأسبوع الماضي كشف حساب عن وفائه بوعوده للمصريين, كما قدم تصوره المستقبلي للعمل الشاق الذي ينتظرنا جميعا خلال الفترة المقبلة, وكان صريحا كعادته عندما أكد أن علي المصريين جميعا أن يعملوا ويتعبوا ويتحملوا لأن التحديات والمصاعب كبيرة والمعوقات أكبر, لكنه طمأن الجميع أن بالعمل الشاق وبوحدة الصف وإعلاء دولة القانون سوف تتحقق الأهداف والنتائج.
ملامح مبشرة بالخير تطل علينا من الحديث عن المشروعات القومية العملاقة الجاري العمل فيها بالفعل أو الجاري التخطيط لها.. شبكات طرق ومرافق.. مشروعات إنتاج الطاقة.. العاصمة الإدارية الجديدة.. تنمية إقليم قناة السويس.. تنمية سيناء وصعيد مصر.. استصلاح ملايين الأفدنة لزيادة الرقعة الزراعية.. اجتذاب استثمارات أجنبية ضخمة تشارك في كل تلك المشروعات وتخلق فرص عمل لملايين المصريين.. وكل هذا بالإضافة إلي خطط الإصلاح التي نص عليها الدستور من إصلاح تشريعي وتعليمي وصحي وضمان اجتماعي بهدف إنتاج مواطن مصري مؤهل للمشاركة في مسيرة الديمقراطية والحداثة ومواكب للتقدم العالمي.
حشد من المشروعات والخطط والأهداف يصلح لأن يلتف حولها المصريون ويعملون بجدية ومشقة لتحقيقها, ولا يلتفتوا لتيارات التشكيك التي تبغي كسرهم وإرباكهم وهز ثقتهم في أنفسهم وفي بلدهم وفي قواتهم المسلحة.. وتبقي الآمال والطموحات كبيرة, لكن العمل المطلوب والتحديات أكبر ونحن نخطو إلي العام الثالث من رئاسة السيسي.
مشروع قومي كبير افتقدته وسط ذلك الحشد وبقي مسكوتا عنه وأظل أنا مثقل به بعد أن تناولته في مقالي هذا بتاريخ أول نوفمبر الماضي تحت عنوان: إن كنا نهتم بسد النهضة.. لماذا نصمت علي طمي النيل؟!!.. وكان يحدوني الأمل أن يحتل هذا المشروع المرتبة التي يستحقها في صدارة المشروعات القومية لما له من أهمية قصوي في تصدينا لمشكلة متراكمة يتحتم علينا مواجهتها وعلاجها للحيلولة دون توريثها للأجيال المقبلة أشد تراكما وأبلغ ضررا.
ولمن لم يتابع هذه القضية أو لا يدرك مدي إلحاحها ومسئوليتنا إزائها, أقول إنه منذ بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي بدأ احتجاز مياه فيضان النيل في بحيرة السد تجنيبا لمصر من أخطار الفيضان وتخزينا للمياه لترشيد استخدامها لأغراض الزراعة وتوليد الكهرباء لكن كانت النتيجة غير المباشرة والسلبية لمشروع السد والمترتبة علي إيقاف التدفق الطبيعي لمياه النيل أن فقدت تلك المياه محتواها العالق بها من ذرات الطمي الدقيقة حيث ترسبت في قاع البحيرة وعند فتح بوابات السد لتمرير المياه مرت المياه زرقاء نقية بدون الطمي تاركة إياه في قاع البحيرة, الأمر الذي نتج عنه حرمان الأرض الزراعية بطول الوادي والدلتا من أكسير الحياة الذي كان يجدد شبابها كل عام متمثلا في الطمي ومحتواه من الأملاح والمعادن الأساسية لخصوبة التربة, علاوة علي تراكم طبقات الطمي في البحيرة وتأثير ذلك علي المدي الطويل في الانتقاص من سعتها التخزينية.
وكما قال السيسي وهو يتحدث عن بعض مشروعاته طويلة الأجل إنه إذ يهتم بها يدرك أنه -أو أن جعلنا هذا- يزرع وقد لا يري ثمرة ما يزرع لكنه يعرف أن الثمرة سوف تحصدها الأجيال التالية من أبنائنا وأحفادنا.. أقول أنا في معرض تناولي لقضية طمي النيل إننا مدينين للأجيال القادمة ألا نورثها هذه المشكلة بعد أن يكون حجمها وثقلها قد استفحل وخرج عن نطاق السيطرة -حتي بدعوي بعض الخبراء أن تأثيرها الآن محدود وغير خطير- لأن هناك نفرا آخر من الخبراء يعترف بأنه يلزم مواجهتها وعدم إهمالها.. والغريب أنه مما أفاد به أحد خبراء وزارة الموارد المائية والري السابقين أن إحدي الشركات اليابانية طلبت التفاوض مع السلطات المصرية المختصة لإقامة مشروع استثماري للاستفادة من الطمي المترسب داخل البحيرة بنقله واستخدامه في استصلاح مليون فدان يتم تخصيصها للزراعة النظيفة الخالية من المبيدات والكيماويات- أي المحاصيل العضوية- بهدف التصدير, إلا أن المشروع لم يكتمل.. كما يقول خبير آخر إنه منذ سنوات عديدة تقدم مجموعة من المستثمرين الأجانب بمشروع لانتشال الطمي من بحيرة السد علي أن يترك جزء منه لمصر ويتم تصدير الجزء الآخر لأماكن أخري للاستفادة منه في رفع خصوبة الأراضي الزراعية, لكن المشروع وقتها لم يلق قبولا أو ترحيبا!!!
إنني إذ أعيد طرح قضية طمي النيل -المسكوت عنها- أرفعها إلي الرئيس السيسي لعلها تجد الدراسة المتخصصة التي تستحقها والمشروع القومي الذي يناسبها.. حتي يتحمل جيل بناة السد مسئوليتهم التاريخية أمام الأجيال القادمة.