الأقباط متحدون - والله العظيم بريئ يا بيه
أخر تحديث ٠٦:٤٩ | الخميس ١٦ يونيو ٢٠١٦ | ٩بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٦١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

والله العظيم بريئ يا بيه

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

فاروق عطية
   طال شوقي لتراب الوطن، وقررت رغم اعتراض الأبناء خوفا عليّ في هذه السن معاناة السفر، وخشية تعرضي لمعاملة غير لائقة من السلطات المصرية. وكان دافعي للسفر، شوقي لإبني الذي يعيش بمدينة الغردقة (محافظة البحر الأحمر) وأيضا مساهمة مني في إحياء عودة السياحة، حيث أنني أزور الوطن بصفتي مواطن كندي الجنسية. ذهبت لمكتب الأقصر للسفريات والسياحة الذي يديره الصديق رفيق بقطر، الذي دائما ما ييسر لي أفضل الرحلات وأقلها سعرا مع عمل خصم خاص، الذي قام بالواجب كاملا وحجز لي في موعد يتناسب وصول الرحلة لمطار القاهرة قبل قيام رحلة القاهرة الغردقة ببضع ساعات.

   كانت الرحلة مريحة وممتعة لم أشعر فيها بأي إرهاق والحمد لله حتي وصلنا مطار القاهرة بسلام. أبرزت جوازيّ السفر المصري والكندي لضابط إنهاْء إجراءات الوصول، الذي طلب مني الانتظار قليلا حتي ينهي مكالمته التليفونية، بعدها أقبل ضابط آخر حياني باحترام وابتسامة عريضة علي شفتيه، طلب مني أن أتوجه معه إلي المكتب لإنهاء بعض الإجراءات الروتينية. في مكتبه قدم لي كوبا من الشاي الساخن قائلا: مرحبا بك في مصر مرة أخري. قلت له: هل مطلوب القبض عليّ ؟ أجابني والابتسامة لا تفارق شفتيه: فقط مجرد استفسار عن بعض الأشياء، طبعا سيادتك كانب مشهور في كندا. أجبته: أنا مجرد كاتب أما حكاية مشهور فلا أظن لأن عدد قراء صحيفتنا محدود بعدد من أفراد الجالية المصرية هناك. قال: أنت أيضا تنشر مقالاتك علي عِدّة مواقع بالشبكة العنكبوتية مما يجعل كتاباتك متاحة عالميا لكل من يقرأ العربية، وأنا أيضا أحد قراءك الدائمين. قلت له: شرف عظيم لي أن تكون قارئ لما أكنب.

   سكت قليلا ثم فتح أحد أدراج مكتبه وأخرج منها ملفا، راح يعبث بصفحاته وتوقف عند إحداها، قال لي: سوف أقرأ لك مقطع من أحدي مقالاتك المدونة علي صفحتك الفيس بوكية:

"هذه الثقافة الإسلامية التقليدية لا تقف فقط ضد المسيحيين، ولكن ضد كل الأقليات، لعلك تذكر تهجير وحرق بيوت البهائيين على سبيل المثال. بل هذه الثقافة المتوحشة تحارب بكل قواها المختلف من ذات الدين. لعلك تذكر على سبيل المثال تعرية وسحل وقتل رجل الدين الشيعي حسن شحاته ومن معه في قرية زارية مسلم بمحافظة الجيزة منذ عدة سنوات.

كما أن هذه الثقافة الإرهابية ليست وليدة الوهابية السعودية. صحيح أن الوهابية تنشرها، لكن محمد بن عبد الوهاب مؤسس هذا المذهب الدموي لم يخترع هذا التشدد. ومثله داعش وطالبان وغيرها وغيرها من التنظيمات الإرهابية. كلهم استندوا الى ما يلي:

 - آيات قرآنية تحرض مباشرة ضد المشركين و “النصارى” واليهود وغيرهم. وتطلب من المسلم حتى يرضى عنه الله سبحانه وتعالى ويدخله الجنة أن يصبح ارهابياً كارهاً لكل ما هو انساني. هذه الآيات هي صلب المذهب السني بتنويعاته، ما يتم تدريسه في الأزهر وفي التعليم العادي، في المنظمات السنية وفي المساجد وفي الإعلام وفي كل مكان.

احاديث صريحة تحرض على القتل والإرهاب ضد الآخر أياً كان، بما فيه المسلم المختلف. -

 - تاريخ خلافة قريش (لا اعتبرها اسلامية، مثلها مثل العثمانية وغيرها) مليئ بالغزوات والإحتلال لشعوب اخرى وطبعاً مثلما فعلت كل الإمبراطوريات القديمة، قمع وديكتاتورية واستبداد وتمييز وجرائم، فلم يكن تاريخاً وردياً، بما فيه الأندلس (هي بالمناسبة احتلال استيطاني)".

   توقف عن القراءة وهو يركز نظره مباشرة علي عينيّ وقال: أليس هذا ذمّ في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وقدح في الصحابة رضي الله عنهم، وتحقير للفتوحات الإسلامية، مما ينطبق عليه قانون ازدراء الأديان ؟ ولهذا السبب أنت علي قائمة انتظار الوصول للقبض عليك وتسليمك للنائب العام.

   وفي مكتب النائب العام، أعاد المحقق تلاوة  نفس المقطع وسألني: ألست أنت كاتب هذا الكلام؟ قلت له مؤكدا: بالقطع لا، أنا لست بكاتب هذا الكلام. عاد وسأل: أليس هذا الكلام منشور علي صفحنك بالفيس بوك؟ أجبته: نعم، ولكن هذا المقطع جزء من مقال قرأته وأُعجبت به فوضعته علي صفحتي. قال وابتسامة الانتصار تملأ شفتيه: هذا يكفي لإدانتك سيان كنت أنت الكاتب أو أنت من وضع هذا الكلام علي صفحتك، اعتراف صريح يدينك بمخالفة القانون ووقوعك تحت طائلة قانون ازدراء الأديان. قلت: هذا جزء مبتتر من مقال ولا يعبر بصدق عما يعنيه الكاتب، ولو قرأت المقال مجملا لوجدته مختلفا عما تظن. نظر إلي كاتبه دون أن يكترث باعتراضي وأمر بحبسي 14 يوما علي ذمة التحقيقات. فصرخت به طالبا حضور سفير كندا كوني مواطن أحمل الجنسية الكندية، فأردف قائلا: وكمان عاوز تستقوي بدولة أجنبية؟ وهذا يزيد من جرمك. استيقظت من نومي وأنا أصرخ مرددا: والله العظيم بريئ يا بيه. وحين أفقت حمدت الله أنني ما زلت في كندا بلد الحريات والعلمانية.

   نعم أنا بريئ من كتابة هذا المقال ولكني أحترم كاتبه وأهنئه علي جراءته وكتابته هذا المقال دون خوف، في بلد لا يحترم حرية الرأي والتعبير ويتصيد الأخطاء لمن يريد الخلاص منه، واستخدام قانون ازدراء الأديان لوضعه في غياهب السجون.

   ألمح قارئا يقول لنفسه عني: هذا كاتب لا يحترم الأديان ويريد بوضع هذا المقطع علي أنه حلم أن يبرئ نفسه من تبعات القانون. ولهذا القارئ ولكل من يفكر مثله بأنني أتواري خلف الحلم، أأكد أن هذا الجزء مبتور من مقال كتبه الكاتب الصحفي المحترم سعيد شعيب، تحت عنوان: أنا مسلم وأكره المسيجيين. وكما تعلم عزيزي القارئ أن المقال عادة ما يتكون من المقدمة التي يطرح الكاتب فيها باختصار فكرة المقال، ثم المتن وهو لب الموضوع بإسهاب، تم الخاتمة التي ينهي الكاتب بها مقاله. والجزء المنشور أعلاه هو متن المقال وإليكم مقدمة المقال: "نعم ،أنا مسلم أكره المسيحيين، فكراهيتهم واجب ديني اسلامي، واحتقارهم ضرورة، فهم ليسوا من طينة البشر، إما أن تهجرهم خارج بلاد المسلمين أو يقتلوا، واذا كنت مسلماً كريماً فتتركهم يعيشون، لكن مذلولين مهانيين، يدفعون الجزية وهم صاغرين. هذا بوضوح جزء اساسي من الثقافة الدينية الإسلامية.

لذلك ارجو ألا نقع في فخ أن ما حدث في المنيا ومن قبلها ومن بعدها سيحدث في اماكن اخرى، بسبب السلفيين المتزمتين المتشديين أو الوهابية السعودية. فهو نتاج طبيعي لما تعلمته انا كمسلم وعشته طوال حياتي: في المسجد، المدرسة، الجمعية الشرعية، البرامج الدينية في الإعلام الرسمي وغير الرسمي. لقد تعلمنا أن الطريق الى الجنة يتطلب منا، طبقاً لما أمرنا الله سبحانه وتعالى، أن نكره ونهين ونؤذي ونقتل لو امكن. محافظ المنيا ومدير الأمن والرئيس وغيرهم وغيرهم من مؤسسات الدولة هم نتاج طبيعي لهذه الثقافة العنصرية والنهج غير الإنساني. وهو ما اسماه صديقي العزيز الباحث الشهير مجدي خليل الدولة الإسلامية العميقة. لذلك محافظ المنيا تهزه خرافة أن لفظ الجلالة مكتوب على بيضة، ولكن لا تحرك مشاعره حرق وتهجير وتعرية المرأة المسيحية".

   ثم ينهي الكاتب مقاله بالآني: "المسلم السني العادي محمّل بكل هذه الأثقال الغير انسانية، حاربت السلطات السياسية والدينية على امتداد تاريخ خلافة قريش ومن بعدها العثمانيون أي محاولة لنشر اجتهاد يعيد التأويل. بل حرضت على قتل وسحل المجددين العظام مثل المعتزلة وابن رشد والعظيم محمود محمد طه ونصر حامد ابو زيد وسيد القمني وفرج فودة واسلام البحيري وغيرهم. هؤلاء العظام حاولوا مثلاً أن يشرحوا أن الآيات التي تحرض على العنف كانت مرتبطة بظروقها التي نزلت فيها. فالرسول عليه الصلاة والسلام هاجر الى المدينة وبدأ في خوض صراع سياسي لنشر وفرض الدعوة، أي أنها آيات لا تصلح لزماننا، فقد كانت مرتبطة بظرفها التاريخي. واجتهاد اخر يقول أن الأصل هو الآيات المكية، أما الآيات التي نزلت في المدينة فهي الفرع، ولا يجوز للفرع أن يلغي الأصل. فالأصل في الإسلام هو“لا اكراه في الدين"،”ولكم دينكم ولي دين”، وما يخالفه كان مناسباً وقتها ولا يصلح الآن.

    باقي الأديان الإبراهيمية سيطرت نسخ منها أو تأويلات عنيفة ارهابية، واستطاعت المجتمعات، خاصة الغربية، انسنتها، أي نشر تأويل أو نسخة انسانية منها. لابد أن نكون صرحاء ونعترف كمسلمين سنة أن لدينا كارثة كبرى ضد انفسنا وضد الآخر. المسلم العادي مسكين افهموه وحشوا رأسه بأنه اذا اراد رضا الله وجنته، حيث يتناول فطوره مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ويحظي بالحور العين، لابد أن يكون كتلة من الحقد والكراهية، ارهابي، يفرح ويشعر بالفخر لتعرية سيدة قبطية لأنها قبطية، يحرق ويقتل وهومبتسم، فهو يد الله جل علاه ضد اعداءه. فالطريق الى الجنة مفروش بدماء الكفار.

   علينا أن نسعى لتبني ونشر نسخ انسانية من ديننا العظيم، نسخة ترفض رفضاً قاطعاً تعرية سيدة المنيا وحرق بيوت البهائيين. ومطاردة الملحدين وحرق الأسرى احياء. نسخ تتصالح مع الحياة ولا تكون سبباً في تدميرها. وكل من يقف ضد ذلك من سلطات دينية وسياسية هم في الحقيقة اعداء للإنسانية.   بقلم: سعد شعيب

   تحياتي واحترامي وتقديري للكاتب الشجاع سعد شعيب وأرجو وأتمني ألا يكون مصيره مثل مصير آخرين تجرأوا فكان مصيرهم المحاكمة بتهمة ازدراء الإسلام، وهو ما لا نرجوه أو نتمناه له.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع